باتجاه أقصى الحدود الغربية من التراب الوطني وبالتحديد إلى مدينة »مغنية«، كانت بداية مهمتنا التي ظهرت للوهلة الأولى أنها لا تقتصر سوى على إجراء لقاء مع الأفارقة المهاجريين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات والذين ولجوا المدينة منذ سنين عدة واستقروا بربوع »واد جورجي« على امتداد كيلومترات بين المزارع وأشجار »الصفصاف«... دخلنا المدينة وسرنا مشيا على الأقدام بحثا عن آثار هؤلاء الفارين من أوطانهم وكلنا عزم على التقرب منهم ومعرفة سر تعلّقهم بالمكان. غير أنّ أحاسيس القلق والخوف بدأت تنتابنا حينما أفادنا أهل المدينة وسكانها أننا سنلاقي مشاكل عدة إذا دخلنا »الوادي« دون حماية، حتى أن البعض وصف الأمر »بالرغبة في الانتحار والمغامرة بأرواحنا...«، فقصدنا مصالح الأمن والدرك الوطني بالدائرة قصد تسهيل مهامنا ومرافقتنا إلى مأوى ومستقر "الأفارقة" للحيلولة دون تعرضنا لأي مكروه أثناء إنجاز عملنا، وبعد مدة من الانتظار طلب منّا التوجه إلى مديرية الأمن بولاية تلمسان قصد حصولنا على موافقة منها للمرافقة وضمان سلامتنا، وهو نفس الرّد الذي تلقيناه من مصالح الدرك الوطني التي وجهتنا إلى المجموعة الولائية التي تبعد ب74 كيلومترا عن المدينة، فازدادت حدة التوتر التي تملكتنا لمدة، لكن فضولنا ورغبتنا الشديدة في معرفة ما يجري "بمخيم" الأفارقة كانا أكبر من أي عقبة، وبالتالي دخول الوادي بمفردنا. الهروب من بطش الحروب والصراعات القبلية، بحثا عن الأمان... "لي كاماراد" أو "أميقو"، والتي تعني الصديق في اللغة العربية، هو الإسم الشائع والمتداول للمهاجرين الأفارقة بين سكان المنطقة المحليين حتى إذا ناديت على أحدهم بهذا اللّفظ نظر إليك واتجه نحوك... هذه الكنية لم تكن مجرد صفة للتمييز بين الأجانب والمغنويين فحسب، بل تدل على مدى اندماج وانصهار المهاجرين غير الشرعيين في نمط الحياة اليومي للمدينة، حتى أضحوا من المرحب بهم بين أوساط الشباب والكثير من المحسنين الذين يمدّون لهم يد العون والمساعدة بإطعامهم والتصّدق عليهم بالملابس والأفرشة... هذا التعامل الودّي والحميمي هو الذي خلق شعورا بالطمأنينة والأمان لدى المهاجرين الأفارقة الذين تعود حقبة استقرارهم بقرى وضواحي المدينة إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، حيث شهدت المنطقة غزوا وتدفقا لأفراد في شكل جماعات منظمة من كل أقطاب القارة السمراء وأغلبهم من المالي، النيجر، السينغال، الكامرون ونيجيريا، وبعض المهاجرين من كوت ديفوار، الكونغو، غانا، وزمبابوي... كان جلهم فارين من بطش وويلات الحروب والصراعات القبلية بأوطانهم التي أتت على الأخضر واليابس وجعلتهم يفرون ونساءهم إلى أي بقعة قد تكون آمنة بعد استحالة العيش في بلدانهم. مستوطنة المهاجرين، هذه المنطقة المحظورة بعد أن اتصلنا بمصادرنا بالمدينة قصد إطلاعنا على الوقت الذي يمكن أن نجد فيه أكبر عدد من المهاجرين الأفارقة بضفاف الوادي، نصحنا أحدهم أنهم يخرجون