العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    أيام إعلامية حول الإثراء غير المشروع لدى الموظف العمومي والتصريح بالممتلكات وتقييم مخاطر الفساد    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة التعاون الإسلامي: "الفيتو" الأمريكي يشكل تحديا لإرادة المجتمع الدولي وإمعانا في حماية الاحتلال    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    عميد جامع الجزائر يستقبل رئيس جامعة شمال القوقاز الروسية    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    يد بيد لبناء مستقبل أفضل لإفريقيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الجزائر تشارك في اجتماع دعم الشعب الصحراوي بالبرتغال    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجوم الكرة يطيحون بالوزراء ورجال السياسة
عندما تهزم "جلدة منفوخة" 60 حزبا وآلاف الجمعيات والمنظمات

الكرة المستديرة في مقدمة اهتمامات الجزائريين
إنجازات المنتخب الوطني تفجّر ثورة في ميولات وإهتمامات الجزائريين
ماذا بقي للسياسيين والأحزاب والمنظمات والنقابات والجمعيات، بعد ما مرغتها الرياضة عموما وكرة القدم خصوصا في التراب؟، ماذا قدم هؤلاء للجزائريين؟، كيف تنجح مجرّد "جلدة منفوخة" فيما فشلت فيه أحزاب سياسية تاكل "من قرن الشكارة" وتستنزف الملايير من الخزينة العمومية؟، ما هي أسباب ومبرّرات هذه المقاربة العجيبة والغريبة وغير المتوازنة؟
*
*
أليس الأولى بالناخبين أن ينتخبوا سعدان وماجر وسرباح وآشيو وغزال وڤاواوي كبديل لنواب ومنتخبين ورؤساء أحزاب من عيار حنون وتواتي ورباعين وبوعشة وشلبية؟، هل الأموال والأغلفة المالية الضخمة التي تلتهمها عشرات الأحزاب وآلاف الجمعيات والمنظمات والنوادي ليست كافية لتحقيق 10 بالمائة من النتائج المشجعة التي تحرزها الرياضة وكرة القدم في مجال تجنيد الشارع وتعبئة المناصرين والمؤيدين والمتعاطفين؟، ألا تستحي السياسة من إستمرار الرياضة في تسجيل أهداف بالجملة والتجزئة في شباكها؟، ما الفرق بين الرياضيين والسياسيين حتى ينجح أولئك في ملء مدرجات الملاعب وهؤلاء الذين عجزوا عن تحقيق نسبة مشاركة قوية خلال مختلف الإنتخابات؟، هل المشكل في الصدق والمصداقية والثقة، أم في المقابل و"الثمن" الذي يُدفع للرياضة والسياسة من أجل إغراء وإقناع الجزائريين بجدوى المتابعة والتشجيع والمؤازرة؟، هل بقي "شرف وكرامة" للنشاط السياسي بعد ما إختطفت مباريات كرة القدم الجمهور والمساندين والمتعاطفين، فتحوّلوا إلى مناضلين أوفياء يدينون بالولاء والطاعة لمنتخب وطني ولفرق محلية عكس ما يجري مع الأميار والمنتخبين والنواب؟، ألا ينبغي أن يفكر السياسيون والمتحزّبون في الذوبان في فرق رياضية وقد قالها الرئيس بوتفليقة يوما بأن بعض الأحزاب بكل إطاراتها ومناضليها ومناصريها لا ترقى لأن تكون ناديا؟، ماذا بقي من مهام وصلاحيات العمل الحزبي والسياسي وقد إستحوذت كرة القدم ونجومها وأبطال وصنّاع الإنتصارات الرياضية على "الشعبية" والأغلبية، حيث تحوّلت إلى منافس عنيد لنشاط سياسي فاشل ومفلس وعاجز عن التغيير والإقناع والوفاء بالعهود والوعود؟.
