مع غروب شمس هذا اليوم، يوم الاثنين، وارتفاع أذان المغرب، سيُلملم شهر شعبان أوراقه، بعد أن رُفعت أعمالنا إلى الله في أيامه، سيرحل ليفسح المجال أمام شهر الرّحمات والنّفحات، لتعمّ نسماته الأرجاء وتعطّر الأجواء وتدخل البيوت وتخالط الأرواح، لتحدوها إلى إعلان التّوبة وبدء حياة جديدة مع أولى ساعات شهر الطّاعات والرّحمات؛ توبة ربّما تكون ميلادا جديدا للعبد المؤمن، هو أهمّ من ميلاده الأوّل، لأنّ الأوّل خروج من ظلمة الرّحم إلى ضوء الدّنيا، والثاني خروج من ظلمة المعاصي والغفلة إلى نور الطّاعة والاستقامة، حيث السّعادة الحقيقية والأنس بالقرب من الله الجليل. سيكون ميلادا جديدا لكلّ مسلم أخلص في توبته، وأحسّ بالتّقصير في جنب الله واعتراه النّدم على ضياع سنوات عمره في اللّهث خلف حطام الدّنيا والغفلة عن الله والدّار الآخرة، فعقد العزم على أن يطوي صفحات الماضي المظلم ويبدأ حياة جديدة، يُعلي فيها همّته ويملأ أوقاته بالطّاعات والقربات، ويجتنب فيها المعاصي والمنكرات، لسان حاله "وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى". سيكون ميلادا جديدا لك أخي المؤمن، يا من تقرأ هذه الكلمات، مهما طالت غربتك عن الله، ومهما بعدتَ عنه جلّ في علاه، سيكون رمضان هذا العام بداية حياة جديدة لك، فقط تحتاج إلى صدق مع الله، ودعاء يتحرّك به اللّسان، يخالط القلب والجنان، ويحرّك الأركان.. أنت مسلم ومهما أوغلت في المعاصي والذّنوب فإنّ في داخلك جذوة من الخير، تحتاج إلى لحظة صدق تخاطب فيها نفسك: أما آن لك يا نفسُ أن تؤوبي إلى الله؟ أما آن لك أن تسمعي نداءه تقدّس في علاه: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ"؟.. ستتحرّك جذوة الخير في نفسك لتجيب: بلى والله قد آن.. آن أوان العودة إلى الله.. آن أوان التّوبة والاستقامة.. لقد أمهلني الله وأمدّ في عمري حتى أدركتُ رمضان بينما مات من الأصدقاء والخلان من مات، وإن لم أتب إلى الله، ربّما أموت قبل أن أدرك رمضان العام القادم، فألقى الله على حالي وسوء أفعالي، وأقف بين يديه فيسألني عن شبابي فيمَ أبليته، وعن سنوات عمري فيمَ أفنيتها، فبماذا سأجيب؟. هيّا أخي المؤمن.. اعقد العزم الآن الآن، أن تبدأ حياة جديدة مع أوّل ليلة من رمضان.. إذا ارتفع أذان المغرب هذا المساء، فتذكّر أنّه يبشّر بدخول رمضان، ويناديك بأن تتوب إلى الله الواحد الديان.. اسمع كلمات الأذان بقلبك، فإذا انتهى فصلّ على حبيبك المصطفى، وادعُ الله من قلبك أن يوفّقك لبدء حياة جديدة، تكون نهايتها بإذن الله في جنّات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.