عبد الحكيم حكار / نعتذر عن رداءة الصورة قد يكون عبد الحكيم حكّار أقدم سجين جزائري في السجون الفرنسية، فهو يرقُد هناك منذ أربعة وعشرين عاما. تعود قضية حكار إلى العام 1984 عندما اتّهمته السلطات الفرنسية بقتل شرطي فرنسي وجرح آخر والمشاركة في عملية سرقة. * * عبد الحكيم معزول عن العالم في زنزانة داخل أنفاق * * حكم القضاء الفرنسي على عبد الحكيم ب18 سنة سجنا قضاها كُلها، لكنّ مُدّة السجن زادت عن الحكم المنطوق، فالسلطات الفرنسية قرّرت أن لا تُطلق سراحه، ولاتزال تبقيه في سجن تعسّفي منذ ست سنوات كاملة، وهُنا قرّر عبد الحكيم متابعة فرنسا قضائيا، فجرجرها في المحاكم الدولية بتهمة سجنه تعسفيا، وكانت هذه بداية حربٍ بين مواطن جزائري والدّولة الفرنسية. * وُلد عبد الحكيم في مدينة خنشلة سنة 1955، يقول عنه محاميه الأستاذ نعمان دغباش بأنه "رجل حنون ومُحترم في قريته بوجلبانة". * سافر عبد الحكيم إلى فرنسا وهناك تزوج من فرنسية سنة 1984، وأنجب منها ولدا هو اليوم في الرابعة والعشرين من العمر. * * حادثة السرقة وقتل الشرطي * * يقول الأستاذ دغباش بأن موكّله اعتُقل رفقة مواطنين فرنسيين بتهمة السرقة وقتل شرطي فرنسي وجرح شرطي آخر، وفي التفاصيل أن الشرطي المقتول حاول التدخل لصد عملية سرقة وأثناء تدخله تلقى عيارات نارية أردته قتيلا فيما جُرح زميل له. * يقول الأستاذ دغباش بأن موكله يجزم إلى اللحظة بأنه سُجن دون أن يكون هناك دليل إثبات واحد ضدّه، وهو ما يؤكده المحامي نفسه "ليس هناك دليل إثبات واحد يثبت بأن موكلي ارتكب جناية القتل، وعليه، فهو لا يستحق عقوبة السجن". ورغم كل هذا، فقد جاء في التحقيقات التي قامت بها السلطات الفرنسية أن مصدر العيارات النارية التي توفي بسببها الشرطي هو المواطن الجزائري عبد الحكيم حكار، وهو الإثبات الذي على أساسه أدين حكار بالسجن. * حكم المحكمة الجنائية الفرنسية على عبد الحكيم حكار بالسجن النافذ ل 18 عاما، وقد قضاها عبد الحكيم كاملة دون أن ينقص منها يوم واحد. * * انتهاء المحكومية وبداية الكابوس * * انتهت محكومية عبد الحكيم ومكث الرجل يترقّب إطلاق سراحه، غير أن السلطات الفرنسية لم تطلق سراحه وأبقته معتقلا لديها في سجن "بوزنسون" وأبلغته بأنه سيبقى لديها، وهنا يقول الأستاذ دغباش بأن السلطات الفرنسية تُعيد محاكمة موكّله على الفعل نفسه الذي أدانته به، وذلك بموجب قانون العقوبات الجديد، وبموجب هذه القوانين لاتزال السلطات الفرنسية تعتقل عبد الحكيمإلى العام السادس على التوالي بعد انقضاء فترة سجنه التي حكمت له بها من قبل. * ويرفض الأستاذ دغباش سلوك السلطات الفرنسية هذا بالقول "هذا مرفوض وفق كل القوانين الدولية، إذ كيف يُحاكم المسجون مرّتين على الفعل الواحد.. هذا أمر غير مقبول على الإطلاق؟؟"، ويؤكد محدّثنا بأن السلطات الفرنسية ستعيد بالفعل محاكمة عبد الحميد. * كان هذا القرار الفرنسي إيذانا ببداية كابوس حقيقي سيعيشه عبد الحكيمللعام السادس على التوالي، ولايزال.. * * المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان تُنصف حكّار * * يؤكد الأستاذ دغباش بأن موكله عبد الحكيمحاول في غير ما مرة الفرار من السجن ومن الكابوس أيضا، بعد أن عرف بأن الفرنسيين لن يطلقوا سراحه، لكنه وصل إلى حقيقة وهي أن عليه أن يواجه السلطات الفرنسية في المحاكم الدولية لا أن يفرّ من مواجهتها، وأن عليه أن يأخذ منها حقوقه كلها. * رفع عبد الحكيم حكار دعوى