*
*
شخصيات سياسية،رياصية، و فنية في بورصة المنافسة
*
أشبال سعدان يزيحون وزراء فصر الدكتور سعدان
*
*
ليس سهلا على أي شخصية سياسية أو حزبية رياضية أو فنية أو ثقافية أن تقنع عقلية الجزائري بالتجمهر من حولها وترديد شعاراتها وأغانيها أو تقليد ملامحها إلا إذا كانت هذه الشخصية الصورة الرمز التي يرى فيها الجزائري آماله، تطلعاته، أحلامه، فبين الشخصيات القابعة في قصر الدكتور سعدان وبين ابناء الشيخ رابح سعدان تكمن قوة من له القدرة على إخراج الجزائري من بيته.
*
لوقت قريب ظل ولايزال اسم هواري بومدين الرئيس الجزائري لفترة ما بعد حكم أحمد بن بلة يلم الجزائريين من حوله سواء في خطاباته حول الثورة الزراعية أو بخطاباته القومية.
*
عبد العزيز بوتفليقة، وزير الشباب والرياضة في الحقبة البومدينية كان ولايزال واحدا من الشخصيات الجماهرية التي تعلق بها الجزائريون، فيكفي أن نذكر كيف استقبل الرئيس بعد عودته من مستشفى فال دوغراس بفرنسا، وكيف شكلت خطابات الرئيس قاعدة شعبية خلال حملاته الإنتخابية.
*
حديثنا عن الشخصيات الحزبية والسياسية يقودنا أيضا إلى ذكر زعيم حركة حمس السابق الشيخ الراحل محفوظ نحناح، وكيف استطاع أن يُكوّن للحركة اسما وقاعدة جماهيرية، ليكون خلفه أبو جرة سلطاني هو الآخر اسم لمع في الحركة الحزبية بالرغم من قلة جماهيريته مع الراحل نحناح.
*
كما استطاع الوجه الإسلامي الآخر عبد الله جاب الله أن يشكل لنفسه جزءا وحيزا لدى الجماهير .
*
آيت احمد زعيم حزب "الآفافاس" رغم بعده عن أرض الوطن إلا أن اسم الرجل بارز في الساحة الشعبية.
*
في الوجوه النسائية البارزة، استطاعت المرأة الحديدية لويزة حنون زعيمة حزب العمال أن تشكل التفاف الجماهير ليصبح اسمها متداولا في الشارع الجزائري كواحدة من النساء القلائل ممن استطعن البروز في جزائر ما بعد الإستقلال، إلى جانب وزيرة الثقافة خليدة تومي التي منح لها المنصب شهرة أوسع بكثير من مناضلة شرسة في الأرسيدي.
*
من دون أن ننسى شخصيات يذكرها الجزائريون على غرار مهري، مساعدية وزعيم الجبهة الإسلامية المنحلة "عباس مدني " وغيرهم من الشخصيات السياسية.
*
في الوجوه الفنية ورغم قدرة نجوم الفن على التغلغل في القاعدة الجماهرية، إلا أن اسمي كل من ملك وأمير الأغنية الرايوية الشاب خالد والشاب مامي، سطع لحد كبير عند الجزائريين، كما استطاعت أميرة الطرب وردة أن تكسب رهان شعبية الجزائريين أيضا.
*
.. رغم قدرة الشخصية السياسية أو الحزبية أو الفنية على لم الجزائريين، إلا أن نجوم الكرة وحدهم القادرون على إخراج الجزائريين من بيوتهم وفي أي ساعة ودون موعد إنتخابي أو حدث وطني أو حفل فني إلى الشارع، فأصحاب ملحمة خيخون وأشبال المدرب الوطني رابح سعدان كان لهم الإستثناء في أن يخرج الشارع من اجلهم دون صوت إنذار وتنبيه.
*
من هؤلاء رابح ماجر أحد صانعي أفراح المنتخب الوطني الجزائري سنوات الثمانينيات وبداية التسعينيات، بلا منازع، تمكن صاحب أسطورة "الكعب الذهبي" مسجل هدف التفوق مع "أف سي بورتو" البرتغالي في نهائي كأس دور أبطال أوربا 1987، ليلمع اسمه عاليا ويبقى كذلك حتى وهو محلل رياضي في قناة الجزيرة الرياضية القطرية.
