تعددت جنسياتهم من النيجر، مالي، تشاد.. وحتى من دول أواسط إفريقيا، لم يسعفهم الحظ لركوب قوارب الموت باتجاه أوربا أو حتى البقاء في الجزائر، فتحول حلمهم من أمل الهجرة إلى أمل العودة إلى أوطانهم.. طالت فترة احتجازهم وزادت معها مشاكلهم.. قالوا لنا أن وجبتهم في الشتاء كما في الصيف، قطعة خبز وقارورة ماء.. "الشروق" في مركز الإنتظار والترحيل "للحراڤة الأفارقة". * * خربوا دورات المياه، حولوا العيادة إلى مطبخ ونقلوا معهم أوبئة وأمراض * أكثر من 2500 مهاجر إفريقي تسللوا إلى الحدود الجزائرية عام 2008 * * على بعد 8 كلم غرب مدينة "جانت" وبالضبط بمنطقة "تجنتورة" يترامى من بعيد "مركز عبور الحراقة الأفارقة".. المركز الذي تحولت تسميته بقرار من وزارة الداخلية إلى "مركز الإنتظار والترحيل للمهاجرين غير الشرعيين".. وعلى أمل العودة يعيش هؤلاء حياة شبهوها "بالعيش داخل المحتشدات" يقدر عددهم ب 256 إفريقي من مختلف الجنسيات وبوجه الخصوص، من النيجر، ومالي، وتشاد، أغلبهم تركوا أوطانهم بحثا عن الرزق وقوت العيش في بلد النفط، بل أن منهم من يطمح للهجرة إلى أوربا انطلاقا من الجزائر. * آثار التخريب طالت كل شيء.. مع الوقت تحول المركز إلى خردة في قلب الصحراء، ظروف الإقامة أصبحت بدورها صعبة، بل أنها مستحيلة على حد وصف الحراڤة الأفارقة، المركز، ورغم انه لا يبعد بكثير عن وسط المدينة جانت، كما أنه لا يعكس حجم الأموال المخصصة له والمصرح بها من قبل المعنيين بتسييره.. في هذا المكان لا توجد غرف لإيواء، كل ما في الأمر بناءات جاهزة أشبة ما تكون "بالشاليهات" فحتى دوارت المياه طالها التخريب، رائحة العفن في كل جزء وفي كل مكان، ولا شيء يفترشونه غير الأرض رغم برودة الصحراء في الشتاء، مما زاد من متاعب المقيمين من الجانب الصحي وما يترتب عنه من الآثار السلبية، قالوا لنا أنهم يمرضون ولا يجدون دواء.. بعد أن تحولت العيادة إلى مطبخ للطهي، وضعهم الصحي سهل لانتقال الكثير من الأمراض المعدية، ولكم أن تتصوروا كيف أن سيارة الإسعاف المخصصة للمرضى بمستشفى جانت هي نفسها المستعملة لنقل المرضى من المهاجرين غير الشرعيين، وما يزيد من الطين بلة أن أغلب المرضى لا يخضعون في بلدانهم للفحوصات والتلقيحات الضرورية، مما يجعل الكل معرض للعدوى بأي من الأمراض المعدية، أما عن وجبات الإفطار، فهي تقتصر على "المعكرون والخبز". * ورغم الظروف الصعبة كشف المهاجرون الأفارقة أنهم يعاملون معاملة حسنة من قبل حراس المركز، ومن المسيرين، إلا أنهم يعيبون عليهم التأخر الكبير وفي ظروف صعبة وغير مقبولة لترحليهم إلى بلدانهم الأصلية، حيث يتم نقلهم من جانت إلى تمنراست على مسافة 700 كلم، ويستغرق ذلك يوما واحدا يقدم لهم فيه لتر واحد من الماء ورغيف خبزة واحدة، سواء كان ذلك في الشتاء أو في الصيف، وطالب هؤلاء بضرورة الإسراع في ترحيلهم إلى أوطانهم، نظرا للظروف الصعبة التي يتواجدون بها. * * المجتمع المدني يطالب وزارة الداخلية بالتدخل * * في رسالة وجهتها مختلف أطياف المجتمع المدني في منطقة "جانت" تحصلت "الشروق اليومي" على نسخة منها، طالب هؤلاء وزارة الداخلية التدخل فيما أسموه بضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان كبشر في المركز الذي وصفو وضعية المقيمين به بالكارثية جراء ما تم التطرق إليه ضمن سرد واقع المقيمين به من معاناة وخاصة أن الجزائر تحتفل كباقي بلدان العالم بالذكرى 60 لإعلان حقوق الإنسان، كما أشاروا أنهم كمجتمع مدني يمثل العديد من الجمعيات الفاعلة في المجتمع ملزمون بضرورة التضامن من الجانب الإنساني مع المقيمين في المركز الذي يبقى ينتظر حلولا استعجاليه كفيلة بتحسين ظروف من فيه كبشر، ومن هناك تحسين صورة بلادنا التي تبقى وجهة للأفارقة المهاجرين إليها بطريقة غير شرعية، والذين رغم كل الإجراءت المتخذة في إطار محاربة الهجرة غير الشرعية، إلا أن عدد المتسللين للحدود الجزائرية النيجرية أو الجزائرية المالية يتزايد من يوم لآخر. * * وزارة الداخلية تقرر إعادة ترميم المركز بدءا من السنة المقبلة * * وآخر الإحصائيات كشفت أن عدد المرحلين من إيليزي إلى تمنراست قد تجاوز 2569 مهاجر غير شرعي سنة 2008، والعدد قابل للزيادة، كون أن المصالح الأمنية المكلفة بمحاربة الظاهرة لازالت تواجه الظاهرة بكل حزم، والهدف من ذلك الحد منها ومعاقبة المتسببين من شبكات الإتجار بالبشر في مثل هذه الظروف، كما أن ملف الهجرة غير الشرعية وتنقل المواطنين فيما بين البلدان المجاورة للجزائر، كانت من أهم الملفات التي تدارسها كل من واليي إيليزي وتمنراست مع نظرائهم من ولاة الولايات الحدودية في دولة النيجر بداية شهر ديسمبر الجاري في العاصمة النيجرية نيامي، خاصة وان البعض من المهاجرين الأفارقة أصبحوا يشكلون خطرا حقيقيا على كافة الأصعدة وخاصة من الجانب الأمني والاجتماعي والاقتصادي. * جدير بالذكر أن المركز تم بناؤه في إطار ميزانية الدولة سنة 1995 بغلاف مالي تجاوزا 5 ملايير سنتيم، وهو المركز الذي لم يأخذ بعد وبصفة رسمية شرعيته حسب والي ولاية إيليزي الذي كشف أن وزارة الداخلية وافقت مؤخرا على تحويله إلى مركز تحت تسمية جديدة وهي "مركز الانتظار والترحيل للمهاجرين غير الشرعيين" وخصصت له ميزانية خاصة لم يكشف عنها، وستنطلق عمليات عادة تهيئته وترميمه بداية من السنة القادمة ليتماشى والقوانين التي تحكم وتسير مثل هذه المراكز وفقا للمواثيق الدولية المتفق عليها، خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان.