نصر الله يحقق وعده لسكان الجنوب باعادة الاعمار من يزور لبنان بعد عامين من حرب تموز يصعب عليه أن يصدق ما تراه عيناه من إعادة إعمار شامل لكل الضواحي والمناطق التي دمرت عن كاملها إثر العدوان الإسرائيلي، فقرى الجنوب المتاخمة للحدود الفلسطينية تحولت إلى جنة على الأرض، واخضرّت بساتين التين والزيتون، وزاحمت العمارات الجديدة في الضاحية الجنوبيةلبيروت التي كانت من أكثر المناطق تضررا من الحرب، المباني القديمة، فلم يبق من العدوان سوى الذكريات الأليمة فقط، التي ماتزال راسخة في أذهان كافة أفراد الشعب اللبناني. * فكل شوارع العاصمة بيروت تحولت إلى ورشات ضخمة، حيث انطلقت عملية إعادة الإعمار مباشرة بعد حرب أوت 2006، ولم تتوقف أشغال البناء في كل من حارة حريك وشارع الشيخ راغب حرب منذ عامين تقريبا، وكذا شارع بير العبد، حيث دمر الطيران الإسرائيلي 26 دورا للنشر، إلى جانب عشرات المنازل. * ويبدو جليا أن الحرب أثرت كثيرا على العاصمة بيروت، التي ماتزال تحاول استرجاع تناسقها وتجانسها المعماري، كما أن البنايات المهدمة ماتزال لحد الآن كما هي، وتلك الحفر الضخمة التي أحدثتها القنابل الإسرائيلية ماتزال هي الأخرى شاهدة على بشاعة العدوان. * فتلك القنابل حولت المقر السابق لإذاعة النور التابعة لحزب الله، الذي قاد الحرب ضد إسرائيل منذ سنتين تقريبا، إلى خندق ضخم، وحولت عمارات كان يقطنها مواطنون عاديون وبسطاء إلى ركام من الحجارة، وقد استعصى على المهندسين لحد الآن إعادة تمتين التربة بطريقة تسمح بإعادة إعمار تلك الأماكن؛ ذلك أن المواد الكيميائية التي احتوتها تلك القذائف حولت التربة إلى ما يشبه الغبار، ماجعلها غير صالحة للبناء. * * حزب الله يخصص أزيد من 370 مليون دولار لإعادة الإعمار * * تم تأسيس مؤسسة وعد مباشرة بعد حرب أوت 2006، وتولت على عاتقها إعادة إعمار الضاحية الجنوبيةلبيروت، وتشييد كافة البنايات التي هدمها العدوان الإسرائيلي، لكن بكيفية أكثر انسجاما مما كانت عليه المدينة سابقا، خاصة من ناحية إعادة توسيع الطرقات الرئيسية للعاصمة بيروت، واستحداث مواقف للسيارات أسفل البنايات الجديدة، وقد تكفلت مؤسسة وعد بالجزء الأكبر من تكاليف البناء، مستعينة بمساعدات جاءتها من بعض الدول العربية. * وبحسب مسؤول المؤسسة السيد حسن جيش، الذي التقيناه خلال زيارتنا للبنان، فإنه من ضمن 12 ألف غارة إسرائيلية قام بها العدو الإسرائيلي على لبنان، ثلثها استهدفت الضاحية الجنوبيةلبيروت، وهو ما يمثل حوالي 4000 طلعة، في حين أن الدمار مس 1100 بناية، ويضم كل مبنى حوالي 40 شقة إلى جانب عدد من المحلات، ما يعني أن 37 ألف شقة دمرت عن كاملها تقريبا، ومنها ما تضرر جزئيا فقط. * وبحسب مسؤول المؤسسة المحسوب على حزب الله، فإن هدف العدوان الإسرائيلي من قصف الضاحية، هو إحداث شرخ ما بين الشعب اللبناني والمقاومة، لذلك أول ما قام به قادته بعد الحرب إجراء زيارات ميدانية لكافة المناطق المتضررة من الحرب، وتم إحصاء المتضررين الذين تحصلوا على مبالغ مالية تكفي لاستئجار بيت إلى جانب اقتناء الأثاث الضروري، إلى