*
اسم آخر لمع في مخيلة القاعدة الجماهيرية لخضر بلومي، أحد صانعي ملحمة خيخون، لاعب متميز، معروف، رسخت صورته بفضل الهدف الذي سجله في لقاء المنتخب الوطني ضد نظيره الألماني، كما سطع اسم اللاعب بسبب قضيته مع الطبيب المصري وتضامن شخصيات رياضية داخل وخارج الوطن أسفرت مؤخرا عن تبرئته من الحادثة.
*
في الجيل الحديث لكرة القدم أو ما أصبح بعرف بقائمة المحترفين استطاع زياني لاعب فولسبورغ الألماني وبطل ألمانيا للموسم الفارط أن يبرز اسمه كواحد من الذين شدوا أنظار الجزائريين بالرغم من انه لم يسبق له وأن لعب للبطولة الجزائرية، إلى جانبه سطع اسم بوقرة (الماجيك) صاحب 27 عاما لاعب "غلاسكو رونجرس" بطل اسكتلندا، أن يستقطب من حوله جمهورا واسعا كمناصرين وشغوفين به، دون أن ننسى لاعب "بوريسيا مونشد بلاخ" الألماني مطمور، ولن تختتم القائمة إلا بذكر بلحاج و يبدا ثنائي فريق بورتسموث الإنجليزي ،حيث استطاع كلاهما أن يستقطب شغف الجزائريين به.
*
*
أداء سياسي محتشم وحصيلة غير مشرّفة
*
كرة القدم تسجّل بإستمرار الأهداف في شباك الأحزاب
*
*
تجنيد وتعبئة الجماهير وتوجيهها فن لا يجيده إلا من يملك قوة الإقناع ويحسن مخاطبة الحشود عن طريق تحريك العواطف وإيقاظ الأحاسيس، وعادة ما تستنجد بهذا الفن الأحزاب السياسية لاستمالة المواطنين مع اقتراب المواعيد الانتخابية، لكن يبدو أن السياسة فقدت هذه الميزة لصالح الرياضة وكرة القدم على وجه التحديد.
*
باستثناء المسيرات المليونية التي نجح الإسلاميون وبالأخص الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، في تنظيمها مطلع العشرية الأخيرة من القرن المنصرم، لم ينجح من بقي من الأحزاب التي تعج بها الساحة السياسية، في تحريك واستقطاب الجماهير، حتى بعد عودة الأمور إلى طبيعتها واستتباب الوضع الأمني.
*
خبراء علم النفس الاجتماعي في الداخل ومراكز دراسة توجهات الرأي العام في الخارج، ركزوا في تحليلهم لظاهرة "الفيس " المحل في استقطاب وحشد الموالين له والمتعاطفين معه، على طبيعة الخطاب وخلفيته الدينية، وكذا موقف وتموقع الحزب من السلطة الحاكمة، التي كان ينظر إليها على أنها رمز للفساد والمحسوبية وكل ما هو سيء.
*
لقد نجحت الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، عكس غيرها من الأحزاب المنافسة لها، خلال مرحلة سابقة، أعقبت فوضى ميلاد التعددية السياسية، في توظيف الدين والمساجد باعتبارهما أحد العوامل الأكثر قدرة على التجنيد، نظرا لما يمثله الدين الإسلامي في حياة الجزائري، فيما فضلت أحزاب أخرى معارضة مواجهة هذا الخطاب بخطاب آخر وصف بأنه "لا ديني"، فكانت النتيجة عكس ما راهن عليه أصحاب الخطاب ال "لا ديني"، بحيث فشلت جبهة التحرير الوطني في الحفاظ حتى على مناضليها، بعد أن مسحت فيها كل أخطاء السلطة منذ الاستقلال، فيما لحق ما تحرص على تسمية نفسها بالأحزاب "الديمقراطية"، هزائم نكراء، بعد ما نجح خطباء "الفيس" في وصمهم ب"أعداء الدين" لدى عموم الجزائريين.
*
النتائج التي توصل إليها دارسو ظاهرة التجنيد لدى الحزب المحل، والتي مفادها أن الخطاب الديني هو الذي ساهم في تجنيد وحشد الجزائريين، كانت محور التعديل الذي أدخل على الدستور في سنة 1996، بحيث أخرجت مكونات الهوية الوطنية (الدين واللغة) من الإستعمال السياسي.