ضد السلطات القضائية الفرنسية في محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وبعد دراسة قضيته على مستوى هذه المحكمة، طعنت هذه الأخيرة في الطريقة التي حاكمت بها المحكمة الجنائية الفرنسية حكار، وقالت بصريح العبارة إن المحاكمة كانت جائرة وتفتقر لأدبيات القضاء، حيث سجلت المحكمة أن السلطات الفرنسية اعتقلت حكار في 1984 ولم تحاكمه إلا في سنة 1989، وبعد دراسة مستفيضة حكمت المحكمة الأوروبية بتغريم السلطات الفرنسية مبلغ 62 ألف فرنك فرنسي، واتهمت السلطات الفرنسية بسجن حكار سجنا تعسفيا، وطلبت من السلطات الفرنسية إطلاق سراح عبد الحكيم حكار فورا، وذلك بتهمة مخالفة أحكام المادة السادسة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان المبرمة في الرابع من نوفمبر 1950. * سجلت المحكمة الأوروبية على المحكمة الجنائية الفرنسية أنها حرمت حكار من حقه في أن يكون له محام يدافع عنه، فلقد حوكم حكار دون حضور محاميه، وكان محاميه في أيامها فرنسيا. * من المخالفات الأخرى التي سجلتها المحكمة الأوروبية على المحكمة الجنائية الفرنسية أنها لم تأخذ بقرينة البراءة إلى غاية ثبوت الإدانة، حيث حوكم حكار على أساس أنه "مُجرم" وأنه "مدان". * كذلك، سجلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على السلطات الفرنسية إساءة معاملة عبد الحميد، حيث لم تعامله معاملة حسنة مثلما تنص عليه القوانين الدولية، حيث كان حكار يعامل طيلة فترة اعتقاله التي سبقت محاكمته على أساس أنه "مجرم". * يقول الأستاذ دغباش بأن عبد الحكيملم يُمكّن من السماع لشهود النفي، وأن القاضي لم يعطه أي فرصة للدفاع عن نفسه. * * عبد الحكيم يحاكم فرنسا في أكتوبر المقبل * * كشف محامي عبد الحكيم حكار بأنه سيتنقل إلى مقر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للمرافعة لصالح حكار، وفي هذه المحاكمة سيقدم وزير فرنسي سابق شهادته، وقد تحفظ الأستاذ دغباش عن ذكر اسم الوزير الفرنسي حفاظا على سرية مجريات القضية لضمان نجاحها، غير أنه وعدنا بالكشف عن اسمه ومدّنا بتصريحات هذا الوزير. * يقول محامي عبد الحكيم بأنه سيتقدم بمجموعة شكاوى لدى المفوضية السامية لحقوق الإنسان الكائن مقرها في جنيف بسويسرا بتهمة خرق فرنسا أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966. * واليوم، يناشد عبد الحكيم الرئيس بوتفليقة التدخل ليطلق سراحه، ويُبدي عبد الحكيم دعمه للرئيس بوتفليقة للترشح لعهدة ثالثة، مؤكدا بأن خيار المصالحة الوطنية هو الخيار الأسلم للخروج بالجزائر من المحنة التي لا يريد لها أعداؤها أن تخرج منها، ومن التقاتل والتطاحن التي غرقت فيه البلاد منذ أكثر من عشرية. * * * عبد الحكيم حكّار من داخل سجن "بوزنسون": * "أنا بريئ.. فرنسا تكرهنا.. رشيدة داتي تتحرش بي قضائيا.. سيدي الرئيس أنقذني" * طلبت الشروق من محامي عبد الحكيم حكّار، الأستاذ دغبوش نعمان، أن يطلب من عبد الحكيم مكالمتنا، وفور تبليغه بالأمر طلب عبد الحكيم من سلطات سجن "بوزنسون" السماح له بإجراء مكالمة هاتفية مع الشروق، غير أن السلطات الفرنسية رفضت الطلب بِحُكم أن القانون يمنع المسجون من الحديث لأي أحد، اللهم إلا محاميه وأفراد عائلته. * وقد تفهّمت الشروق الأمر، لكن، وسعيا منها إلى إيصال صوت عبد الحكيم حكّار إلى كل الشعب الجزائري وإلى كل المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس بوتفليقة، أرسلت أسئلتها إلى محامي عبد الحكيم، وطلبت منه أن يسألَها عبد الحكيم، وفعلا تلقى عبد الحكيم أسئلتنا عبر الهاتف وأجاب عنها، والشكر موصول للأستاذ دغبوش نعمان على هذه الخدمة. * وفيما يلي أجوبة عبد الحكيم كما أدلى بها للشروق عبر محاميه. * * - السلام عليكم عبد الحكيم، كيف حالك؟ * * عبد الحكيم حكار: وعليكم السلام ورحمة الله، لست بخير أبدا.. على كل حال أنا شاكر لكم على هذه الفرصة، وسلامي إلى الجزائر كلّها. * * - عبد الحكيم، لنبدأ من البداية، ماذا فعلت حتى دخلت السجن؟ * * عبد الحكيم حكار: لم أفعل أي شيء، والحقيقة أنه بتاريخ 30 أوت 1984 عندما كنت بمدينة oxford على الساعة 1.30 بتوقيت باريس، وإذ بوكيل الجمهورية يهبط بمروحية، وفي الأسفل الشرطة تطلق علينا وابلا من الرصاص، فما كان إلا أن هربت خوفا من الموت، وفي صباح الغد، ألقت الشرطة الفرنسية القبض عليّ على أساس أنني أحدُ الأشخاص التسعة الذين قاموا بالسرقة، وأقول هنا بأن المتهمين الآخرين كلهم فرنسيون، وأنني مشارك في قتل الشرطي الفرنسي وجرح آخر، كلّ هذا بالرغم من أن القاتل اعترف بقتله الشرطي Claude schaffer، ووجد بمنزل أخته المسدس الذي أطلقت منه العيارات النارية التي أودت بحياة الشرطي، وبالرغم من ذلك حكم عليه ب 10 سنوات فقط، حيث قضى منها 07 سنوات، وأنا الذي لا يوجد أي دليل ضدي، أُدِنت ب: 18 سنة، ولم يُطلق سراحي بعد مرور مدة العقوبة، وأنا قابع في السجن للعام الرابع والعشرين. * * - هل كانت محاكمتك موضوعية ومن دون عنصرية، ألم تشعر بأي عنصرية أو معاملة احتقارية تجاهك؟ * * عبد الحكيم حكار: المحاكمة التي تمت في 08 ديسمبر 1989 كانت مهزلة وتمثيلية، ولم تراع فيها أدنى شروط وضمانات المحاكمة العادلة، وإنني الوحيد الذي عاقبوني بعقوبة كهذه، أما باقي الفرنسيين، حتى المعترفين منهم بالقتل كانت أحكامهم غير قاسية، وآخرهم أطلق سراحه سنة 1992، بدليل أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة 1995 وبعد تقديمي شكوى، اعتبرت محاكمتي التي تمت سنة 1989 كانت غير قانونية، ومخالفة لضمانات المحاكمة العادلة ولاتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوروبا المبرمة في روما في 04 نوفمبر 1950 والتي صادقت عليها فرنسا والتزمت بأحكامها، ولاسيما المادة 06 منها، وعليه أصدرت المحكمة الأوروبية حكمها بجعل إجراءات المحاكمة باطلة، وحكمت بالإفراج عني وإعادة محاكمتي، وتعويضي مبلغ 62.000 فرنك فرنسي عن الضرر المعنوي فقط، ما يمكنني من المطالبة بالضرر المادي. * أما بالنسبة للعبارات الاحتقارية، فإن الفرنسيين يرددونها دائما، عبارات نابية تدل على حقد دفين من الفرنسيين تجاه الجزائريين، ما جعلني أتأكد أن الحرب الجزائرية الفرنسية لم تنته بعد، بل أصبحت أكثر ضراوة حاليا مما كانت عليه سابقا. * * - كيف عاملوك في السجن؟ * * عبد الحكيم حكار: المعاملة في السجن كانت سيئة جدا، وتحمل تفرقة عنصرية شديدة، على أساس أنني جزائري، حتى أنهم كانوا يغيّرون مكان سجني من سجن لآخر في كل مرة، وهذا عنوة للضغط علي ولتحطيمي معنويا، حتى أنهم ومنذ سنتين، وضعوني في حبس انفرادي لا أتحدث لأي شخص، ولا أرى أي شخص، فالعزلة تكاد تقتلني، حتى أن لجنة محاربة التمييز العنصري الأوربية، وفي السنة 2003/ 2004 زارتني في السجن، ودرست ملفي، حيث لم تسجل أي ملاحظة تدل على عنف أو أي شيء، يدفع إلى حبسي انفراديا، ما جعلها تصدر توصيات للسلطات الفرنسية حول ظروف سجني، واعترفت تلك اللجنة بأنني أتعرض إلى تعذيب أبيض (تعذيب مغطى بطابع قانوني)، كما أن مدة عقوبتي غير القانونية انتهت سنة 2000 وأنا الآن في حبس تعسفي لمدة 08 سنوات. * * - كيف عرفت أنهم لن يطلقوا سراحك بعد استنفاذك فترة محكوميّتك؟ وكيف كان رد فعلك؟ * * عبد الحكيم حكار: عرفت أنهم لن يطلقوا سراحي، من خلال العبارات النابية والعنصرية وسب أصلي كجزائري، خاصة بعد أن قمت بمقاضاة فرنسا لعديد من المرات، وصدرت عديد من الأحكام ضدها أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الإدارية، والتي تقضي جميعها ببراءتي ووجوب إطلاق سراحي. بعد ذلك خاطبتني سلطات فرنسية بقولها "لقد أهنت فرنسا دوليا من خلال قضاياك العديدة، سنريك الويل والويلات.. سنحتجزك، وسنرى إن كانت حقوق الإنسان ستخرجك من سجنك"، ثمة أدركت أنهم لن يطلقوا سراحي. * أما رد فعلي أول الأمر، فكان من خلال محاولاتي الفرار من السجن، إذ قمت بمحاولات كثيرة، غير أنه بعد ذلك أدركت أن ذلك لن يجدي نفعا، وأنه عليّ أن أواجههم بالورقة والقلم وسأبين للعالم حقيقة فرنسا التي تدعي حقوق الإنسان، وسأُظهر للعالم أجمع بصفة عامة وللجزائريين بصفة خاصة أنني بريء وأن فرنسا تسجنني لدوافع عنصرية لا غير. * * - كيف تقضي سجنك التعسفي؟ * * عبد الحكيم حكار: أقضيه في عزلة تامة، كما قلت سابقا، الحبس الانفرادي يكاد يقتلني، ظروف الحبس سيئة جدا، وما زاد شعوري سوءا هو الإحساس بالظلم، إذ هل يجوز حجزي لمدة 08 سنوات بدون أي حكم؟ هل يجوز ذلك؟ في جميع القوانين العالمية؟ في جميع الديانات؟ بأي حق يعاملونني هكذا؟ * * - قاضيتَ الدولة الفرنسية وربحتها ولم تشأ تعويضك، وهي ترفض إطلاق سراحك ماذا تطلب من الدولة الجزائرية ومن الرئيس بوتفليقة؟ * * عبد الحكيم حكار: ما أطلبه من الدولة الجزائرية هو حمايتي من تحرش القضاء الفرنسي بي وعلى رأسهم رشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية، بشهادة البرلماني الفرنسي jack lang وغيرهم، ونقابة المحامين الفرنسية، وجميع رجال القانون والقضاء، أقول للدولة الجزائرية، حكار عبد الحكيم الجزائري الجنسية يعاني الأمرين بالسجن الفرنسي، أطلب مساعدتهم لي وذلك، بإلزام فرنسا أن تطلِق سراحي، لا أن يطلبوا منها ذلك، وأطالب بتنفيذ أحكام العدالة القاضية بإطلاق سراحي وتعويضي، وتنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وأوامر وتوصيات مجلس الوزراء الأوروبي بشأني قضيتي والقاضي بإطلاق سراحي حالا، وهو نفس الشيء الذي قام به مجلس البرلمانات الأوربية .... * ما أقوله لفخامة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة هو: أطال الله عمرك، وأطلب من فخامتكم الترشح لعهدة ثالثة، وفي الأخير أطلب من فخامتكم أن تدافعوا عني لإخراجي وبفخر، كوني لست بالمجرم بشهادة العالم أجمع، بل أنا ضحية فرنسا العدو الأبدي، أناشدكم أن تلزموا فرنسا بأن تطلق سراحي. * * - هل لديك ما تقوله للجزائريين؟ * * عبد الحكيم حكار: نعم لدي الكثير مما أقوله للجزائريين، أولها أنني، أحمل دموعا كثيرة في قلبي، أحبكم، أحبكم كثيرا، اشتقت إلى وطني الجزائر، اشتقت إلى مسقط رأسي مدينة خنشلة، جبال الشابور، الحامة حمام الصالحين. أحبكم * كما أود أن أقول للذين يقتلون الجزائريين، توقفوا، توقفوا رجاء، إنكم تعطون الهدايا لأعداء الجزائر مجانا، إننا إخوة رجاء أوقفوا أعمال القتل والإرهاب، والتزموا بمسعى فخامة رئيس الجمهورية سلما ومصالحة بيننا كإخوة..