حين انتهاء عملية إعادة البناء. * وقد التقى في تلك الفترة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله المتضررين، وكان عددهم حوالي 5000 شخص، واقترح عليهم حلين: إما أن يتكفلوا بأنفسهم بإعادة الإعمار من خلال المساعدات التي تقدمها الدولة وكذا الحزب، وأما أن تتولى مؤسسة وعد المهمة دون أن يسدد المتضررون أي مبلغ مالي، فكان رد 75 في المائة منهم هو القبول بالاقتراح الثاني، وهو ما تم فعلا. * وفي تقدير السيد جيش، الذي التقيناه بمقر مؤسسة وعد ببيروت، فإن أشغال البناء التي انطلقت في 2007، ستنتهي كأقصى تقدير في 2009، حيث سيكتمل إنجاز 226 بناية، وذلك بتكلفة قاربت 370 مليون دولار، وهي مرشحة للارتفاع بسبب ارتفاع سعر العقار في لبنان بعد الحرب، ويضاف إلى هذا المبلغ الإعانات التي تقدمها دول إسلامية وعربية، لم يشأ مسؤول المؤسسة أن يذكرها بالاسم. * وقامت مؤسسة إعمار بتسليم عدد من المساكن إلى أصحابها، ففي مجمع الحسن قامت بتسليم 8 مباني تضم كل واحدة منها 10 طوابق، وفي كل طابق يوجد حوالي ثلاث شقق، وبلغت مساهمة الدولة في كل وحدة سكنية 46 ألف دولار، وهي مطلوب منها أن تقدم 180 مليون دولار، ولا يمثل هذا المبلغ سوى أقل من نصف تكلفة مشروع إعمار. * وتمت الاستعانة ب15 ألف عامل في عملية البناء، ومع ذلك تشتكي المؤسسة حسب مسؤولها السيد جيش من نقص اليد العاملة المؤهلة، بعد انسحاب العمال السوريين الذين يسيطرون على قطاع البناء في لبنان. * كما تواجه إعمار مشكلة عويصة وهي إعادة تدعيم التربة التي تأثرت كثيرا بالقنابل الكيميائية التي ألقاها العدوان الإسرائيلي، حيث بلغت إعادة تهيئة أرضية 150 بناية فقط أزيد من 6 ملايين دولار. * * سقوط 18 جنديا إسرائيليا في معركة دارت بمرآب للسيارات * * يبدو جنوب لبنان لزائره أكثر هدوءاً مقارنة بالعاصمة بيروت، كما أن الطريق المؤدي إليه جزء هام منه يطل على البحر، فمدينة صيدا وصبرا وشاتيلا وكذا صور وهي منطقة سياحية بالدرجة الأولى، تبدو فيها الحياة مختلفة تماما، فهي على غير بيروت تملؤها بساتين الموز والتين والحوامض، وصولا إلى القرى المتاخمة للحدود مع فلسطين، وهناك تنتشر بشكل ملفت للانتباه مزارع التبغ، التي تقتات منها عديد الأسر في الجنوب. * حيث تلتزم كل أسرة بزراعة مساحة معينة من التبغ، وتقوم بتجفيفه على أن تبيعه للدولة، وبما أن الحاجة عادة ما تجبر الفرد على الإخلال بتلك الاتفاقيات، فإن أغلب تلك الأسر تقوم بزراعة مساحة أكبر عن تلك التي يتم الاتفاق حولها، وتقوم ببيع الفائض من الإنتاج إلى الخواص، بما يضمن لها مداخيل إضافية. * وبما أن جني التبغ يتزامن مع فصل الصيف، فإن المزارعين يستعينون بأبنائهم المتمدرسين الذين يكونون في عطلة، إلى جانب النساء الماكثات في البيوت، لجمع المحصول ورصه في خيوط رفيعة، ولا يستغرب الواحد منّا إن رأى أفراد أسرة بكاملها يتجمعون في محل مخصص لبيع المازوت مثلا، ويقومون برص نبتة التبغ بعد جنيها في خيط رفيع بما يمكن من تجفيفها. * وهنا بالجنوب حيث تنتشر عدد من الضيعات، كما يسميها اللبنانيون، أو القرى