باكرا من مخيماتهم بحثا عن العمل وعن بعض الخردوات من أقمشة وصفائح حديدية لبناء أكواخهم وتشييد مساكنهم، ثم يعودون مساءً إلى مأواهم... وفي حدود الساعة السابعة مساءً قصدنا المنطقة المسماة »الكورس« والتي تبعد بكيلومترات قليلة عن عاصمة المدينة، وبالقرب من أحد المجمعات السكنية تظهر حدود »المستوطنة« التي كنّا بصدد زيارتها، وما هي إلا لحظات حتى صادفنا أحدهم بالمدخل الرئيسي للوادي... فنادينا قائلين: »كاماراد... أيمكن أن نتحدث معك؟«، اتجه نحونا وقال: »السلام عليكم...«، ثم أخبرناه بأننا نريد إجراء لقاء مع أصدقائك المقيمين هنا ومعاينة الوضع المأساوي الذي تعيشونه، فأجاب بسخط: »من تكون وماذا تريد..؟«، ثم صرخ قائلا: "Tu vas aggraver la situation... c'est interdit" ثم أمرنا بالانصراف قبل أن يلاحظنا آخرون ويقومون بمهاجمتنا. حاولنا مرارا وتكرارا بأننا لا نريد إلحاق الضرر بكم وأننا بمفردنا بل نسعى إلى نقل واقعكم وظروف إقامتكم... وبعد مدة من محاولة إقناعه انفرد بنا إلى زاوية بعيدة عن أنظار رفقائه حتى لا يتعرض للأذى، على حد ذكره، ثم بدأ يسرد قصته وجوده بالوادي بعد أن وعدناه بعدم التقاط الصور: »أدعى عبد السلام، أتيت من المالي منذ سنتين ومتحصل على شهادة في الاقتصاد... إننّا نعاني من مشاكل عدة في مقدمتها سوء التغذية وقساوة مناخ المنطقة خاصة في فصل الشتاء، لقد سئمنا الوضع ولا يمكنكم أن تغيروا شيئا... حتى عندما كنت في المغرب لمدة 06 أشهر تعرضنا لمعاملة سيئة وطردنا بلا شفقة.. وفي كل مرة كان يقوم بها رجال الإعلام وممثلو حقوق الإنسان والصليب الأحمر الدولي بزيارتنا في معبر الناظور كنّا نتعرض لاقتحام من قبل السلطات المغربية... لقد سجنت عدة مرات... كان بإمكاني العيش في ظروف أفضل في بلادي، لكن الصراعات الداخلية والطائفية جعلتني أهرب من بلدتي..، ولا أريد العودة إليها لأنني قد أتعرض للقتل في أي لحظة...«، ثم طلب منّا الانصراف للمرة الثانية بعد أن ترجانا بعدم القدوم مرة أخرى... ونحن بصدد مغادرة المكان التفّ حولنا 5 أفراد آخرين مستغربين تواجدنا مع »عبد السلام«، لكنه تحدث معهم بلهجة لم نفهم منها سوى لفظ »ممنوع...« بعد أن نظروا إلينا نظرة حقد وغل نجهل سببها، ثم أسرعنا باتجاه وسيلة النقل التي كانت في مأمن حتى لا تطالها الأحجار التي هددونا بها وبرشقنا في حالة عدم الانصراف... بعد أن منعنا من التقاط صور عنهم، بدا الأمر وكأننا في منطقة محظورة عن الأجانب والغرباء دخولها وأننا نواجه صعوبات أكبر بكثير من التي واجهتنا في من قبل »إنها حقا مستوطنة للأفارقة لوحدهم ودولتهم التي أقاموها بنواحي المدينة«. قررنا مواصلة الطريق والسير على امتداد المناطق والمزارع عسانا نلتقط صورا لمخابئهم البعيدة عن أنظار السلطات، إذ كنّا في كل مرة نلاحظ المهاجرين الأفارقة خارج »الوادي« وبعيدا عن بيوتهم حيث التقطنا صورا لهم على طول الطريق الرابط بين »مغنية وقرية أولاد قدور وصولا إلى البطيم...