صورة من الارشيف مثل نهار أمس الأحد، أمام السيد قاضي محكمة عنابة، المتهمون بتبديد واختلاس أموال عمومية ضخمة جدا، فاقت 300 مليار سنتيم، في قضية وصفت "بفضيحة القرن" على مستوى مدينة عنابة، وذلك بناء على عدة اعتبارات، تمثلت أساسا في القيمة المختلسة، إلى جانب القطاع الحساس الذي تضرر من هذه القضية، الشائكة والمشبوهة. * ناهيك على أن الضحية هو مشروع ضخم من أحد المشاريع الاقتصادية الكبرى، التي أطلقها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، خلال عهدته الرئاسية الأولى ودشنها خلال العهدة الثانية، على غير ما كان يرجوه ويتمناه، ويتعلق الأمر "بالفضيحة المالية" التي هزت ميزانية إنجاز القطب الجامعي البوني بولاية عنابة، الذي وضع حجر أساسه الأول الرئيس بوتفليقة، على مخطط إنجاز يتضمن 24 ألف مقعد بيداغوجي، و14 ألف سرير، ومكتبة جامعية، المدرجة ضمن نفس المشروع، الذي هدف من خلاله الرئيس إلى جعل جامعة عنابة قطبا جامعيا ومرفأ علميا هاما بشرق البلاد، وأحد المشاريع الكبرى التي ستشهد عن فترة حكمه الذهبية، إلا أن ذلك لم يمنع اللاهثين وراء تحقيق المكاسب المالية بغض النظر عن الوسائل، من "تشويه" هذا العملاق الجامعي، وإلحاق الضرر به، إذ تم تسليم الشطر الأول منه منقوصا من عدة مرافق حيوية، سيما على الصعيد الاجتماعي. * * القاضي: التضخيم في المشاريع بلغ 50 بالمائة * المتهم الرئيسي: القانون يمنحني صلاحية مراجعة الأسعار * وشرع قاضي محكمة الجنح منذ صبيحة أمس، في الاستماع ل 19 متهما في هذه الفضيحة، يتقدمهم المدير السابق للسكن والتجهيزات العمومية لعنابة، إلى جانب إطارات وإداريين وموظفين بذات المديرية وكذا مقاولين وتجار من داخل الولاية وخارجها، والذين كانوا رهن الرقابة القضائية، منذ شهر جويلية من عام 2006، بأمر من قاضي التحقيق لدى محكمة عنابة، الذي اطلع على الملف المقدم له، من قبل مديرية الاستعلامات العامة بأمن ولاية عنابة، وفرقة الشرطة الاقتصادية بذات المديرية الأمنية، حيث باشرتا تحقيقات معمقة، أوائل شهر ديسمبر من عام 2005، على خلفية شكاوى وتقارير وردت إلى المصلحتين، من بعض المقاولين، تفيد بوجود خروقات قانونية وتجاوزات مشبوهة، وعدة تلاعبات من قبل إدارة مديرية السكن والتجهيزات العمومية، تمثلت في تعمد هذه الإدارة، إبرام صفقات عمومية مشبوهة ومخالفة للقوانين والمقاييس المعمول بها وطنيا، من خلال تواطئهم مع عدة مقاولين "كبار" من شرق البلاد، إذ أفضت التحقيقات الأمنية، إلى أن موظفين وإطارات بالمديرية المذكورة، مارسوا استغلال النفوذ، بهدف تمكين "عدد" معين من المقاولين من الحصول على مزايا وحصص أشغال الإنجاز الخاصة بالقطب الجامعي، بفواتير خيالية مبالغ فيها، وأخرى وهمية، إذ عمدوا إلى التضخيم في مقياس سعر الخرسانة المسلحة، كما قاموا بإدراج عدة مشاريع غير موجودة أصلا في دفتر الشروط، يتمثل في الملحقات، التي تم إسنادها إلى مقاولات بناء على الرشوة والمحاباة، ويتعلق الأمر، بأشغال ردم الحفر والأعمدة الكهربائية والخرسانة المسلحة، إلى جانب مشاريع نزع الصخور (صخور وهمية)، على اعتبار أن المشروع فوق أرضية ترابية حجرية، بناء على تقارير مكاتب الدراسات والمصالح التقنية لوزارتي السكن والتعليم العالي، إذ حصلت بعض المقاولات على مشاريع وهمية، حصدت من خلالها ما بين 5 و10 ملايير سنتيم، إلى جانب تجاوزات أخرى تمثلت في تعمد منح المشروع مرتين. * وفي حدود الساعة 13.45 زوالا، شرع قاضي الجلسة في المناداة على المتهمين للتأكد من حضورهم، وبدأ في استجواب المتهم الرئيسي (س.ب) المدير السابق للسكن والتجهيزات العمومية بعنابة. * * القاضي: أنت متهم بإبرام صفقات عمومية مخالفة للقوانين؟ * ** (س.ب): لا، غير صحيح. * * هل كل الصفقات قانونية؟ * ** نعم. * * لقد اعترفت أمام الضبطية بوجود أخطاء؟ * ** لم أعترف. * * لماذا أعلنتم عن مشاريع، ثم أعدتم الإعلان عنها مرة أخرى؟ * ** أعدنا إعلان بعض القطاعات فقط. * * لماذا أعدتم القطاع رقم (2)؟ * ** المقاول تنازل عنه. * * ينادي على المقاول ويسأل، هل حقا تنازلت عن المشروع. * ** نعم سيدي الرئيس. * * لماذا لم تقوموا بتقييم العروض بالقطاع رقم (04)؟ * ** لم يتقدم بخصوصه أي مقاول بملف. * * هناك اجتماع في 30/10/2004 عاودتم من خلاله جدولة القطاعين رقم (6) و(4)، لماذا رقم 6؟ * ** السبب هو الغلاف المالي. * * هناك مشاريع تم تضخيمها بنسبة 50 بالمائة وفي اجتماع لجنة تقييم العروض، قمتم بالتغيير في دفتر الشروط الخاص بالأسعار؟ * ** مراجعة الأسعار بند أساسي في قانون الصفقات العمومية والمادة 9 من قانون الصفقات تمنحني صلاحية ذلك. * * إذن، لماذا التغيير مسّ القطاعات رقم 2 و9 و10 فقط دون غيرها؟ * ** قلت لك سيدي الرئيس القانون يفوض لي القيام بذلك. * * من حقك أن تغيّر، لكن يتوجب عليك احترام القانون؟ * ** توجهت الى لجنة الصفقات الولائية التي تعتبر مصدر القرار أعلمتهم بذلك، وقاموا بالموافقة عليه وأشروا عليها حسب المادة 143. * * هناك تضخيم، في القيمة المالية لبعض المشاريع؟ * ** ليس هناك دليل يثبت ذلك. * * هناك مشاريع تم تقييمها أولا، ثم ارتفعت بنسبة 50٪ ثم يضيف، لماذا زدتم ملاحق على غالبية المشاريع؟ * ** بعض المشاريع تتطلب ذلك. * * لأنكم، تمررون المشاريع دون المرور على مكتب الدراسات؟ * ** لا. * * من يترأس لجنة الصفقات؟ * ** أترأسها أنا. * * جلسة 13/10/2004 ترأسها المسمى (ب.ع.م) وقمتم فيما بعد بتغيير بعض المشاريع، خاصة ما تعلق بجدوى القطاع رقم (1)، وعدم جدوى (2) و(4). * ** أنا لا أملك صلاحيات ذلك. * * هناك مشاريع سحبت من مقاولين، بعد أن رست عليهم لماذا؟ على غرار مؤسسة القدس للألمنيوم، ومقاولة قواس الخاصة بإنجاز 270 سرير. * ** الأول طلب منا زيادة ب20٪ عن القيمة الأولى، أما الثاني، فنادى القاضي على مكتب الدراسات ويسأل هل صحيح مرروا المشروع دون المرور على مكتب الدراسات. * وقد تواصلت جلسة هذه المحاكمة المثيرة، الى ساعة متأخرة من الليل، واصل من خلالها قاضي الجلسة الاستماع واستجواب المتهمين.