التي لا تحمل من صفة القرية سوى الإسم فقط، لأن الحياة فيها تبدو أفخم من العاصمة في حد ذاتها، ويبدو ذلك جليا من الفيلات والمباني الجميلة والفاخرة التي تملؤها، وفي هذه المناطق بالذات دارت أشرس المعارك بين المقاومة اللبنانية التي يمثلها حزب الله والجيش الإسرائيلي. * ففي ضيعة سربين ودبل وبينت ليف دارت مواجهات عنيفة على شكل حرب عصابات بين الجنود الإسرائيليين وأفراد المقاومة الذين كانوا يتوزعون بإحكام بين المباني والأحراش. * ولعل من أبزر المواجهات تلك التي كان مسرحها مرآب للسيارات في قرية دبل التي يغلب عليها السكان المسيحيون، فقد نصبت المقاومة كمينا لدورية إسرائيلية كانت تعبر المكان في محاولة للتغلغل إلى قلب الضيعة، التي كانت تبدو وكأنها خالية على عروشها، لكنها فوجئت بهجمة شرسة، سقط فيها أزيد من 11 قتيلا إسرائيليا، في حين اضطر الباقون إلى الهرب والعودة أدراجهم إلى داخل الأراضي الفلسطينية. علما أن الجنود الإسرائيليين كانوا يشنون هجماتهم مصحوبين بمراسلين صحافيين وكاميرات تصوير، التي صورت العديد من لقطات الانهزام والتراجع إلى الخلف للإسرائيليين أنفسهم. * * في قرية عيتا الشعب المقاومة أسرت الجنديين الإسرائيليين * * في عيتا الشعب وهي منطقة جبلية آهلة بالسكان، كانت أهم المواجهات وأكبر الخسائر بالنسبة للجيش الإسرائيلي، كما أنها من أكثر قرى لبنان التي تكبدت خسائر في الأرواح وفي الدمار الذي لحق بالمباني، لكن من يزورها بعد سنتين من الحرب يجدها كلها حياة وحيوية، فقد تمكن سكانها الذين أبدوا شجاعة كبيرة خلال الحرب من محو كافة آثار الدمار، فلا يرى الزائر لها سوى المباني الجميلة والبساتين الخضراء، وكأنّ شيئا لم يكن. ولولا صور الضحايا وشهداء المقاومة التي ماتزال تملأ المكان وتزين طرقات ومداخل المنطقة، لصعب على من لا يعرف عيتا الشعب ما عاشته من هول المعارك والمواجهات. * وطيلة أيام الحرب لم يتوقف الجيش الإسرائيلي عن شن حرب نفسية قذرة ضد السكان، مستعملا في ذلك مكبرات للصوت لإرغامهم على الهرب والتخلي عن مساكنهم، قائلا لهم إن لم تغادروا فإن الدبابات ستطحنكم، وقد أحدث هذا الأسلوب حالة من الهلع لدى النساء والأطفال والشيوخ، الذين غادر عدد منهم القرية، في حين بقي أفراد المقاومة رابضين في المكان. * وفي قرية شبعا قامت المقاومة بأسر جنديين إسرائيليين، وهي الحادثة التي لم نتمكن من جمع معلومات كافية حولها، لأنها في نظر قياديين في المقاومة من الملفات المغلقة، وهناك أيضا نصبت المقاومة كمينا محكما، وبالضبط في معبر الراهب، حيث انفجرت عبوة ناسفة حينما كانت دبابة إسرائيلية تحاول التغلغل إلى الأراضي اللبنانية، وقد حاول الجنود الإسرائيليون الناجون جمع أشلاء قتلاهم، إلا أنهم لم يتمكنوا، حيث كانوا في كل مرة يعودون أدراجهم، خوفا من ردة فعل المقاومة. * وبحسب شهادة الحاج أحمد السرور وهو من سكان عيتا الشعب، الذي قدم لنا شرحا وافيا حول المعارك التي شهدتها بلدته، وهو أيضا من ضمن عشرات الأشخاص الذي رابضوا بالمكان، فإن الجيش الإسرائيلي أمطر المنطقة بالرشاشات وكان