*
وقد ساهم هذا الإجراء في تهميش واحد من أهم عوامل التجنيد، فلا الأحزاب التي تسمي نفسها ب "الديمقراطية" استطاعت تفعيل خطابها وذلك بتضمينه جرعة من معاناة وانشغالات الفئات الواسعة من الشعب الجزائري، ولا الأحزاب الوطنية، جددت خطابها، ولا الأحزاب الإسلامية تمكنت من ملء الفراغ الذي تركه حل أكبر حزب سياسي في البلاد.
*
وتجلى ذلك من خلال ضعف الإقبال الشعبي على صناديق الاقتراع في مختلف المواعيد الانتخابية التي عاشتها البلاد منذ منتصف التسعينيات، غير أن الرافضين لأطروحة ضعف الأداء السياسي للأحزاب يرفضون هذا التحليل، ويحملون السلطة القائمة مسؤولية تمييع الممارسة الديمقراطية، مستندين على ما يرفعه من حين لآخر بعض قادة هاته الأحزاب عند الكشف عن
*
نتائج أي انتخابات، بحيث لا يتورعون في رمي السلطة بتهمة التزوير و"تخييط" النتائج وفق ما تمليه التوازنات داخل دواليب هرم السلطة.
*
*
إحتجاجات لتسلية الأقلية.. والأغلبية دروع بشرية
*
نقابات فاشلة وإضرابات.. حق يراد به باطل
*
ظلت الإضرابات، إلى وقت غير بعيد، القوة الضاربة والوسيلة الناجعة للنقابات سواء المستقلة أو الاتحاد العام للعمال الجزائريين، من خلال تجنيد العمال والموظفين في شل الخدمات العمومية والحركة الاقتصادية، وتراجعت تلك القوة وتأثيرها على الجهاز التنفيذي في تلبية مطالب وانشغالات الطبقة الشغيلة، مع نهاية التسعينيات والسنوات الأربع الأولى من مطلع الألفية الحالية، وتزعزعت بذلك، نوعا ما، ثقة العمال في الجهات التي تتحمل لواء التجنيد وقيادة الحركات الاحتجاجية المطلبية المهنية.
*
وكان الإضراب الذي دعت إليه المركزية النقابية، في فيفري 2003، من أنجح الإضرابات وأبرزها، في السنوات الأخيرة، حيث شلت أغلب القطاعات الاقتصادية التي كانت متواجدة بها الفروع النقابية للاتحاد العام للعمال الجزائريين، عبر ولايات الوطن، وتزامن الأمر، عشية التحضير للانتخابات الرئاسية التي تقررت في السنة الموالية، أفريل 2004، وهو ما ألزم قيادة المركزية النقابية - التي تخندقت مع خيار مساندة رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة - الى مراجعة حساباتها وتوقيف الحركة الاحتجاجية.
*
وفي السنة ذاتها 2004، حملت النقابات المستقلة خيار الإضراب بقطاع التربية، وكاد إضراب نقابات التربية لكل من "الكنابست" و"الكلا"، بالأخص في الطور الثانوي، أن ينتهي بسنة بيضاء، لولا تقديم مصلحة التلميذ وتراجع النقابات مقابل فرض الحكومة لزيادة قاربت 5 آلاف دينار في راتب الأساتذة، غير أن ذات الحماس تراجع بقطاع التربية، وانحصر في سنتي 2008 و2009، لدى أصحاب المآزر البيضاء، حيث أصرت تنسيقية نقابات قطاع الصحة لكل من الأطباء والأخصائيين والصيادلة على شن إضرابات دورية ومقاطعة التدريس، وانتهت تلك الإضرابات بإقرار منحة أدرجت ضمن الأجر المتقاضى لدى الأساتذة الجامعيين في العلوم الطبية، لم ترق إلى مطالب مستخدمي قطاع الصحة، ولم يتخلف المحامون عن الحركة الاحتجاجية، غير أن مبادرة نقابة المحامين كانت دوما تركز عملها في العاصمة مما لم يمكنها من التأثير بشكل كامل سوى في مراجعة بعض التنظيمات الخاصة بمجلس قضاء العاصمة.
