الجانب الخفي في حياة الرجل ولم ينشر عليه، أن "دا الحسين" الرجل الذي سلبته السياسة والنضال من عائلته، كان طباخا ماهرا، حيث قالت ابنة عمته نا الجيدة: "نساء عائلتنا لم يكن ينافسنه في طبخه، خاصة طبق الشوربة والكسكسي الذي تعلمه عن والدته في الصغر"، كما كان الراحل عاشقا للقيثار ويتفنن في مداعبة أوتاره كلما سنحت له الفرصة. زواجه لم يكن عاديا وبالمقابل تروي نا مليكة ابنة عم "دا الحسين" التي تجاوز عمرها 70 سنة، قصة زواج المرحوم من ابنة عائلة تودرت من قرية "تاقة ناث يحيى" السيدة جميلة، وهي ابنة صديق والد آيت احمد، الذي كان يلتقي في منزله مع ابنه الحسين خفية حين كان مطلوبا لدى العدو الفرنسي، وقالت "طلبها والد الراحل من ابيها لابنه، حيث كان والدها في طريقه إلى الحج، فاصطحبها معه الى مصر، أين تزوجا بالفاتحة ودون اقامة عرس، علما أن زوجة الراحل هي شقيقة زوجة الراحل المجاهد خيضر. ولا تنكر عائلة الراحل الدور الكبير للزوجة مليكة في حياة ابنهم، التي وصفوها بالكنز والمرأة الفريدة من نوعها، حيث كانت السند والرفيق الأمين لزوجها طوال حياته ودعمت مساره النضالي وتحملت المشاق التي هزت بيت الزوجية، اذ مكثت في مصر إلى غاية الاستقلال، حين سجن زوجها لدى الفرنسيين، وعادا معا إلى أرض الوطن ورزقا بثالث اطفالهما التي كانت بشرى الاستقلال.
عام 1989.. "استقلال" آخر للعائلة في هذا المقام، تواصل نا مليكة حديثها بخصوص عودة عمها من منفاه العام 89 "عودة الدا الحسين إلى المنزل العائلي، كانت بمثابة استقلال آخر، حيث أقمنا الولائم في منزلها وزاوية جدنا الولي الصالح الشيخ محند أولحسين لشهر كامل، كما دعا جميع أفراد عائلته أينما كانوا وحيث وجدوا إلى عشاء عائلي، لمّ به الشمل الذي شتت رغما عنه". وقالت بنات عمه إلى أن الدا الحسين، لم يسع يوما إلى المناصب العليا ولا الحكم، ولم يخطط لسلب خيرات الوطن والمواطنين، في إشارة إلى صندوق التضامن الذي يشاع عن آيت احمد سلب السكان أملاكهم عبره، مطالبين بفتح هذا الملف ونفض الغبار على حقيقته.
زاوية العائلة.. مأوى الفقراء واليتامى كما أشارت إلى أن بيت العائلة وزاوية جدهم كانت مأوى الفقراء واليتامى، خصوصا البنات منهم، حيث تربى في ذلك المنزل الى أن تزف عروسا لبيت الزوجية، كما جمع المنزل العائلي كبار قادة الثورة التحريرية على غرار الراحل كريم بلقاسم وعميروش ومحند السعيد نائب قائد الناحية الثالثة آنذاك.
جزائر الاستقلال أذلت العائلة لقاء عطائها للثورة الأمر المحزن الذي يتقاسمه أفراد عائلة آيت أحمد أينما تواجدوا في أرض الوطن منذ فجر الاستقلال هو التضييق الممارس عليهم في كل إدارة أو مؤسسة رسمية يقصدونها، وذلك في امتداد للعداء الذي يكنه النظام للمناضل حسين آيت أحمد، رغم أن العائلة خدمت الثورة سرا وجهرا، وابنها واصل كفاحه بعد الاستقلال إلى آخر رمق في حياته.
بطاقات انخراطهن بالحزب حاضرة.. بنات جيل "الدا الحسين" يفقهن السياسة قريبات وبنات جيل الدا الحسين لم يقتصر ارتباطهن بهذا الرجل الرمز، بعلاقة الجيرة فقط، فقد امتدت إلى خوضهن في أمور السياسة لكونهن مناضلات في حزب الأفافاس، حيث كانت المجاهدات من بني جيله يظهرن بين الفينة والأخرى بطاقة الانخراط في الحزب. لم تخلُ ليلة العزاء بين المسنات من تحاليل سياسية، لم تكن صادرة عن عجائز لا يفقهن السياسة وشؤون البلاد، حيث كان كلامهن مواكبا للأحداث الوطنية أول بأول، اذ قالت إحداهن وهي في عقدها التاسع، أن بوضياف اخطأ حين حاول فتح جميع الملفات الحساسة في وقت وجيز بعد توليه رئاسة الوطن، كان الأجدر به أن يتريث ويحكم قبضته على زمام الأمور، قبل أن يبدأ النبش فيها، وهو التصرف الذي دفع حياته ثمنا له، تختم "السياسة المحنكة" حديثها لقرينتها.
قلب "الدا الحسين" محروق على والدته جثمان الراحل ووري التراب داخل قبر والدته، مياسة بن قداش التي توفيت عام 83، والذي يتواجد قبرها لدى باب قبة الولي الصالح الشيخ محند أو الحسين، المحاذي لبيت عائلة آأيت أحمد، حيث اختار قبر الوالدة حسب ما صرحن به بنات عم "الدا الحسين"، لكون قلب الفقيد "محروق عليها"، فالظروف السياسية عام 1983 لم تسمح له بحضور جنازة والدته وكذا جهاده في سبيل تحرير الوطن، ثم نفيه وقضاءه عشرات السنين حال دون أن يتم الحديث معها أو الجلوس بجانبها، ما جعل الوالدة محرومة من بكرها لأغلب سنوات عمرها. وقال عمي الحفيظ ابن عم الراحل "اختيار مكان المثوى الأخير للراحل لم يكن عفويا، وإنما كان متعمدا وتنفيذا لوصيته، القاضية بدفنه بقرب أمه التي فقدها دون أن يرى وجهها أو توديعها، الأمر الذي حمله في قلبه شوكةً عاش بألمها إلى غاية مماته". وفي سياق متصل، قالت ابنة عم الدا الحسين، السيدة لولا "حتى والدته كانت تتحسر طيلة الوقت على فلذة كبدها الذي تركها في سن مبكرة، وغادرها لسنوات دون أن تشبع من رؤيته أو مجالسته حتى ولو ليوم واحد فقط"، وأردفت "ماتت وكلها حسرة على عدم تحقيق أمنيتها الأخيرة وهي رؤية ابنها قبل وفاتها، الحرقة التي رافقت الدا الحسين بقية عمره، ليقرر مد الوصال مجددا في العالم الآخر بمشاركتها القبر الذي ترقد فيه منذ أزيد من 32 سنة". * * * * * * * * * * * * * * * * * *