يقول العرب " اتسع الخرق على الرقع" ...هكذا كل مرة نهان و تمس سيادتنا في أي مكان ولا أحد يحرك ساكنا...وما عسانا نفعل نحن أليس لنا أناس يمثلون الجزائر في الخارج يتقاضون أموالا من الخزينة التي تتغذى من ضرائب تفرض علينا ليلا ونهارا...يبدو أن ملذات الحياة في الخارج تنسيهم مهامهم وسبب وجودهم في هذه البلدان... * كنت مرة قد دعيت لحظور مهرجان القاهرة السينمائي فلم أقوى على تلبية الدعوة لإنشغالات مهنية في دبي من جهة، ولإستحيائي الذهاب بيدين فارغتين، و هذا مالم نعتد عليه كجزائريين عندما نكون مدعوين...! وزاد خجلي أكثر بإحتشام المشاركة الجزائرية عاكسا الوجه الحقيقي للقائمين على هذا القطاع... لكن زاد غضبي وكرهت نفسي بعد تكريم الفيلم الفرنسي " العدو الحميم" للفرنسي "فلوران اميليو سيري" تعجبت لتكريم هذا الفيلم في مهرجان بدولة عربية بالأمس القريب فقط قرأ منها بيان أول نوفمبر في البرنامج الإذاعي صوت الجزائر صوت الثورة الجزائرية بإذاعة مصر العربية... فها هي تشارك اليوم بجهل أوبحسن نية في الحملة الفرنسية لتشويه صورة الثورة الجزائرية. هاهي فرنسا كما عهدناها تشن حملتها بإستراتيجية ...لقد إستعانت بفلوران كمخرج ليس من باب الصدفة بل لمهنيته التي أثبتها داخليا من خلال فلميه الفرنسيين ومجموعة الفيديو كليب التي أشتهر بها وخارجيا بتعامله مع النجم "بروس ويليس" في فيلمه "الرهينة" . كما إستعانت العجوز فرنسا بغريمتها "المملكة المغربية" في هذه الحملة فتلبي النداء مقبلة يدها كالعادة بإستقبال طاقم الفيلم للتصوير في طبيعتها المشابهة شكلا لطبيعة جبال جرجرة الشامخة، فضلا عن تسخير كل من الخطوط الملكية لتنقل الطاقم من فرنسا إلى المغرب أحيانا صباحا ومساء وكأنهم ينتقلون في ميترو باريس بين محطة سان لازير و كامبيطا ...أما الدرك المغربي والحرس الملكي فظل مرتزقا "للعدو الحميم" طيلة فترة التصوير...ياله من ولاء. انتظرت موقف السلطات الجزائرية تجاه هذه المبادرة المصرية لكن يبدو أن سفارتنا في القاهرة لم تسمع بالأمر وحتى إن سمعت فما المشكلة عندما يكرم فيلم فرنسي في القاهرة...؟ أوربما الإلتزامات شخصية تحول دون أداء الواجب الوطني..! فتعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي....! فبعد أقل من شهر يعرض الفيلم خارج المسابقة الرسمية في مهرجان دبي السينمائي في دورته الرابعة فحضرت العرض خاشعا لم تفتني ولا صورة ...بعد نهاية العرض حاول المخرج فتح باب للنقاش و ليته لم يفتحه ...تركت الفرصة لبعض النقاد لطرح أسئلة فنية وأخرى شخصية ليأتي دوري قدمت نفسي فخورا أنني من عائلة ثورية أو من الفلاقة وأسترسلت في شرح خلفيات هذا العمل فصار يقاطعني بين الحينة و الأخرى معترضا عن حججي ثم قذفته بوابل من الأسئلة فوقف عندها مصدوما يدعي أنه لم يشاهد أعمالا سينمائية كثيرة عن هذه الحرب و عندما قرأ وجد الكثير من المتناقضات حتى بين الجزائريين أنفسهم لينتهي به المطاف قائلا :" لما أكملت هذا الفيلم كنت أنتظر ردود أفعال رسمية جزائرية... فلم يحدث هذا ولم أنتظر أن أجد واحدا من الجيل الجديد للجزائر...