12ألف جزائري موجود في سوريا اليوم، هو رقم كبير مقارنة بذلك الذي كشفت عنه سفارة الجزائر في سوريا والذي لم يصل الألف، غير أن رقم ال12 ألف جزائري ومشاكلهم هو ما تجرّأ وكشف عنه فهد درويش الجزائرلي الذي خصّنا بلقاءٍ معه، وجولة داخل منطقة حلب أخطر وأكبر المناطق التي تشهد الاشتباكات. يُعتبر فهد الجزائرلي مسئولا عن الجالية الجزائرية في سوريا، ورغم أننا تعوّدنا على تحفظ دائم من قبل المسئولين الدبلوماسيين، فإن هذا الرجل كسر كل تلك البروتوكولات، لا لشيء سوى لإيصال صوت من لا صوت لهم من الجالية الجزائرية في سوريا، والتي تتخبّط بين الحرب والموت والجوع والتصفية، فقد كشف ذات المسئول أن عدد المسجلين من الجالية الجزائرية هناك يصل إلى 3000 جزائري، مضيفا أن السفارة الجزائرية رفضت التعامل حاليا مع الجزائريين مزدوجي الجنسية والذين يصل عددُهم إلى 12 ألفاً ما بين من يمتلكون الجنسية الثانية الفلسطينية والسورية، وعن سبب ذلك أجاب محدثنا أن السفارة تعمل على البدء بالجزائريين قبل العودة إلى مزدوجي الجنسية رغم أن الأمر يتعلق بجواز سفر واحد: "وهل تعتقدون أن الجالية التي يقدر عددها ب3000 تلقى كل الدعم من الدولة الجزائرية أو السفارة هنا بدمشق؟ أكيد لا"ّ . وخلال جولتنا الميدانية التي قادتنا مع السيد فهد مسئول الجالية الجزائرية في سوريا، كشف لنا عن معاناة الجزائريين، خاصة في المناطق التي تحوّلت إلى جبهات ساخنة مثل مدينة حلب التي تأوي الغالبية منهم، جالية لا تجد ثمن طعام لها أو مأوى، في حين يضيف محدثنا انه يطلب منها السفر إلى العاصمة دمشق لإكمال إجراءات جواز السفر الذي قد يصل إلى 70 دولارا، ناهيك عن مصاريف التنقل إلى العاصمة والتي تفوق ال200 دولار في ظل خطورة الطريق ونقاط التفتيش التي يمرون عليها والتي تجبرهم على الانتظار لساعات لتصبح المدة الزمنية للوصول إلى العاصمة تقارب ال9 ساعات، وهنا التقيت سعاد، طالبة جامعية، فأخبرتني أنها وصلت إلى مقر السفارة على الثالثة والنصف بعد الظهيرة، لكنها فوجئت رفقة من معها، بعنصر الاستقبال الذي طلب منها العودة في اليوم الموالي "أخبرتهم أننا جئنا من حلب وأن يراعوا ظروف الطريق والمدّة الزمنية التي نستغرقها، لكنهم رفضوا استقبالنا أو حتى أخذ أوراقنا ما أجبرننا على اقتراض مبلغ للمبيت في العاصمة دمشق والعودة صباحا إلى السفارة". النقطة التي أشارت إليها سعاد ومن التقيناهم من الجزائريين، كانت جد مهمة، فقد توجهت "الشروق" إلى مقر السفارة الجزائرية في العاصمة دمشق، وهناك رد علينا موظف الاستقبال من شباك حديدي صغير خلف النافذة، لم نكشف عن هويتنا، بل أخبرناه فقط أننا مواطنون جزائريون في سوريا نرغب برؤية القنصل المسئول عنا إن أمكن، غاب الموظف ليعود إلينا بعد دقائق ويخبرنا برفض القنصل استقبالنا، عندها قدّمنا بطاقتنا المهنية، ليعود الموظف أيضا بعد دقائق ويخبرنا بنفس القرار، طالبا منا كتابة ما نريد وترك الورقة مع الموظف، استغربت لتلك المعاملة، خاصة وأن القنصل في العادة مسئول عن راحة الجالية في المكان الذي يعين فيه وكثيرا ما يُجبر على استقبال المواطنين من الجالية الذين يكون لديهم مشكل مستعصي يتطلب تدخله، تفهمت عندها وضعية سعاد ومن معها برفض استقبالهم بحجة أن موظفي السفارة لا يستقبلون الملفات بعد الساعة الثالثة والنصف