لاتزال مدينة العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس بسيدي بلعباس، المعروفة بهدوئها وجود أهاليها، تعيش حزنا عميقا على فراق الطفل شعيبي ميلود البالغ من العمر 14 سنة، بعد ما تلت صدمة العثور على جثته مرمية داخل كيس بلاستيكي بالقرب من مسكنهم العائلي الواقع بحي كاسطور. صدمات ارتدادية أخرى، كان أولها كشف التحقيقات الأمنية بأن المتهمين هم جيرانه و يتعلق الأمر بثلاثة أشقاء وشريك رابع، وثانيها مشاهدة الجميع المتهم الرابع، وهو يشارك جمعا من المواطنين خلال مطالبتهم بالتعجيل في تحديد هوية الفاعلين وتطبيق القصاص عليهم، وآخرها حضور هذا الأخير جنازة الطفل، ومساعدة أهل الضحية في ترتيب مراسيم العزاء. خال الضحية: كنت أمنح المال لأحد الجناة! تفاصيل مثيرة، كشف عنها أهل الطفل شعيبي ميلود صاحب 14 ربيعا والذين لازالوا تحت الصدمة، بعد ما اختطفته منهم أيادي وحوش آدمية، اعتدت عليه جنسيا بالتداول قبل قتله ورمي جثته داخل كيس، وما زاد من هول الصدمة لدى أهالي ميلود، هو أن المتهم الرابع في القضية إلى جانب الأشقاء الثلاثة، حضر رفقة المواطنين خلال وقفتهم التي نظموها يوما واحدا بعد العثور على الجثة، ونادى رفقتهم مطالبا بتحديد هوية القتلة، وتنفيذ القصاص عليهم، يقول شقيق الضحية، الذي وجد أن الأخير كان آخر من يشتبه في إقدامه على اقتراف مثل هذه الجريمة البشعة، بينما أكد خال الضحية، أن المتهم كان يعيش من جوده، قائلا "كنت أمنحه من حين لآخر قسطا من المال، عطفا مني عليه، كونه كان فقيرا". وعاد ليؤكد بلغة المتحسر على ما حدث لأصغر أبناء أخته، المتهم كان بيننا طيلة المدة التي أعقبت العثور على جثة ميلود، فكان يبدي مواساته للعائلة ويبكي رفقتنا حرقة الفراق، والأمر من ذلك –يضيف- فإنه كان يرافق الشباب المتضامن مع العائلة في عملية جمع الأموال لتوفير نفقات مراسيم الجنازة، ثم عاد ليمشي رفقتنا ونحن نحمل جثمان الفقيد إلى مثواه الأخير، مرددا "لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله"، وختم كلامه قائلا حسبنا الله ونعم الوكيل. والدة ميلود: ابني قادته نيته إلى أيادي قتلته والدة ميلود، لازالت تبكي فراق أصغر أبنائها، التي قالت أنه كان ينام دوما وسط أحضانها، كان لا يفارقني كما لا أستطيع أنا مفارقته، هو ابني المدلل، لازلت لم أصدق أنه لن يعود ليحضنني وإلى الأبد، وهو الذي كان يعدني دوما بأنه يجتهد ويثابر في دراسته، حتى يوفر لي كل ما أتمناه،... تبكي مجددا، ثم تواصل قائلة "كيف لأبناء الجيران أن يفعلوا جريمة مثل هذه، وهم الذين يفترض أن يحموه من أي خطر يحدق به، عشت على أمل أن يعود لي ابني بعد ثلاثة أيام من الفراق، سهرت لياليها كلها أترقب عودته، ولم أتوقع أنه سيظهر جثة هامدة مرمية داخل كيس قمامة، لازلت لم أستوعب بأن ميلود قتل ورميت جثته كما ترمى القمامة..."