يقول عبر مكبرات الصوت للنساء والأطفال أخرجوا من بيوتكم سندمر المكان بكامله. * وفي الحدود ما بين فلسطين وبيت شبعا حاول 2000 جندي إسرائيلي التغلغل داخل المنطقة إلا أنهم لم يفلحوا في ذلك، لأن شباب القرية واجهوهم ببسالة لمدة 22 يوما كاملا دون انقطاع * وكانت مهمة الحاج السرور خلال تلك الفترة تأمين الغذاء للمقاومين، وكان عبارة عن عدس وبرغل »الفريك« كما يعرف عندنا، وكان طيران المقاومة يرمي بالغذاء والماء، ويقول الحاج السرور بأنهم ذاقوا الأمرين خلال تلك الأيام، 22 يوما عزلة، وأسبوعا متواصلا من القذف. * وفي عيتا الشعب دمر جيش الكيان الإسرائيلي 50 بيتا، أي حارة بكاملها، وألحق الخراب بكل مظاهر الحياة، حتى بالمزارع التي بدأت تخضر من جديد. * * من صديقين كانت تنطلق صواريخ حزب الله باتجاه إسرائيل * * لقد كانت قرية قانا وهي أيضا تقع في جنوب لبنان مسرحا لمجزرة بشعة ارتكبها العدو الإسرائيلي في حرب 96، حيث أطلق 35 قذيفة على مركز كان تابعا للأمم المتحدة، لجأ إليه سكان المنطقة هروبا من الحرب، ما أدى إلى وقوع 102 شهيد، من ضمنهم 60 طفلا. * وفي قانا أيضا حدثت مجزرة رهيبة في حق عائلتين، توفي خلالها أزيد من عشرين شخصا، أغلبهم من الأطفال، وقد نقلت وسائل الإعلام حينها صور جثث الأطفال الذين تم انتشالهم. * وفي صديقين أيضا سقط عديد الضحايا المدنيين في حرب 2006، وهناك أيضا كان تواجد مكثف لعناصر المقاومة الذين أقاموا عديد المخابئ وسط الجبال، من بينها المخبأ الذي قمنا بزيارته، وهو يتواجد في أعلى جبل بقرية صديقين تغطيه الأشجار، استغرقت عملية حفره وتجهيزه حوالي ستة أشهر كاملة، وهو يسع لحوالي 21 جنديا، ويضم حماما ومطبخا، وقاعة للمداواة، وكل غرفه مصفحة بالخشب، ومدخل المخبأ هو عبارة عن دهليز عميق. * وفي هذا المخبأ كان عناصر المقاومة يطلقون الصواريخ على الجنود الإسرائيليين، لكنه أضحى اليوم من المواقع »المحروقة«، حسب تعبير أحد المقاومين، بعد أن تم اكتشاف أمره وتصويره من قبل الإسرائيليين. * وكانت أيضا مارون الراس التي تقابلها المستعمرة الإسرائيلية في فلسطين أفيفين، وهي تبدو من بعيد عبارة عن تجمع سكني من بيوت يعلوها القرميد، مسرحا لأهم المعارك بين عناصر المقاومة والجيش الإسرائيلي، وبهذه المنطقة بالذات لم يكن العدو الإسرائيلي يتوقع وجود مقاومين، حيث حاول التغلغل إلى المكان في اليوم السابع من اندلاع الحرب، بغية الوصول إلى نهر الليطاني، لكنه فوجئ بردة فعل المقاومين، حيث قضت المقاومة على 12 جنديا إسرائيليا. * * بوابة فاطمة... النقطة الأقرب إلى مستعمرة أفينين * * يعد كفر كلا الواقع أقصى جنوب لبنان وتتواجد به بوابة فاطمة، وهو أيضا منطقة جبلية من أكثر المناطق قربا من فلسطين... بناءاتها الشامخة تطل على أقرب مستعمرة إسرائيلية، وتبدو تلك البنايات لناظرها وكأنها تتحدى العدو الإسرائيلي قائلة: »ها أنا ذا لست أخشى منك«. * ويقترب الطريق الرئيسي لبوابة فاطمة بشكل ملفت للانتباه للسياج الحدودي الذي يفصل جنوب لبنان عن الحدود الفلسطينية، وهناك ترى الجرارات والجرافات التابعة