من أعظم نعم الله على عباده أن فتح لهم باب التوبة والإنابة، وجعل لهم فيه ملاذاً آمنا وملجأً حصيناً ينير حياة المذنب، فينتزعه من همّ المعصية وشقائها إلى نور الطاعة ونعيمها. وقد دعا الله عباده إلى التوبة مهما كثرت معاصيهم، وأمرهم بها، بل ورغّبهم فيها، داعيا إياهم للابتعاد عن القنوط واليأس من رحمته الواسعة، واعدا إياهم بقبول توبتهم، وتبديل سيئاتهم حسنات ولو بلغت ذنوبهم عنان السماء، وهذا ما أكّده في قوله تعالى: «قلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم». (سورة الزمر الآية -53) ُ ومن كرم المولى وإشفاقه على عبده أنّه «يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل»؛ فباب التوبة هو الباب الذي لا يُغلق أبدا، لذا أمرنا الله بالعودة إليه جميعا؛ رأفة ورحمة بنا، مؤكّدا على ذلك في قوله: «وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون». (سورة النور الآية- 31) فإذا كان نبينا صلى الله عليه وسلّم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر، يتوب إليه مستغفرا في اليوم مائة مرة فما بالك بالعبد الضعيف، المخطئ المذنب، الواقع في المعصية في كلّ لحظة؟! المرتكب للصغائر والكبائر التي رغم تفاوتها إلاّ أنّها كلّها عثرات وزلات وجب الإقلاع عنها والتبرؤ منها بالعودة إلى المولى، والتمسّك بالتوبة الصادقة النصوح التي تمحو الذنوب مهما عظمت، هذه التوبة التي أساسها الإخلاص، ودليلها الندم على ما اقترف، فمن لم يشعر بالندم حسرة تلازمه ونارا تحرق قلبه في كلّ حين فليس بتائب وإن ادّعى. رمضان فرصة أخرى للرجوع إلى الله وطلب العفو من ربّ كريم هو أحنّ علينا من الأم على صغارها، وهو أرحم الراحمين وهو التواب الرحيم، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو متجاوزا عن السيئات، ومن كرمه وصفحه وحلمه ستره للكبائر وتجاوزه عنها وعفوه عن كل من تاب بعد معصية، وهذا ما يؤكده في قوله: «ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما». (سورة النساء الآية -110). فالحل إذاً هو في الإقلاع والرجوع والاستغفار والتذلّل إلى الله بالليل والنهار، ومناجاته سرّا وجهرا، والبكاء والندم على ما اقترف من أخطاء قد نستصغرها وهي عند الله معاص ثقيلة، أوزارها تعجز عن حملها الجبال، وما من غافر لها إلاّ الرحمن الذي وسعت رحمته وشمل عفوه كلّ شيء: فيا ربِّ إنْ عَظُمتْ ذنوبي كثرة فلقد علمتُ بأنَّ عفوكَ أعظمُ. إنْ كانَ لا يرجوكَ إلا مُحسن فبمَنْ يلوذ ُويستجيرُ المجرمُ. أدعوكَ ربِّي كما أمرتَ تضرُّع فإذا رددتَ يدي فمنْ ذا يرحمُ ما لي إليكَ وسيلة إلا الرجا وجميل ظنِّي، ثمَّ أنيَّ مُسلمٌ.