لم تكن قضية عادية، تلك التي عالجتها محكمة الجنايات بمجلس قضاء معسكر، صباح الأحد الماضي، والتي كانت المتّهمة فيها فتاة تبلغ من العمر 32 عاما التي توبعت بجناية القتل العمدي بإزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة، وجنحة طمس آثار الجريمة. تفاصيل الحادثة اهتزّ لها كل من حضر المحاكمة وبكى لحال عائلة تكسرت جوانبها بين لحظة وأخرى فكانت المأساة حقيقية لدرجة أنّ وكيل الجمهورية لدى محكمة سيق الذي كان ممثّلا للنيابة العامة في الجلسة أكثر من التنهيدات لقوة تأثره بالأحداث وطلب من هيئة المحكمة النظر في ظروف التخفيف ولو أنّه التمس عشر سنوات سجنا نافذا ضدّ المتّهمة. تفاصيل الحادثة تعود لأشهر سنة 2015، حيث كانت شقيقة المتهمة على علاقة مع أحد الأشخاص وهو كهل متزوّج كان يشتغل عنصرا في الدفاع الذاتي قبل أن يعود لنشاطه لنقل الأشخاص "كلوندستان". الفتاة حملت من الشخص دون علم أفراد عائلتها إلى غاية يوم الواقعة وهو تاريخ 17 أكتوبر 2015، حيث همّت الفتاة بوضع حملها فقامت بغلق غرفة نومها واستعدت لوضع الجنين دون أن تتجه لمركز صحي قريب، وبما أنها لم تحظ بأيّة عناية طبية أو مساعدة من شخص آخر، فقد وقعت ضحية نزيف داخلي وخارجي أدى إلى وفاتها بالرغم من أنّ جنينها خرج للحياة حيّا قبل وصول شقيقة الفتاة أي المتّهمة، حيث سارعت إلى لف الجنين بقماش وكيس ووضعه بين أكياس الصوف والحبوب. كما قامت بتنظيف شقيقتها بمساعدة زوجة أخيها وتنظيف المكان من آثار الدم وذلك من أجل طمس آثار فضيحة هزّت الدوار الهادئ الذي تقطن فيه العائلة وحتى يقال بأن الفتاة توفيت بسكتة قلبية وليس في عملية وضعها لجنين حملته بعلاقة خارج إطار الزواج، غير أنّ عناصر الدرك الوطني الذين تعمقوا في التحريات تحت إشراف مباشر لنيابة محكمة سيق عثروا على الجنين بين أكياس الصوف والحبوب وبعد عرضه على الطبيب الشرعي، تبيّن أنّ الجنين ولد حيا وقد يكون تعرض للشنق أدّى إلى وفاته. وأثناء المحاكمة الإثنين، قالت الفتاة المتهمة بأنّها عادت من مسكن أخيها القريب من مسكنهم العائلي لتلحظ بأنّ شقيقتها أطالت المكوث في الغرفة ولم تكن من قبل تستغرق في النوم لوقت ما بعد الزوال ما جعلها تستنجد بوالدها من أجل كسر باب الغرفة، حيث تمّ العثور على شقيقتها متوفاة وجنينها بين رجليها ولم تكن تعلم أنه حي أو ميت، كما لم تعلم بمصيره بعد لحظة العثور عليه، نافية قيامها بلفه بالقماش ووضع بين الأكياس. والد الفتاتين قال بأنّه كسر باب الغرفة التي كانت مغلقة من الداخل، لكنه عاد أدراجه مباشرة بعد ما لاحظ ابنته عارية ولم يتأكد ما إن كان ثمة جنين بجانبها أم لا، وهو نفس الحديث الذي قالته زوجة الأخ، وأضافت بأنها تولت رفقة المتهمة تنظيف المتوفية وإلباسها لباسها حتى لا يدخل عليها الجيران وكل من سمع بخبر الوفاة. ابن عمة المتهمة قال بأنّه حضر صبيحة الحادثة لبيت خاله وهو والد الفتاتين ووجد المتوفية في إحدى الغرف تشاهد التلفاز وغادر البيت دون علمه بنيتها في وضع حملها. أما الكهل الذي كان على علاقة بالفتاة المتوفية فقال بأنه كان يعرف أفراد العائلة بحكم قيامه بنقلهم إلى مدينة سيق أو البلديات المجاورة لها بصفته كلوندستان، نافيا علاقته بالفتاة المتوفيّة بالرغم من أن الأدلة والتصريحات أثبتت علاقته بها. تصريح هذا الأخير أخرج ممثل النيابة عن هدوئه وتأثّرهّ، محمّلا إيّاه المسؤولية المدنية والأخلاقية في كل ما حدث. أما المسؤولية الجزائية فقال بأنه لم يجد له سبيلا لمتابعته في القضية، حيث استدعي للمحاكمة كشاهد. دفاع المتهمة استبعد الفعل عن موكلته، حيث قال المحاميان بان الفتاة لم تقم بقتل الرضيع، لأنّها ليست لها مصلحة في ذلك. وبالعودة لبعض جوانب الحياة اليومية للعائلة فإن والد الفتاتين شيخ كبير ووالدتهم توفيت قبل أشهر بعد مرض عضال وقد لحقت بها ابنتها في واقعة مريرة أثناء وضعها حملها الذي لم يكن معلوما لدى أفراد العائلة، فيما اقتيدت ابنتها الأخرى للسجن، وقد حكم عليها بخمس سنوات سجنا بجناية قل رضيع حديث العهد بالولادة.