للفلاحين الإسرائيليين وهي تعبر الطريق، وتسير وراءها دبابات العدو الإسرائيلي، قصد حمايتها. * وتبدو المستعمرات الإسرائيلية أكثر اخضرارا، مقارنة بالأراضي الحدودية اللبنانية، ومرد ذلك حسب سكان تلك المناطق إلى خشية المزارعين اللبنانيين من المضايقات التي يلقونها من جانب الإسرائيليين في حال إقدامهم على زراعة تلك الأراضي الخصبة، فالإسرائيليون يتوغلون من حين إلى آخر داخل التراب اللبناني خلسة، ويقومون بتخريب المحاصيل الزراعية من قمح وأشجار وغيرها، إلى جانب سرقة التربة، وهي ممارسات لم يفهمها سكان المناطق الحدودية، ويعتبرونها جبنا من جانب العدو لا غير. * وفي الشريط الحدودي الفلسطيني حينما تمد بصرك إلى مستعمرة أفيفين، تظهر لك من بعيد أشكالا تشبه الخيام مموهة بأوراق الأشجار، وهي في الواقع عبارة عن مراكز عسكرية يختفي وراءها الجنود الإسرائيليون، ويستخدمونها لمراقبة الحدود اللبنانية وتحركات سكان القرى المحاذية لفلسطين، ورغم شكلها الغريب إلا أنها لا تعني شيئا بالنسبة لسكان قرية بوابو فاطمة، فهم لا يعيرونها أي اهتمام، فالحركة تعم القرية ذات المناظر الطبيعية الخلابة، التي أسالت لعاب العدو الإسرائيلي فحاول استيلاء على المنطقة في حرب 2006. * في حين تبدو الحياة مختلفة تماما داخل الحدود اللبنانية، فالحركة تعم شوارعها، وهناك ينتشر عدد لا بأس به من المطاعم والمقاهي، وأغلبها تعلوها شرفات تطل على المستعمرات الإسرائيلية، وتبدو فيها الحياة أكثر هدوءاً وأفضل من العاصمة بيروت، فجميع بناءاتها جميلة، وهي عبارة عن فيلات أو مساكن فردية، تحيط بها مساحات خضراء. * علما أن جنوب لبنان هو في الغالب عبارة عن أحياء راقية تزينها الفيلات والمباني الجميلة، وتعود أغلبها إلى المغتربين، حيث تحصي لبنان حوالي مليون مواطن يقيم بالخارج، ما يمثل تقريبا ثلث مجموع سكان لبنان البالغ عددهم 4 ملايين نسمة. * وفي أعالي كفر كلا تظهر مزارع شبعا التي مايزال يسيطر الإسرائيليون على جزء هام منها، وأمام بوابة فاطمة أيضا وعلى بعد بضعة أمتار فقط عن الحدود الفلسطينية، تم بناء نصب تذكاري لاستشهادي نفذ عملية ناجحة ضد الإسرائيليين، ويمكن لسكان مستعمرة أفيفين أن يروا النصب حتى من شرفات بيوتهم. * وبمنطقة الخيام وهي منطقة مرتفعة دمر الجيش الإسرائيلي معتقلا في حرب 2006، كان يسيطر عليه قبل تحرير جنوب لبنان سنة 2002، وهناك كان يحتجز كل من يشتبه فيه بدعم المقاومة، ويعرضه لأشد أنواع التعذيب، وفي ذلك المكان بالذات توفي عديد من اللبنانيين، من بينهم مدير مدرسة سجنه الإسرائيليون لعدة سنوات، وتوفي تحت التعذيب، ليتبيّن فيما بعد بأنه بريء من كل ما نسب إليه. * وحولت المقاومة المعتقل بعد تحرير المنطقة إلى متحف شاهد على بشاعة الاستعمار الإسرائيلي، وماتزال تتواجد به بعض الصور التي تعد دليلا على معاناة كل من مرّ على المعتق، حتى النساء والأطفال، وماتزال أيضا غرف الحجز الانفرادي موجودة، وهي عبارة عن صناديق حديدية لا تسع لشخص واحد. * وفي هذا المكان التقينا صدفة أحد الأسرى اللبنانيين الذين أطلق الجيش الإسرائيلي