ذكريات غالية من سجن برواقية وهكذا تواصلت حلقات الشبكة فكل من تكلم ورأى واستضاف مراح وشاهد رشاشه أصبح عند علماء الأمن الجزائري مشتبها فيه. عندما قبض على مراح أو استقبض نفسه أصبح مستشارا في فرقة البحث بلباس رياضي يصول ويجول، يضرب هذا ويقابل هذا ويذكّر الآخر بقوله ورأيته للرشاش أو تقبيله للسلاح.. وصل إلى سيدي بلعباس وجمع منها خير الله نجوع من جماعة أخينا عثمان محمد رحمه الله ومنهم أحد الاخوة الذي حضر مؤتمرنا الذي لم يفلت من قبضة مراح.. فلما وجد خاتم خروجه إلى فرنسا في جواز سفره، سئل ماذا فعل هذا الصيف قال صراحة إنه ذهب لفرنسا وحضر مؤتمرا إسلاميا.. من حضره من الجزائريين يا السي فلان؟ حضر كثير من الجزائريين والإخوة العرب وهو مؤتمر حول الحج ما فيه إلا الخير.. من عرفت من الجزائريين؟ كنت أعرف الاخوة بوكليخة من تلمسان وبوزوينة من مستغانم، كنا نعرفهم خلال الدعوة كطلبة في الجامعة وهم الآن أساتذة محترمون..؟ قال لي أخونا هذا ظننت أنني عندما أذكر لهم أسماءكم يتأكدون بأنني لست من جماعة السلاح والفكر المتطرف فأنتم معروفون بالحكمة والثقافة ولا يمكن أن يجعلوكم مع الأميين والمتهورين.. مسكين أخونا كان يفكر بمنطق سليم.. ونسي أننا في بلدنا الحبيبة تعلمنا أو علمنا أن لا نقول "نورمالمون" أي من المفروض أن.. أو أن نقول "لوجيكمون" أي من المنطقي أن.. فالمنطق السليم والتفكير العقلاني ممنوع من الصرف عندنا.. منطقك يا أخانا غير مقبول.. إن أَكَلَةَ الحلوف وشرّابي الفودكة في روسيا الحمراء حفظوا درسا لم ينسوه.. أن لا تسامح مع الإخوان المسلمين وخاصة المثقفين منهم، فهم أخطر عليهم لأنهم هم التقدميون ونحن الرجعيون.. هكذا حفظوا الدروس ويتقنون تنفيذها ولا عليك.. .. وهكذا بلا ذنب أصبحت بالنسبة لقاضي التحقيق عنصر التفكير في قضية بوعلي والثورة الخمينية التي كنا نحضر لها فكلنا أمراء مناطق وكنا نقوم بعلاقات مع الجماعات الإسلامية في الخارج للقيام بالثورة ويا ليتها كانت حقيقة ولو فكرنا فيها لكان أحسن من أن يبكينا أولياؤنا ونساؤنا ولا يعرفون حتى أين ذهبوا بنا ولا كلب نبح.. استغفر الله لقد نبح كلب عندنا.. نعم نبحة كلب في محافظة جبهة التحرير بتلمسان نبح وأفصح أن الأمن ألقى القبض على رجل من عندنا كان يقوم بعلاقات مع المخابرات الأمريكية.. ألا لعنة الله على الظالمين.. سأسألك يا عدو الله يوما عن قولتك هذه أمام ربّ العزة الجبار ونرى بماذا ستجيب..؟ هكذا أصبحنا في سجن البرواقية، وقد سبقنا إليها فوج أول في نفس القضية من العاشور وغيره من العاصمة جل محبي بوعلي، كما قد سبقنا إليها مجموعة الجامعة المركزية بصحبة عباسي مدني وسعد جاب الله في قضية النقاط الأربع عشرة التي تليت في الجمعة المشهورة التي فاضت بالمصلين إلى شوارع العاصمة فألقي القبض على منظمي التجمهر والذين كان أغلبهم من جماعة محمد السعيد، مصطفى إبراهيمي، بوجلخة، ثابت حمي.. كنا نلتقي في البارلوار أي في بهو الزيارات ويعرفون فيم سجنّا ونعرف فيم سجنوا.. فما الذي جعل بعض زعماء هذه الجماعة يشيعون بهتانا وزورا أننا سجنا لعلاقتنا بمنظمة بن بلة..؟؟؟ ومن يصدقني مادام قالها زعماء جماعة الجزأرة فهم أعلم والكلمة لهم فقط وأما الدولة والحكمة فقد أخطأت وكان عليها أن تغيّر التهم وتثبت ما صرح بها الجزأري الكذاب.. ولقد سلمت يوما الحكم لأحد الإخوة السلفيين ليقرأ بأم عينيه الحكم بالبراءة في قضية مراح وبوعلي مصطفى، فاندهش وقال لي هذا ما يشاع عنك من طرف الجماعة المعروفة بحسدها لك.. والله نسأل العافية من هذا البلاء. ذكريات غالية من سجن برواقية كان لبعض الإخوة المسجونين معنا في نفس القضية من مدينة البليدة وما جاورها زيارات أكثر منّا فيأتون لهم بكل خير خاصة أحدهم من عائلة لا بأس بها ولكن للأسف أخانا هذا كان شحيحا علينا، مرة ونحن واقفون نتفرج من الجزء الذي بقي من النافذة التي أغلقت كليا إلا شبر منها، فإذا بشيء يخلعنا بسقوطه على الأرض، إنها دجاجة مشوية وإذا بالثانية تلحق بها والتفّت القطط حولها، يا للهول نحن نتعشى بالخبز والشكولاطا، يقسم علينا أخونا بوزوينة رحمه الله ما ادخر من زيارته وأخونا البليدي يسقط علينا الدجاج المشوي الذي أفسده الجو الحار في الزنزانة.. لو كان معه أخونا الذيب أو الحاج لتدبر أمره وغسله بالماء والصابون كما كان يفعل مع اللحم الذي لا يصبر على طول التخزين فيغسله لنا ويقول لنا كولوا راه أصبح مليح ما اتخافوش ما يصرانا والو.. للأسف ذات ليلة أبتليت الزنزانة بجوارنا بالسيلان (دياري) جراء أكلة فاسدة ولك أن تتصور أربعة نفر يتداولون على مرحاض واحد وكلهم في بطنه سقاية.. كيف نجوتم البارحة يا عثمان.. واش انقولك يا أخونا يحي لقد فرشنا الصحف على الأرض وتوجهنا للحائط كل لا يهمه إلا الشفاء وباتت الزنزانة تعج.. فلما فتح الباب علينا، ما كان علينا إلا تنظيف الأرض وغسل كل شيء.. ضحكنا حتى الخنافر وبكينا بعدها ودعونا على قاضي التحقيق ومن جاءوا بنا.. فالمهم سلّط عليهم من يسوءهم سوء العذاب وينتقم منهم.. أنا لا أبكي على السجن يا ولدي ولكن على أن هذه المحنة التي جاءتي في كبري.. إني أبكي على الذنوب التي جاءت بي وإني منذ أن دخلت إلى هنا وأنا أقلب صفحات الماضي استغفر وأحاول تذكر ذنوبي، ما نسيت منها أو التي لم أتب منها بعد.. قد يكون ذلك الذنب الذي اقترفته في حق أخي الكبير.. واش درت يا الحاج أنت مولى خير وأخوك أعرفه نسي بدون شك وتسامحتم.. كنت صغيرا لما مات أبي، وأخي الكبير هو الذي تكفل بتربيتي وبمسؤولية العائلة وتم توزيع الإرث على إخواني الآخرين ولكن لم يعط لي أي شيء.. في يوم دخلت إلى الاسطبل وأخرجت منه الفرس وركبتها بسرعة واتجهت إلى السوق، بعتها وذهبت إلى وهران.. بعد أيام وصلت عندي الشرطة تطلب مني الحضور لمقرها.. دخلت إلى المقر فوجدت أخي جالسا ينتظر.. أدخلت إلى مكتب الكوميسير فبدأ يؤنّبني.. ألا تستحي أن تسرق أمتعة الآخرين.. قلت أنا لم أسرق شيئا قال وماذا عن الفرس التي سرقت وبعتها بثمن كذا لفلان لقد وجدناها عنده وقال اشتراها منك.. قلت يا سيدي الكوميسير "العودة" انتاعي وأنا لم أسرقها.. قال الكوميسير غاضبا أدخلوا الرجل.. دخل أخي وقال لي أتعرف هذا الرجل قلت نعم وهو أخي فقال الكوميسير فلماذا سرقته، قلت إنني أخذت حقي من الإرث فهو الذي قسم تركة أبي ولم يعطني شيئا.. غضب الكوميسير وقال هذه قضية شريعة إسلامية ونحن لا نتدخل في هذا، اذهبوا عند القاضي.. قال لأخي: لماذا لم تشرح لي بأن السارق أخوك.. قال أخي نعم يا سي الكميسير، إن شريعتنا تعطيني الحق في الاحتفاظ بحقه حتى يبلغ فأدفعه له لأنه مازال لم يبلغ سن الرشد.. قال اذهبوا عند القاضي إذا.. خرج أخي المسكين ناكسا رأسه وأنا مرفوع الرأس.. وما أظن إلا أن هذه الحادثة هي التي اليوم راني انخلص فيها.. مع أنني تسامحت مع أخي وأخذته معي للحج ونحن والحمد لله متحابين.. قلت إنها ذنوب، ربّنا