مساءً، رغم أن وضع الدولة في حرب والجالية لا يمكن أن تتقيّد بتلك المواعيد، لأنها لا تمتلك أصلا التحكم في نقاط التفتيش، هذا الأمر ذكرني بالجالية الجزائرية في ليبيا، فرغم أن وزارة الخارجية الجزائرية فتحت مكتبا لها في مدينة قفصة التونسية، إلا أنها راعت هُنا بعد المسافة والحرب التي يأتون منها، لهذا طلبت من موظفيها استقبال الملفات حتى ولو كانت ليلا وهو ما أخبرني به عشرات الجزائريين الذين استحسنوا تلك الإجراءات، في حين أن السفارة الجزائرية في دمشق تغلق أبوابها في وجه رعاياها ولا تستقبلهم بعد الثالثة والنصف؟ قصص فهد الجزائرلي المتواجد في سوريا أباً عن جد منذ 1813، لم تنته عند معاناة الجزائريين المنسيين حسبه من قبل الدولة الجزائرية، أخبرني أن المعاناة ربَّما لا تصل إلى المسئولين في الجزائر آمِلا أن تكون جريدة "الشروق" الوسيلة التي ستخرجهم من النفق المظلم الذي يعيشونه، فالجالية خاصة في منطقة حلب تفترش الأرض ولا تجد مساعدات من أحد، في حين باقي الجاليات تجد مساعداتٍ من بلدانها ضاربا بذلك مثلا بالجالية العراقية في سوريا التي تتقاضى عن طريق مكتب سفارتها في سوريا مبلغ شهريا لا يقل على ال400 دولار ومساعدات غذائية من الأممالمتحدة "ونحن بلد البترول لا يقدّم شيئاً لجاليتنا، لا نطلب مالاً مثل العراقيين، لكن على الأقل مساعدات غذائية لجاليتنا التي تموت ببطء هنا". لم يكن المسئول عن الجالية الجزائرية في سوريا وحلب خاصة يتحدث عن نفسه هنا، فهو يعتبر من أكبر رجال الأعمال في سوريا وعضو غرفة الصناعة بمدينة حلب، كما يشغل منصب رئيس الإتحاد العربي لتجارة وصناعة الذهب والألماس، زيادة على أنه يعمل في المجال الدولي عن طريق منظمة الغذاء العالمي ومنظمة الأممالمتحدة كمورد أساسي للمواد الغذائية "برنامج الأغذية العالمي". وجوده مع كبار رجال الأعمال الجزائريين في سوريا وحلب خاصة، جعلني أسأله عن عدم عودتهم إلى الجزائر للاستثمار، خاصة في ظل ظروف الحرب التي تشهدها سوريا؟ فكان جواب الرجل الرفض رفقة كل من التقتهم "الشروق"، وحسبهم، فإن سفارة الجزائر في سوريا لم تشجعهم على ذلك ولم تسهِّل لهم الأرضية والطريق لإنشاء مصانع في الجزائر أو الشراكة، خاصة وأنهم يمتلكون حسبهم أموالا بملايين الدولارات: "لم تقدَّم لنا تسهيلات، بل كثيرا ما سمعنا عن البيروقراطية في الجزائر والمثال أمامكم، الجالية الجزائرية التي تتخبط هنا، كيف لنا أن نتشجع ونحن نرى هذا الإهمال؟". وبالعودة إلى مشاكل الجالية الجزائرية، أشار المسئول عنها إلى نقطة مهمة جدا وهي الأخطاء الإملائية التي وقع فيها موظفو السفارة المفرنسون حسبه "لقد كانوا يحوّلون الأسماء من العربية إلى الفرنسية بشكل خاطئ، وبعد أن استخرج العديد من الأشخاص جوازاتهم البيومترية وجدوا أن بها أخطاء في أسمائهم بالفرنسية، ما جعلهم يقصدون السفارة الجزائرية التي طلبت منهم العودة إلى المحاكم الجزائرية لتصحيحها، وهي الدعاوى التي تتطلب سنوات وأنتم أعلم بذلك"، مشاكل عدة لا تنتهي ومساعدات حاول نفس المسئول تقديمها بشكل شخصي "لقد عملت عن طريق علاقاتي الخاصة وعن طريق الأممالمتحدة على مساعدة العائلات الجزائرية هنا، خاصة في منطقة حلب، لكن لا يمكنني تعميم ذلك على 12 ألف مواطن جزائري مقيم في سوريا، الأمر يتطلب تدخلا سريعا للجهات المسئولة في الجزائر".