سراحهم مؤخرا رفقة سمير القنطار، في إطار تبادل الأسرى مع حزب الله، وهو شاب في مقتبل العمر لكنه يحمل الكثير من الحماس الإرادة لمواجهة العدو. * * لبنان من الدمار إلى إعادة الإعمار * * مباشرة بعد عدوان 2006 تحولت كل المناطق التي دمرتها القنابل الإسرائيلية، إلى ورشات مفتوحة، وماتزال أشغال البناء وإعادة الترميم متواصلة إلى غاية يومنا هذا في الضاحية الجنوبيةلبيروت، باستثناء بعض الأحياء الراقية التي لم يمسها العدوان، منها تلك التي يقع فيها فندق الماريوت. * في حين أن الحياة عادت إلى طبيعتها بسرعة في القرى الجنوبية، التي تنتشر فيها فيلات متناسقة من حيث الهندسة المعمارية، وهي أغلبها ملك للبنانيين مغتربين، ما جعل تلك القرى تبدو أكثر جمالا من العاصمة بيروت في حد ذاتها. * وبحسب المعلومات التي استقيناها، فإن بعض القرى اللبنانية المحاذية للحدود الفلسطينية، لا تدب فيها الحياة سوى في فصل الصيف، في حين تظل منازلها شاغرة طوال أيام السنة تقريبا، لأن المغتربين لا يقصدونها إلا في فصل الحر قصد الاستجمام، ومعظم النواحي الجنوبية للبنان هي عبارة عن مناطق جبلية، لكن هواءها عليل، وقضاء فصل الصيف فيها أفضل بكثير من قضائه على شاطئ البحر. * ولا تخلو القرى الجنوبية من مطاعم ومقاهي هي في منتهى البساطة، لكنها توفر أفضل وأحسن الخدمات لقاصديها من السياح الأجانب والمحليين، وفيها يتذوق السائح الأطباق اللبنانية المعروفة كالتبولة والكباب والمشاوي. * ورغم مرارة الحرب لم يفقد اللبنانيون طعم الحياة، ولا كرم الضيافة، فأينما تتجه لا تلاقي سوى حسن الترحيب والمعاملة، كما أن غلاء المعيشة لم تنقص كرم اللبنانيين، الذين مايزالون يدفعون فاتورة الحرب، بسبب الارتفاع الفاحش في أسعار كافة المواد الاستهلاكية وحتى النقل. * ويظهر جليا بأن مخلفات الحرب أثقلت كاهل المواطن اللبناني، الذي يحاول التغلب عليها بصعوبة، في ظل عجز الدولة عن التكفل لوحدها بكل ما تركته تلك الحرب من خراب ودمار. * وتبدو العاصمة بيروت لقاصدها، خاصة الضاحية الجنوبية، وكأنها مرهقة من حرب تموز، فالمنطقة تعرضت لقصف انتقائي، لأن العدوان الإسرائيلي كان يسعى لتدمير معاقل المقاومة، فأغلب سكان الضاحية الجنوبية من أنصار حزب الله، الذي رفع شعار المقاومة في لبنان وخاض حربا ناجحة ضد إسرائيل، وكان وراء سلسلة من الانهزامات تكبدها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في الثمانينيات، وبداية العشرية الحالية، ما دفعه إلى الانسحاب من عديد القرى اللبنانية التي كان يحتلها. * وفي الضاحية الجنوبية أيضا تتواجد مقار قناة المنار والقناة الإذاعية النور، التابعة لحزب الله، إلى جانب مركز الدراسات الإعلامية ومقر الحزب نفسه، وباستثناء معهد الدراسات مسحت القنابل الإسرائيلية كل تلك المقرات وحولتها إلى حفر عميقة مليئة بالغبار، فقد تفتت الإسمنت واختلط بالتربة. * كما يظهر بشكل واضح للعيان الفارق في المستوى المعيشي بين اللبنانيين، ففي الأحياء الراقية بالعاصمة بيروت تظهر الحياة مختلفة تماما، فالعمارات فخمة وجميلة، والشوارع