*
وشكلت الإضرابات بقطاع التربية قاطرة الاحتجاجات والأعلى نسبة في التجنيد دوما، حيث كانت تمتمد على المستوى الوطني، في غالب الأحيان، وكان احتجاج الأساتذة الجامعيين قد عرف أعلى نسبة في التجنيد خلال التسعينيات، حيث قاد المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي "الكناس" حركات احتجاجية تمركزت بشكل كبير في جامعة باب الزوار، حيث شلت الجامعة أحيانا لشهور طويلة خصوصا سنوات 1997، 1998 و1999، وشهدت نفس الجامعة احتجاجا واسعا للطلبة سنة 1996، كاد هو الآخر أن يحول السنة الجامعية إلى سنة بيضاء.
*
وفي القطاعات الاقتصادية التي تمثلها المركزية النقابية، فقد شنت الحركات الاحتجاجية تزامنا مع بداية شروع السلطات العمومية في تطبيق الخوصصة، منتصف التسعينيات، وكانت المنطقة الصناعية بالرويبة أهم معاقل الإضرابات والمسيرات التي عرقلت حتى حركة السير والوتيرة الاقتصادية معا، بحكم حساسية المنطقة التي تشمل العديد من المؤسسات الاقتصادية والشركات التي انهارت لاحقا بفعل الخوصصة، وكذا الموانئ الوطنية وعلى رأسها ميناء العاصمة استياء من تهميش حقوق العمال بالأخص اليوميين، وتراجع منطق الاحتجاج لدى المركزية النقابية، عقب توقيع العقد الاقتصادي والاجتماعي برفقة الحكومة وأرباب العمل، والذي ينص على السلم الاجتماعي لتحقيق الوثبة الاقتصادية، وهو ما يمنع كل أشكال الإضرابات.
*
وبقي منطق الإضرابات في مفهوم النقابات المستقلة الممثلة لقطاعات التربية والتعليم والصحة، غير أن نسبة التعبئة والتجنيد تراجعت كثيرا، خلال السنوات الخمس الأخيرة، عما كان في السنوات الماضية، وبقيت بعض الإضرابات الأخرى المتعلقة بمطالب الأجور أو معارضة بعض القرارات الإدارية وسيلة في يد بعض النقابات في قطاع مثل النقل البري والسكك الحديدية الذي يشل أحيانا حركة النقل.
*
*
*
حملات تليطون فاشلة وقلوب رحيمة تبحث عن الصدق والثقة
*
جمعيات خيرية تفعل الخير وتطاردها لعنة "دعاوي الشرّ"
* حتى الجمعيات الراعية للأعمال الخيرية وجمعيات الطفولة المسعفة والأرامل والأيتام والنساء ضحايا العنف وضحايا الإرهاب وجمعيات المصابين بالأمراض المزمنة والمكفوفين والمعاقين أصبحت تواجه صعوبات في تعبئة ومخاطبة عاطفة الجزائريين، تحت شعار: "نداءات لمن أراد الجنة"، وتركز على توجيه نداءاتها إلى أصحاب الهمم العالية والقلوب الكبيرة وكل من يريد التبرع بماله ابتغاء وجه الله وحبا في الخير وذوي القلوب الرحيمة من أجل المساهمة والتبرع في حسابات بنكية وحسابات بريدية جارية، ويكثرون من استخدام المفردات الدينية، وهي مفردات يعتبر مكانها الطبيعي في المساجد، ويتحدّثون عن "خدمة الآخرين"، ورغم ذلك إلا أن هذه المنظمات تفشل في غالب الأحيان في التعبئة الجماهيرية، وتفشل في الوصول إلى قلوب الجزائريين، لأن الجزائريين فقدوا الثقة حتى في الجمعيات الخيرية.
*
فمعظم الجمعيات التطوعية في الجزائر تشتكي من ضعف مواردها المالية وعدم تمكنها من إنجاز مشاريعها الخيرية وحساباتها البنكية فارغة، وأي متبرع لها يشترط عليها السماح له بالإشراف بنفسه على متابعة توزيع وصرف تبرعاته ليتأكد من أنها وجهت إلى وجهتها الحقيقية، المتمثلة في مساعدة شريحة من الشرائح المسحوقة في المجتمع، وهو ما لاحظناه في العديد من عمليات التبرع التي تقوم بها مؤسسات كبرى في الجزائر لصالح بعض الجمعيات، حيث ترفض هذه المؤسسات صب تبرعاتها في حسابات مجهولة دون أن تعرف وجهتها، وتشترط بناء المشروع التطوعي بنفسها سواء تعلق الأمر بمستشفى أو مسجد أو دار أيتام.