يغفرها ويرفع بها الدرجات إن شاء الله وما هذه المحنة إلا تنقية وتحتات للذنوب وسيفرج الله عنا قريبا.. هكذا تعلمنا بالألف والباء أن ننظر إلى مايحدث لنا من عسر في الدنيا إنما هو مما قدمت أيدينا ولا نقول كما يقول اليوم كثير من الغافلين إنها الحكومة التي تسببت في تلك الفتنة بل هي ذنوبكم وأعمالكم جلبت لكم غضب الرب عز وجل فسطلت عليكم حكومة تستحقونها وكما يقول المثال الفرنسي: إننا لا نمتلك إلا الوجه الذي نستحق.. رحمك الله يا الحاج محمد كنت تحفظ دروس الزمان، فالله يجازيك عنا كل خير.. كان أخونا عبد الحق يتولى الطبخ وخاصة في شهر رمضان.. تأخر يوما عن تحضير حريرة الفطور فقال له الحاج "واش اصرالك اليوم".. قال "يا ودي اليوم سقطت لي القدرة وطاح كل شيء في الأرض واضطررت أن أعيد التقدار".. قال له "ومن شافك، كنت تغرفها من الأرض وتعيدها للقدرة الأرض راها انقية".. قال "لا حاش انوكلكم حاجة طاحت في الأرض".. شكرا لك يا أخانا وجازاك الله عنا كل خير آجلا وعاجلا، هذه هي الأمانة والصدق في المعاملة.. كلما تذكرت تلك الأيام ابتسم وتفيض عيناي.. نعم يا إخوتي، الرجال يعرفون في الضيق وعند الحاجة.. أين هم اليوم إذا دوّرت رأسك باعك واشترى غيرك.. يتغامزون عليك ويتظاهرون لك بالأخوة.. فاللهم احفظنا من مكرهم.. ونحن في البهو مابين الزنزانات نقوم بالمائة خطوة، كما يقول المثل الفرنسي، وقد فتح الأبواب علينا ذلك الشيخ المحترم حارس السجن وحافظ القرآن، كان يحب القراءة الجماعية معنا ويشجعنا على الحفظ.. ونحن نخطو خطوات ما قبل المغرب وقد اختلطنا كل المجموعات؛ الذين من العاصمة والبليدة وبن مراد والصحراء.. كل الذين جمعوا في قضية مراح وبوعلي.. كلنا كنا نلتقي في السير بفضل ذلك الحارس الذي تخطى التعليمات وفتح علينا الزنزانات وأصبحنا نتعارف.. عرفني أخونا عبد الحق بأحد الإخوة: أنظر إلى ذلك الأخ حليق اللحية والسمين شيئا ما، هذاك راك اتشوف فيه يظهر لك عادي يضرب الشمة ولا يعرف من الدين إلا النزر ولا يعمر لك العين.. ذاك ولي الله حقا.. ولي الله! يحبه الله، كيف عرفت يا خوية أنه ولي الله ومحبوب عند الله؟ قال لي أخونا سأقص عليك قصته بعد التراويح ونجبّد بها الليل إن شاء الله، نعم يا اخواني إنها قصة عجيبة وتستحق أن تصبح فلما إسلاميا بعنوان: تب رغم أنفك.. قال: كما تعرف بدأنا الدعوة الإسلامية في بداية السبعينيات مع جماعة التبليغ، كنا نذهب للقرى والمدن ندخل إلى الحانات وفي الطرقات نعرض على الناس الذهاب معنا إلى المسجد للاستماع إلى درس صغير وتعلم الصلاة.. من الغرب إلى الشرق مرورا بالوسط.. نخرج إلى زيارة التجار وكل من نسمع عنه أنه صاحب خير.. وهكذا تعرفنا على أخينا المرحوم رايت عبد الكمال من ولاية البليدة والذي كان حافظا للقرآن.. في إحدى خرجاتنا التقينا بأخينا هذا الذي قلت لك أنه ولي لله.. عرضنا عليه الرجوع إلى الله والتوبة والالتزام بالصلاة.. استجاب لنا وأصبح يصلي ويخرج معنا للدعوة. تركناه في بلدته وواصلنا عملنا وبقي على التزامه ولكن في نفس الوقت بدأت تقع له بعض المشاكل.. أولها مع زوجته فقد تخاصما خصاما مريرا وكاد بيته أن ينفجر ووقع له خصام مع أهل زوجته.. تدخل أخونا رايت كمال (رحمه الله قتله أعداء الله من سموا أنفسهم مجاهدون لرفضه الانصياع لهم والذهاب معهم والقول بجواز مجازرهم) وساعده على تجاوز المحنة.. ثم بدأت تتدهور تجارته من ناحية المبيعات والربح.. يتبع...