هادئة. * في حين تظهر حياة ثانية في نواحي أخرى بيروت من بينها شارع الأذاعي تضرر كثيرا أثناء الحرب، فأغلب سكانه يعتمدون على الدراجات النارية في تنقلاتهم، فهي أقل تكلفة من ناحية البنزين، كما أن اقتناءها ليس بالأمر الصعب بالنسبة للمواطن البسيط، وتكتظ الأحياء الفقيرة لبيروت بالسيارات القديمة، وفيها أيضا يغيب قانون المرور، فالسائق هو الذي يملك السلطة التقديرية حول ما إذا كان الطريق الذي يسلكه ذا اتجاهين أو اتجاه واحد، أو ما إذا كان عبوره مسموحا أو ممنوعا، والسياقة في لبنان بصورة عامة أشبه بمغارة لا يمكن لمن لا يعرف شوارعها أن يخوضها، وما زاد الطين بلة انعدام إشارات المرور، ولولا تطوع عدد من أنصار حزب الله لتنظيم حركة المرور، لكانت الأمور أكثر سوءاً. * ويعاني لبنان من عجز فادح في التموين بالكهرباء، فانقطاع التيار الكهربائي أصبح من يوميات المواطن اللبناني. * * حزب الله حزب بحجم دولة * * يختلف حزب الله، الذي ذاع صيته أكثر في لبنان بعد حرب تموز 2006، في تنظيمه الداخلي وتجنيده لأنصاره عن الأحزاب السياسية في باقي البلدان العربية وحتى في لبنان نفسه، فبلوغ مسؤوليه وإجراء لقاءات صحفية معهم ليس بالأمر الهيّن، لأن ذلك يتطلب أولا المرور عبر معهد الدراسات الإعلامية التابع للحزب، وهو ما أكده لنا مدير المعهد السيد حسين رحال. * ويتولى المعهد مهمة التحري حول حقيقة الصحافيين الأجانب الذين يطلبون إجراء حوارات مع مسؤولي حزب الله، ويتمحص طبيعة المهمة التي أتوا من أجلها، لأن الأمر يتعلق بتشكيلة سياسية تواجه العدو الإسرائيلي، الذي عمد إلى تصفية قياديين سابقين في حزب الله، من بينهم الأمين العام السابق وكذا عماد مغنية. * وعلى خلاف تيارات أخرى في لبنان من بينها تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، فإنه ليس لحزب الله مقرّ معيّن في لبنان، بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي مقره السابق، فقياديوه يتواجدون في مقرات سرية لا يعلمها إلى المقربون فقط منهم، وحراسهم الشخصيون. * كما أن عديد مناضلي الحزب ينشطون في ظل السرية، وقد تتحدث إليهم ويتعاملون معك في إطار محدد دون أن تتمكن من معرفة المناصب التي يشغلونها أو أسماءهم الكاملة، ولا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تأخذ صورا لهم أو تسجيلا عن تصريحاتهم، فهم يرفضون الظهور إعلاميا خوفا على حياتهم، عكس مناضلين آخرين من بينهم العاملون في معهد الدراسات الإعلامية التابعة للحزب الذين يتعاطون معك بطلاقة ودون أي حواجز. * وتبدو قوة حزب الله في كونه قوة سياسية محكمة التنظيم، فتنظيمه الداخلي يظهر وكأنه سلسلة تضمن عددا من الحلقات، كل حلقة مربوطة بالحلقة التي قبلها، كما أن الولاء الذي يكنّه مناضلوه لقياديي الحزب، ولقائده الروحي محمد الحسن فضل الله زاد من قوته. * وتعد القناة الإذاعية النور وكذا القناة التلفزيونية المنار ركائز أساسية لحزب الله، وكان لهما دور لا يستهان به خلال الحرب. * ويملك حزب الله في لبنان مستشفيات ومدارس وجوامع، وهو يساهم بشكل كبير في إعادة الإعمار.