«، لكن هدفنا الوحيد كان يتمثل في خرق حدود "دولتهم" والتسلل إليها بشق الأنفس... 50 أورو للحصول على تأشيرة الدخول إلى الوادي... في اليوم الثاني، صادفنا أحد المتسولين الأفارقة الذي كان بأحد الأحياء التجارية المعروفة بالمدينة، فعرضنا علية أن يرافقنا لتناول الطعام معنا لكنه رفض، بينما استحسن فكرة التحدث معه داخل مقهى يقصده العديد من أصدقائه... وقبل الشروع في طرح بعض الأسئلة واستجوابه، أخبرناه بأننا طلبة من ولاية مجاورة، ونحن بصدد إجراء بحث عن الهجرة السرية وعن وضع المهاجرين غير الشرعيين وظروف إقامتهم... فتقبل الأمر وذكر أنه يدعى »جاقوا باوال« في الثانية والعشرين من عمره، من قرية تدعى »مارادي« بدولة النيجر والتي قدم منها بواسطة حافلة إلى تمنراست ثم إلى ورقلة ليواصل سفره إلى مدينة وهران التي لا تبعد سوى مسافة 174 كلم عن الحدود المغربية وبالتحديد عن مغنية التي اتخذ منها ملجأ لمدة تزيد عن الستة أشهر، حيث أخذ »جاقوا« من التسول سبيلا لضمان قوته وشراء حاجياته، إذ يجني بيم 200دج إلى 350 دج يوميا وأحيانا يتعدى ذلك ليحقق ربحا خياليا يصل إلى 1000دج. ونحن نتبادل الحديث معه، اقترحنا عليه أن يساعدنا في الوصول إلى »الوادي« وأن نكافئه جزاء ذلك، فابتسم وقال: "Il faut voir avec le patron..." والذي أفادنا بأن ذلك يتم عن طريق صفقة بمبلغ 50 أورو ليحدد معكم موعدا ويمكنكم من الدخول إلى المخيمات التي نقيم بها ويفيدكم بكل ما تريدون معرفته...، وسرعان ما تفطن لحيلتنا عندما حاول أحد المرافقين التقاط صور ونحن نجري الحوار معه، إذ اعتذر منا بأنه يريد الذهاب إلى قضاء حاجته ليتوارى بعدها عن الأنظار وعن المقهى... بقينا نتجول بأزقة المدينة ونلتقط صورا لبعضهم كلّما سنحت الفرصة ومن دون كشف أمرنا حتى لا نواجه متاعب ويتحول الأمر إلى مشادات قد تؤدي إلى مشاكل أخرى بعدما عرفنا أن تصرفهم مزاجي وعنيف ويستحيل إقناعهم بما نريد القيام به، خاصة وأن تجوالهم يكون في شكل جماعة تتكون من 03 إلى 05 أفراد يسيرون الواحد تلو الآخر على مسافة قريبة وكان أغلب مقاصدهم إلى تجار المواد الغذائية لشراء المواد الأولية كالحليب والزيت والحبوب الجافة، ولاحظنا أنهم يشترون كميات هائلة من هذه المواد، حيث كان أغلب الظن أنهم لا يخرجون يوميا للتسوق أو أنهم يشترون لرفقائهم الجدد الذين لم يتعرفوا بعد عن المنطقة وعن كيفية التعامل معهم... وبالقرب من نوادي الإنترنيت يتجمع العديد من المهاجرين منهم أولئك الذين يحملون وثائق عن هويتهم وعن وجودهم بصفة قانونية بالتراب الوطني، حيث اكتشفنا هذا عندما قصدنا أحد قاعات الإنترنيت وتحدثنا مع »مامادو وهنري« على أساس أننا سياح ونريد التقاط صور تذكارية معهم، فرحبوا بالمبادرة وقدموا لنا جوازات سفرهم تثبت حقا أنهما دخلا الجزائر عن طريق التأشيرة وأن مدة إقامتهم قانونية وأبلغونا بأنهم من »الكاميرون« وقدموا إلى المنطقة في محاولة لدخول التراب المغربي والالتحاق برفقائهم المتواجدين بمعبر الناظور، وأنه