*
ورغم إيمان كل الجزائريين بأن العمل التطوعي لهذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية يشمل مساعدة الأرامل والأيتام والمرضى خاصة جمعيات مرضى السكري والقلب والعجز الكلوي وارتفاع الضغط، وجمعيات المعاقين التي تشرف على تقديم دروس الدعم والمساعدة، تعليم اللغات، الإعلام الآلي، النشاطات النسوية كالخياطة والطرز، صناعة الحلويات، الوقاية الصحية والعلاج، النشاط الثقافي والرياضي كإقامة التظاهرات الرياضية والثقافية، التسلية والترفيه كتنظيم الرحلات والمخيمات الصيفية لصالح الأيتام والأرامل، إقامة علاقات تعاون مع الجمعيات التي تقوم بنفس الأهداف سواء داخل الوطن أو خارجه.
*
وهي منظمات تتبنى مشاريع خيرية أحيانا تكون موسمية أو مناسباتية وأحيانا مشاريع خيرية تتزامن مع الكوارث والنكبات التي تصيب بعض المناطق من الوطن، مثل التيليطون الذي تم تنظيمه أثناء زلزال بومرداس وفيضانات باب الوادي.
*
ويعتبر الهلال الأحمر الجزائري عميد الجمعيات الخيرية في الجزائر، بالإضافة إلى التنظيمات الكشفية، وجمعية شمس الدين لتزويج الشباب التي تم تشميعها من طرف الإدارة، وجمعية الإصلاح والإرشاد، ومؤسسة القدس، وجمعية كافل اليتيم، والمنظمات الحقوقية غير الحكومية التي لديها فروع معتمدة في الجزائر، مثل مفوضية اللاجئين، والعديد من المنظمات الجماهيرية القائمة على مبدإ العمل الخيري في المجتمع التي تقوم بالأنشطة الخيرية وأنشطة الرعاية الاجتماعية، من خلال حملات التعبئة الجماهيرية لحشد المساعدات في صناديق خيرية وتوزيعها على المنكوبين أو المعوزين، وحتى المنظمات النسائية والنقابات العمالية والمهنية، المنظمات التنموية أصبحت تلجأ إلى أسلوب العمل الخيري، ولم يعد ينحصر العمل التطوعي على الجمعيات والمؤسسات الخيرية فقط. ويزداد نشاط هذه الجمعيات مع حلول شهر رمضان الكريم وما يمثله من أبعاد فكرية روحية، اجتماعية خيرية وتضامنية تتفاعل في إطارها مختلف فئات المجتمع لدعم الروابط الروحية والأخوية والاجتماعية وتنمية الفعل الاجتماعي الخيري التضامني تزداد نشاطات تنمية ثقافة التضامن والبر والإحسان في المجتمع بالإضافة إلى نشاطات التضامن مع فلسطين وأطفال غزة على غرار ما تقوم به مؤسسة القدس وجمعية الإصلاح.
*
*
*
المترشحون والمنتخبون مبرّر المقاطعة والقطيعة والفرار الجماعي
*
نسبة المشاركة تلغّم الانتخابات والأحزاب تفقد السيطرة على الشارع
*
انفردت بعض الأحزاب السياسية خلال سنوات التسعينيات بالريادة في تجنيد الشارع، وتعبئة الجماهير، إلى درجة تحولت المواعيد الانتخابية إلى حدث جد هام، للإدلاء بالأصوات والمواقف، انطلاقا من قناعة مفادها ضرورة المشاركة في رسم سياسة البلاد، وإيصال التشكيلة محل الثقة إلى سدة الحكم، إيمانا بالخطاب والبرنامج السياسي الذي تحمله.
