لأن جدتي لم تتعود بعد على زيت المائة العادي.. والذي أصبح سعره غير اعتيادي، وعلى »بيت الضو« و»دجاج الضو« على تعبيرها.. فقد قلت شهيتها في رمضان، مما جعل ابنها الأصغر، الذي هو أبن أخي الأوسط الذي تسكن معه في قرية لاتزال لم تر نور الاستقلال.. ولكن.. الحمد لله! خير من كثير حتى من المدن التي خرجت إلى الاستقلال!.. كل شيء عندهم متوفر! كل شيء يعني على حسب »الحاجة« المحلية هنا.. لأنهم في رأينا نحن.. هم ناقصون من كل حاجة.. لكن بالنسبة لهم.. كل حاجة موجودة والحمد لله!.. الحمير والبغال والعربات غير البخارية.. والدجاج والماعز والغنم وبعض البقر وقليلا من الخضرة وهذا ما كان..! لا كهرباء ولا ما يتبعه! ولا طريق للسيارات ولا نقل عمومي ولا خصوصي! المشي لخمسة كيلومترات أو ركوب الحمير والبغال للوصول إلى أقرب قرية ريفية للتزود ببعض الحاجيات القليلة كالسكر والقهوة والشاي.. والانتخابات!! قلت إن ابن أخي هذا، قد أحضر اليوم لجدته »كرموس النصارى«، وقليلا من »بيض لعرب« و؟»زيت لقبايل« وأحضر معه ديكا عروبيا بتاجه الأحمر وريشه الأصفر والأسود!.. أحضره هكذا »حيا يسعى«! يبدو أنه عانى معه طيلة السفر في الحافلة العمومية.. حسب ما رواه لنا في ما بعد.. لأنه خرج من القفة التي كانت موضوعة في أعلى الرف في الحافلة العمومية، والتي كان مقيدا داخلها وراح يضع فضلاته على رأس شاب قد طلى رأسه بGel مما جعل معركة تنشب بين الشابين انتقلت إلى صراع بين »العروبية والمتحضرين« و..»أنا وهراني..« و»أنت معسكري«.. أفضت إلى تدخل عنيف من طرف ابن أخي الذي فيما يقول قد لكم الشاب في النهاية لكمة أسكتته طول المسافة! الديك، ما إن دخل، حتى انبهر فيه وفي جماله كل من في البيت.. لاسيما الأولاد والفتيات! ودون أن نعرف، راحوا يطلقون سراحه دون أن يعرفوا أنه »ديك مقاوم شرس«! وما إن فك وثاقه حتى راح يصيح ويطير من مكان إلى مكان داخل الشقة! كسر أربعة كؤوس وقارورة عطر.. فتحول البيت إلى »بيت العنبر والعطور.. أصل له جذور!«.. ثم بدأت الحرب! حرب إلقاء القبض على السجين الهارب!.. من فوق الدولاب إلى المطبخ إلى الصالة..! والنتيجة.. سقوط عدة أواني فخارية ضحايا..وزجاج ومياه متدفقة و»ترموس« قهوة مكسر ومرآة مشقوقة.. وفوضى عارمة في البيت! وانتهى المقام بديك »عمي بشير« كما سماه ابناء، إلى انتصار المقاومة.. ووقوفه فوق ثريا الصالون وهو يصيح: اأأأأأأووو أأأأأأأووووو!! قال لنا صاحبه أنه لن نستطيع الإمساك به بسهولة لأنه »ينقب«! ينقر أي واحد يحاول الإمساك به.. والحل هو أن نتركه حتى يجوع ونعطيه القمح! لا يأكل إلا القمح!.. لكن القمح غير موجود في البيت ولا في الجوار! وكان علينا أن نبعث من يبحث عن بائع للقمع.. فلم نجده، بدعوة أن القمح لا يباع إلا وقت »الناير« ونحن في رمضان! وفجأة اهتدى ابني الأصغر إلى فكرة! أدار المروحة الكهربائية أسفل الثريا.. فأراد أن يغير من موقع.. فضرب جناح المروحة جناح الديك.. فهوى أرضا.. فطار عليه صاحبه وأمسكه مسكة محكمة قبل أن يقول: لابد أن نذبحه الآن قبل أن يفجر حربا ثانية! لكن أين نذبح؟.. في الحمام!؟ ربما!.. وما إن حضرت نفسي لأذبحه، حتى كان يطير من نافذة الحمام.. من الطابق ال14! وراح يطير ويطير إلى أن غاب فوق عمارة مجاورة..! عندها تأكدنا أنه لا مجال لمقاومة المقاومة!