، بكاؤها يزداد و يمنعها من مواصلة الكلام... تأخذ نفسا عميقا، ثم تختم كلامها قائلة "إبني قادته نيته لأيادي قتلته". الصدمة تجددت بعد ما غاب ميلود عن العودة لمقاعد الدراسة صدمة مقتل ميلود، تجددت صبيحة الأحد بإكمالية الإخوة حداق، بعد ما بقي مقعده بالقسم الثاني شاغرا، واسترجع الجميع هول الجريمة التي كان عرضة لها، زملاؤه لم يستوعبوا بعد أن ميلود الذي ألفوه خفيف الحركة ودائم الابتسامة، لن يعود في أوساطهم بعد اليوم، تقول زميلته "ميلود كان ميسور الحال، وكان يطمح دائما ليكون بين الأوائل في القسم، يهوى كثيرا لعب "النيبلي" حتى أنه كان يمازحنا دوما أن نهديه علبة نيبلي بمناسبة عيد ميلاده"، بينما زميلته الأخرى التي غمرت عيناها دموع فراقه فقالت "علمت بمقتله خلال العطلة، حزنت لأجله، لكن اليوم وأنا أرى مقعده شاغرا عجزت عن التركيز في دراستي، أمر لا يصدق، كيف تجرأ المجرمون على قتله بهذه الطريقة" تقول، واشترك جميع زملائه في رفع مطلب واحد، هو أن يعدم قتلته، الذين سرقوا منه فرحة حصوله على تقدير لوحة شرف بمعدل يزيد عن 12 من 20 خلال الفصل الدراسي الأول والأخير له، يقول مدير إكمالية الإخوة حداق، "ميلود كان خفيف الحركة، لكنه أبهرنا السنة الحالية بتحسن مستواه الدراسي، وعزمه على تحقيق أحسن النتائج، لكن شاء القدر – يضيف – أن تختطفه أيادي الغدر، وتحرمه من تحقيق حلمه البسيط، وهو – يضيف – ما جعل المؤسسة بأكملها تعيش اليوم على وقع الصدمة، وتعلن حدادا على فراقه. "الأشقاء" الثلاثة كانوا يستغلون محلا مهجورا لممارسة الرذائل قال خال الضحية، أن الأشقاء الثلاثة الذين لازال الجميع لم يستوعب كيف لهم أن يمارسوا غريزتهم الحيوانية، على ضحية واحدة وأمام مرآى بعضهم البعض، ليسوا من أبناء مدينة ابن باديس المحافظين الشرفاء، وإنما قدموا إلى المنطقة حديثا، واتخذوا من محل بالسوق الذي أهملته السلطات المحلية، كمأوى لهم، استغلوه كوكر لشرب الخمر والانحراف، وهو الوكر الذي احتجز فيه ميلود وقتل، بينما - يضيف – المتهم الرابع الذي يحتمل أنه هو من استدرج ميلود، فكان منبوذا حتى من طرف أفراد عائلته، ولا يمثلهم إطلاقا يقول، إخوته درسوا برفقتنا ونشهد لهم بحسن الخلق. هبة تضامنية واسعة وإشادة بتجند الشرطة هبة تضامنية واسعة، أبداها كامل سكان دائرة ابن باديس، الذين عملوا على جمع التبرعات لمساعدة العائلة الميسورة الحال – ولا فرد منها يملك مدخولا شهريا-، لأجل توفير نفقات مراسيم الجنازة، خففت نوعا ما من ألم الصدمة وسط عائلة ميلود، الذي حضر موكب جنازته الآلاف من المواطنين، من أهالي المنطقة وحتى المناطق المجاورة، الذين ساندوا العائلة في محنتها، التي هزت مشاعر الرأي العام المحلي والوطني. بذلت مصالح الشرطة مجهودات، باستعمال أحدث الوسائل التقنية، ومكنتها من تحديد هوية الجناة في ظرف قياسي، رغم أن الفاعلين ليسوا بمعتادي الإجرام، باستثناء واحد فقط المسبوق في قضية سرقة، ما جعل عائلة الفقيد والكثير من المواطنين يثنون بالعمل الذي قامت به، وطالبت في الوقت ذاته، بضرورة مواصلة تمشيط مناطق تجمع المنحرفين ومدمني شرب الخمور، لاسيما بالمنشآت التي ظلت عرضة للإهمال.