سرعان ما يتم الوصول إلى مليلية الإسبانية تكون رحلتهم الشاقة قد انتهت، ويبقى أمامهم سوى دفع مبلغ يصل إلى 1000 أورو لركوب الزوارق التي تمكنهم من بلوغ السواحل الإسبانية... الدخول إلى »القبيلة« مشهد درامي يفوق الوصف... بعد قضاء الفترة الصباحية في ملاحقة هؤلاء الأجانب وتربص أماكنهم، كان علينا مجددا أن نعود إلى »واد جورجي« واختراق حدود »المستوطنة«، فدلنا أحد السكان عن شاب يدعى »كمال« تربطه علاقة حميمية مع الأفارقة الذين يشترون من عنده الخضر والفواكه وأنه في كثير من الأحيان كان يقوم بنقلهم على متن سيارته إلى مخيماتهم، فاتصلنا به وطلبنا منه مرافقتنا وأنه المفتاح الذي سيفتح الألغاز والأسرار الموجودة بالضفة الأخرى من المدينة، فقبل ذلك، شريطة ألا يتفطنوا بأننا نريد تصويرهم وأنه علينا الاختباء بعيدا عن أنظارهم إذا ما رغبنا في ذلك... قبلنا العرض وذهبنا من الجهة الجنوبية للوادي والتي يتمركز بها المهاجرون وبدأنا نلتقط صورا من السيارة لبعض المواقع المحيطة بهم وسرعان ما لاحظنا تجمعا للأفارقة في منحدر الوادي الذي نزلنا إليه سيرا على الأقدام وبدأنا نقترب رويدا رويدا باتجاه أكواخهم البلاستيكية والتي كان سقفها من »"القش والكارطون« وبعض الدعائم الحديدية مخبأة بإحكام بين أشجار الزيتون والصفصاف وبالقرب من حقول البطاطا، بقايا نفايات مترامية، روائح متناثرة زادتها حدة السيول الجارية والتي هي عبارة عن مواد سائلة سامة قادمة من المغرب عبر »واد المويلح« مشكلة تجمعا للمياه القذرة وكل الحشرات الضارة... رماد ودخان النيران التي يستعملونها في الطهي نشاهدها من بعد وكأننا في عصر بدائي لا وجود لأي دليل أو مؤشر ينفي ذلك، البعض من هؤلاء المهاجرين شبه عاري، بينما يرتدي آخرون أشياء لقد لا نصل إلى تسميتها بالثياب، الأكياس البلاستيكية الزرقاء التي يضعونها على رؤوسهم هي الواقي الوحيد من الأمطار وأشعة الشمس الحارقة... بينما ينعزل أفراد من جهة أخرى تراهم في غاية الاعتناء بمظهرهم الخارجي ويرتدون ملابس نظيفة... فأشار لنا مرافقنا أنهم من حاشية الزعيم، هو الآمر الناهي بالوادي، فالبرغم من كونهم في دولة أخرى غير أن نظام القبيلة لايزال قائما بينهم وهو السبيل الأنجع لتسيير أمورهم... العشرات من الأفارقة من كل الأجناس وباختلاف معتقدهم الديني مبعثرين في كل مكان، فسألنا مرافقنا عن سبب ذلك، فأجابنا بأن »القائد أو الزعيم« هو الذي يقوم باختيار أماكنهم آخذا بعين الاعتبار أمنهم وسلامتهم وكذا فصلهم حسب جنسياتهم ودياناتهم لتسهيل مهمة مراقبتهم. بقينا نتجول من بعد في المنطقة، خاصة بعدما رأينا مجموعة يفوق عددها 15 فردا نازلة إلى الوادي حيث أشار صديقنا بأنهم الآن سوف يدخلون إلى بيوتهم وأنهم سيلحقون بنا الأذى إذا بقينا هنا... ففكرنا بالانصراف بعد أن التقطنا كمّا من الصور قد يفيدنا في توصيل معاناتهم ونقلها. "دومنيك" صادفناه ونحن بصدد العودة، حيث ذكر أنه راحل عن المكان وهو متفائل لأنه سيصل قريبا