*
وكانت الانتخابات البلدية التي جرت في العام 1990 ثم الانتخابات التشريعية في العام 91، من أهم الاستحقاقات التي جندت ملايين الأصوات، وكانت حديث الشارع والعام والخاص، بفضل المشاركة الواسعة للناخبين التي تخطت كل التوقعات، وجعلت العالم كله مشدودا إلى ما كانت تعيشه الجزائر من حراك سياسي، وجو ديمقراطي لم تعشه أي دولة عربية من قبل.
*
وكانت التجمعات الحزبية بمثابة عرس يلتقي فيه المناصرون، حاملين شعارات مؤيدة للأحزاب التي ينتمون إليها، إلى درجة أصبح اسم الفيس والأفالان والأفافاس وحماس، وهي التشكيلات التي برزت بقوة في تلك الحقبة، يتداولها الجميع بمختلف مستوياتهم الثقافية والتعليمية، فحتى الأميين كانوا يتابعون باهتمام ما يدور في الساحة السياسية، ويساهمون من رسم الخارطة السياسية بفضل مشاركتهم القوية في الاستحقاقات، مكتفين بحفظ الرمز الذي تحمله التشكيلة التي يناصرونها حينما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع.
*
كما كان الاستفتاء حول قانون الوئام المدني الذي جرى في 6 سبتمبر 1999م، الذي زكاه 98.63 % من الناخبين، من أنجح المواعيد الانتخابية على الإطلاق، بسبب الرغبة الملحة التي أبداها الشعب لتجاوز مرحلة العنف واللااستقرار والوصول إلى بر الأمان، عن طريق حقن الدماء وفتح صفحة جديدة، بدليل أن حجم المشاركة تجاوز 85 في المائة.
*
كما كان الاستفتاء حول المصالحة الوطنية الذي جرى في 29 سبتمبر من العام 2005، من أبرز الأحداث التي شهدتها البلاد في تلك السنة، بسبب حجم المشاركة وكذا الأصوات التي منحها الشعب لصالح إنجاح الميثاق، والتي قدرت ب 98 % من أصوات الناخبين، وبرهن ذلك مرة أخرى على مدى جنوح المواطن للأمن والسلم، ورفضه استخدام لغة السلاح، معربا بذلك عن استعداده لاحتضان كافة أفراد هذا الشعب مهما كان حجم الخطايا والتجاوزات.
*
لكن سرعان ما بدأ يتضاءل اهتمام المواطنين بمختلف المواعيد الانتخابية، إلى درجة أضحت في نظر الكثيرين بأنها لا حدث، بسبب عدم التزام الأحزاب بوعودها وتعهداتها، وتنصل الكثير من المنتخبين من مسؤولياتهم، خصوصا ما تعلق بالمجالس الشعبية البلدية والمجلس الشعبي الوطني، يضاف إلى ذلك تراجع الحماسة التي كان يشعر بها المواطن وهو يمارس حقه الانتخابي ويقول كلمته وينعم بالديمقراطية، بعد أن خلص إلى نتيجة مفادها أن صوته لم يكن في الواقع سوى مطية استغلها البعض للوصول إلى مناصب المسؤولية والمراتب العليا، في وقت ظل هو يتخبط في الوضعية نفسها، بل يزداد بؤسا وفقرا دون أن يجد من يسمع له ويمده بيد العون.
*
وكان انتقام الناخبين شديدا في الانتخابات التشريعية التي جرت سنة 2007، رغم مساعي مختلف الأحزاب المشاركة فيها لتعبئة الشارع، فقد بلغ حجم المشاركة فيها 34 في المائة فقط، وكانت هذه النسبة ضربة قوية صوبها الشعب باتجاه الأحزاب، إلى درجة أصبح هاجس المشاركة، الكابوس الذي يؤرق التشكيلات السياسية كلما حلت المواعيد الانتخابية، وهو الدافع الذي جعلها تستعمل كافة الأساليب بما فيها الملتوية من أجل ملء القاعات وإنجاح التجمعات التي تنظمها.
*
ولم تعد الانتخابات فرصة للتعبئة، بقدر ما أصبحت مواعيد عادية يفوقها أهمية الدخول الاجتماعي والمدرسي، بعد أن صوب المواطن كافة اهتمامه على تراجع القدرة الشرائية وغلاء المعيشة وتدني الرواتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.