بعد سنوات من الغياب، حتى كاد الجزائريون ينسون تواجدها، عادت الأحزاب المجهرية إلى الظهور فجأة بمناسبة اقتراب موعد الرئاسيات... * ودخلت مباشرة على خط تسجيل مواقفها في هذا الرهان السياسي، وهي المواقف التي لم ولن تخرج طبعا عن تأييد "الواقف". * في بداية التعددية السياسية، مطلع تسعينيات القرن الماضي، تدافع الناس إلى تأسيس الأحزاب السياسية، حتى كدنا نرى لكل عائلة جزائرية حزبها، وتشابهت البرامج إلى درجة تخيلنا أنها نسخ طبق الأصل عن بعضها مع تغيير طفيف في العناوين فقط، والجميع يتذكر كيف كانت تلك الأحزاب عديمة الامتداد الشعبي، تزايد على بعضها إلى درجة تخيل المواطن أن وصول تلك الأحزاب إلى السلطة سيحول حياته إلى جنة.. * والطريف في طريقة عمل هذه الأحزاب أنها لا تشارك في صناعة المشهد السياسي، لكنها لا تخجل من التعليق عليه بعد ما "ينفض السامر" كما يقال.. وقد قام أحد تلك الأحزاب بتثمين مبادرة تعديل الدستور في رسالة بعث بها إلى الصحف الوطنية، وزاد على ذلك عبارة "نثمن كل من ساهم من قريب أو بعيد في تزكية التعديل الجزئي للدستور من أحزاب وجمعيات وطنية وشخصيات تاريخية وثورية..."، ألا يذكر مثل هذا الموقف بحصص الإهداءات التي احتلت الفضائيات في السنوات الأخيرة.. * المشكلة ليست في اتخاذ موقف بشأن تعديل الدستور، والوقوف ضد أو مع قرار التعديل الذي هو نتيجة وليس مقدمة، وإنما المشكلة هي في توقيت اتخاذ الموقف، فالتشكيلات السياسية التي نتحدث عنها لا تعرف حتى متى تتخذ ردود الفعل، لكنها لا تخجل من الظهور للظفر بحقها من الغنيمة بالتصفيق والصراخ والضوضاء..، ولو آمنت تلك التشكيلات السياسية بالعمل السياسي حق الإيمان، واشتغلت لتغيير وتطهير العمل الحزبي لكان حال الجزائر اليوم مختلفا عما هو عليه، ولو ساهمت الأحزاب السياسية التي ظهرت في بداية التعددية، والتي فاق عددها 60 حزبا، بتغذية حياتنا بالأفكار لتغيرت الحال.. بعض الناس دائما يلقون باللائمة على السلطة في تسميم العمل السياسي والحجر على العمل الحزبي، وهذا ليس دفاعا عن السلطة، لكن هل تساءلنا عن مدى إخلاص السياسيين، مهما كانت مواقعهم، وعن مدى إيمانهم بفكرة التغيير، وهنا يشكل حزب الخضر في بعض الدول الأوربية مثالا واضحا، وهو حزب يؤمن بأفكار الدفاع عن البيئة، ولم ينقطع يوما عن المساهمة في الحياة السياسية، والمشاركة بمرشحيه في الانتخابات، ناهيك عن العمل الجواري الذي يقوم به في أوساط المواطنين للتحسيس بأهمية الحفاظ على البيئة.. المشكلة إذن توجد في مسألة أعمق، وهي الإيمان بالتغيير الذي لم يعد هاجس السياسيين عندنا، والتغيير طبعا يتطلب دفع ضريبة، قد تتجسد أحيانا في الحصار الذي تضربه السلطة على المعارضة.. الأرانب السياسية ممثلة في الأحزاب الصغيرة خرجت، وقد يكون خروجها في هذا الوقت غير مناسب، خاصة وأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعد في مناسبة سابقة بحلها، ويبدو أن عودتها هي من أجل تذكيره بإنجاز وعده.