يحمل كل هذه الكراهية لفرنسا "فقاطعته قائلا: " أنا أحمل كرها لفرنسا الإستعمارية لا للشعب الفرنسي ولا لفرنسا الحضارة، ولا لبلد جون جاك روسو صاحب الحق والواجب... تنطلق أحداث الفيلم العدو الحميم في الجزائر بالضبط في جوان 1958 لحظة استلام الملازم تيريان قيادة فصيلة رابضة بقرية ثايذة بالقبائل الصغرى، يأتي محملا بأفكار مثالية فيصطدم بواقع مغاير يسير وفق منطق الحرب القذرة التي تجبر الجنود على ارتكاب جرائم على حساب المبادئ. ويعمل الملازم تيريان رفقة الرقيب دونياك العسكري المحترف المنهزم في ديان بيان فو في حرب فيتنام، ولا يؤمن إلا بمنطق الحرب من أجل الحرب، حتى وإن تطلب ذلك تقتيل الأطفال والعجائز. ونجده على وفاق تام مع ضابط المخابرات بيرثو الذي لا يدخر جهدا في إبداء الكراهية تجاه المجاهدين، إلى ان يتمكن هؤلاء من ذبحه رفقة جندي جريح، وتستغل هذه الصورة، لإبراز ما يقدمه الفيلم على أساس أنه قذارة الفلاقة وسرعان ما تنهار مثالية تيريان، حينما يكتشف أن الرقيب دونياك فرض منطق التجاوزات على سير العمليات العسكرية ضد الفلافة، وفي ما كان يدعو في البداية إلى احترام مبادئ الحرب، يتغير شيئا فشيئا، ويسير نحو التخلص من مثاليته تحت ضغط سير الأحداث، وقد اكتشف أنه لم يأت إلى الجزائر للحفاظ على النظام، بل من أجل القيام بحرب حقيقية، فيدرك في النهاية أن الذي يحاربه ليس الفلافة، بل الرقيب دونياك الذي أوصل منطق الحرب إلى الهاوية، لذلك أخذ الفيلم تسمية العدو الحميم. ورغم إعتراف فرنسا سنة 1999 أن ما جرى في الجزائر بين 1954 و1962، كان عبارة عن حرب حقيقية لتدحض فكرة حفظ النظام لكن "فلوران إميليو سيري" تجاوز هذه الفكرة، فلم يترك جيش التحرير الوطني، إلا وحاول أن يلصق به صفات سلبية من أجل التشويه وإعطاء فكرة الحرب القذرة التي يبدو أنه دافع عنها فقدم صورا سلبية عن ممارسات المجاهدين. وفي مقابل بربرية المجاهدين، وجرائمهم، تنقلب صورة الجندي الفرنسي، وبالأخص الملازم تيريان الذي ينقذ طفلا صغيرا نجا من المجزرة التي ارتكبها الفلافة، فيرأف به ويأخذه معه إلى مركز القيادة، فيصبح أحد خدامه، يرافقه في كل العمليات العسكرية، بعد أن اكتشف نواياه الطيبة المخرج "فلوران إيمليو سيري" أراد أن يستنكر منطق الحرب، فنظر إلى المجاهدين والجنود الفرنسيين سواء بسواء.نسي أن المجاهدين فوق أرضهم التي سلبت منهم ....و ان الفرنسيين غرباء عن هذه الرقعة ...؟ لكن عندما يجد السيد فلوران نفسه في الساحة يجول و يصول لا أحد يعترض طريقه حتما سيتأكد أن نظرته صحيحة و أنه أرخ بفيلمه هذا لفترة مهمة من تاريخ أمة ...ما دامت هذه الأمة تخاف ولا تحسن حتى أن تروي قصصها الحلوة و المرة لأولادها...!!! المجد و الخلود لشهداء الجزائر