تجاوز النظام المبني على اقتصاد السوق أزمة كبرى هذا الأسبوع، حتى ولو أنه يبقى من الصعب الفصل في القضية والقول إن أصعب مراحل الأزمة قد انتهت. فبعد مرحلة من التردد، أدت إلى انهيار البورصات العالمية في ظرف يومين، عاد أصحاب القرار ليتخذوا الإجراءات الضرورية التي سمحت بإعادة المياه إلى مجاريها بعد أصعب أزمة اقتصادية عرفها العالم منذ 1929. * ومازال الحذر قائما، لأن الأزمة لن تنتهِ بعد، ولا أحد يعرف اليوم ماذا ستكون انعكاساتها على الاقتصاد الحقيقي على المديين المتوسط والبعيد. إضافة إلى ذلك، فإن ثمن الجانب المالي للأزمة بلغ لوحده ثلاثة آلاف مليار دولار، وهو ما يعادل المنتوج القومي لبلد مثل إسبانبا، في انتظار انتشار البطالة والركود الاقتصادي وباقي المخلفات الاجتماعية للأزمة. ويمكن أن نشير إلى جانب آخر للأزمة، وهي أنها جاءت بسبب تصرف أهل المال، أما الحل فإنه سيأتي باللجوء إلى أموال الشعب. * لكن إلى جانب هذه الملاحظات، فإن النتائج الحقيقية التي يمكن استخلاصها من الأزمة الحالية تتلخص في سبع نقاط: * 1. إن الأزمة الحالية هي أول أزمة في عهد العولمة. وقد أصبح الاقتصاد العالمي مرتبطا ومتشابكا إلى درجة أن أية حادثة في بلد ما يؤدي إلى انفعالات في كل العالم. وقد كان للتكنولوجيات الجديدة للاتصال دور أساسي في هذا التحول النوعي للاقتصاد العالمي. وقد ساهمت هذه التكنولوجيات في نشر العلم والمعرفة والأخبار بسرعة فائقة، كما نشرت الأزمة الاقتصادية بنفس السرعة. * 2. وقد أدت هذه الأزمة الأولى في عهد العولمة إلى إجراءات من نفس النوع والحجم، وقد قال المحللون منذ اليوم الأول إن الخروج من الأزمة لن يأتي إلا بقرارات جماعية. وفعلا، فإن الإجراءات الأولية لم تعط نتيجة، رغم المبالغ الهائلة التي تكلمت عنها الإدارة الأمريكية، حيث أعلنت عن برنامج بقيمة 850 مليار دولار لمواجهة الأزمة، لكن قرارها لم ينفع البورصات. ولما وقع التشاور بين أمريكا وبلدان الأورو وبريطانيا وعدد من البلدان التي لها وزن في الاقتصاد العالمي، جاء الحل بسرعة لم يكن ينتظرها أحد. * 3. إن الأزمة كانت ذات حجم عظيم، كما تؤكده المبالغ التي ضاعت من بعض المؤسسات البنكية أو تلك المبالغ التي تم استعمالها لمواجهة الأزمة، والتي بلغت 1.500 مليار دولار بين أوربا وأمريكا. لكن يجب إعادة هذه الأرقام إلى معناها الحقيقي، وما قدمته أمريكا لا يتجاوز ميزانية الدفاع لإدارة الرئيس جورج بوش. * 4. إن أزمة من نوع جديد أدت إلى حلول لم يكن ينتظرها أحد. وقد اضطر لبيراليون متطرفون إلى اللجوء إلى الدولة وتأميم بعض فروع الاقتصاد للحفاظ على نظام اقتصاد السوق القائم. واعترف أعداء وجود الدولة في الاقتصاد أن السوق لا يكفي لوحده لضمان اقتصاد متوازن، بل يجب على الدولة أن تحتفظ لنفسها بدور كبير في تحديد القواعد التي يجب احترامها في المعاملات الاقتصادية، لأن السوق لوحده يؤدي إلى تصرفات تهدد نظام السوق نفسه والاقتصاد بصفة عامة. * 5. إن الأنظمة القائمة في أكبر البلدان التي تواجه الأزمة (أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا) هي أنظمة من اليمين، وكانت تدعي بطريقة أو أخرى أنها وصلت إلى السلطة لتكرس الانتصار الإيديولوجي النهائي للنظام الليبرالي على كل الأنظمة الأخرى. وإذا بها اليوم تجد نفسها أمام وضع يفرض عليها أن تدافع عن قرارات تعيد الدولة كمتعامل أساسي، ولو مرحلي، في الاقتصاد. * 6. إن هذه التطورات تشير إلى قوة نظام اقتصاد السوق وضعفه في نفس الوقت. فقوة هذا النظام تكمن في قدرتة على التطور والتحول للتكيف مع المعطيات الجديدة. لكن هذا التطور نفسه كثيرا ما يسبق الأحداث، لأنه يدخل ميادين معقدة تدفعه إلى الانزلاق، مثلما وقع مع طغيان الطابع المالي على الاقتصاد. * 7. إن الأنظمة الغربية قد استخلصت العبرة من تجارب الماضي، وأصبحت قادرة على مواجهة أزمات كبرى بطريقة متضامنة ومنسقة، رغم أن الإدارة الأمريكية التي يتزعمها جورج بوش كانت شبه غائبة بسبب النهاية التعيسة لرئاسة أضعف قائد أمريكي منذ نصف قرن. ويبقى أن نعرف كيف ستتصرف البلدان الغربية بعد هذه التجربة: هل ستدفعها هذه الأزمة إلى تعميق العمل المنسق وتوسيعه إلى بلدان ومساحات أخرى، وإقامة قواعد جديدة لحماية الاقتصاد، أم أنها ستدفعها إلى اعتبار أنها قادرة أن تواجه أية أزمة، مما سيفتح الباب أمام أزمات قامة؟.