إلى تحقيق حلمه في الذهاب إلى إسبانيا بعد أن اتصل بأخيه المتواجد هناك منذ 04 سنوات وهو من سيقدم له الدعم المالي لدفع ثمن الرحلة التي تبقى غامضة. علما أن المسلك بات صعبا عبر الحدود البريّة، نظرا للبطش الذي يتعرضون إليه من قبل السلطات المغربية التي جرّدت العديد منهم من الملابس والأموال وكل ما يملكون حسب ما ذكره لنا »دومينيك« لينتهي بهم المطاف في ربوع »وادي جورجي« المهجور والذي أصبح الموطن الأول لكل عابر أو راغب في الهجرة إلى أوروبا... إنها حقا مسيرة نحو المجهول بحثا عن المصير... عبد السلام، سليمان ومامادو... أسماء حقيقية أم تنكرية لاستمالة الناس كلما سألنا عن أسمائهم كانت الانتساب إلى أسماء الرسل والأنبياء وغيرها من الأسماء الشائعة بين المسلمين، حيث من بين العشرات الذين صادفناهم لم نفرز سوى عدد قليل من الذين أخبرونا بأنهم مسيحيون وأن أسماءهم أعجمية، حتى أن البعض ذكر أنه يقيم الصلوات الخمس وأنه يصوم شهر رمضان وأغلبهم ماليون وسينغاليون، إذ ذكر سكان المنطقة أنهم يتجهون بصفة مستمرة إلى المساجد لأداء الصلاة، وإلى المقابر لتشييع الجنائز والمساهمة في حفر القبور، بينما أشار البعض على أن هذه الأسماء أصبحت سلاحهم في كسب شفقة السكان واستمالتهم في الحصول على الأكل والشرب وسرعان ما يتضح أنهم مسيحيون ويحملون كنيات أخرى... حيث يلقى المسلمون من المهاجرين احتراما ومعاملة لائقة من قبل أهل المدينة، كما أخبرونا بأن عددا من الأفارقة أشهروا إسلامهم بالمنطقة جراء بقائهم لمدة أطول بمدينة مغنية التي يرى أهلها أن الحروب والظروف القاهرة وراء تشرد الأفارقة وهروبهم من بلدانهم، معتبرينهم أبناء السبيل ولا يجب معاملتهم بقسوة على عكس ما يتعرضون إلية في دول مجاورة... يد عاملة... بأثمان بخسة... نظرا لطابع المدينة الفلاحي والذي تطغى عليه حقول البطاطا والخضر ولكون شباب المدينة غالبا ما يطلبون أجرا يصل إلى 600 دج لليوم الواحد، أصبح فلاحو المناطق المجاورة يبحثون عن يد عاملة لا تكف غاليا، أصبح الكثير منهم مهتما باستغلال المهاجرين غير الشرعيين في العمل بالحقول أثناء موسم الجني أو الحصاد، وذلك بثمن لا يتعدى 400 دج لليوم، والمعروف عن هذه اليد العاملة أنها تمتاز بكفاءة ومهارة عالية في إنجاز الأعمال المستعصية والتي تتطلب جهدا عضليا كبيرا، كما أن البعض الآخر قد يستعملهم في ورشات البناء وحفر الآبار لقاء حصولهم على مأكل ومشرب في الكثير من الأحيان. وبين هذا وذاك تستمر معاناتهم في مواجهة الظروف. ومن جهة أخرى فقد استطاع البعض من المهاجرين غير الشرعيين من الانضمام إلى ورشات الخياطة وصناعة الجلود، أما المثقفون منهم وحاملو الشهادات الجامعية خاصة في مجال الإعلام الآلي والإلكترونيك فقد اتخذوا من تصليح الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية بأثمان منخفضة مكسبا ومصدر رزق... الأرز... الأكلة المفضلة لدى الأفارقة رغبة منّا في التعرف على عاداتهم وتقاليدهم التي أصبحت معروفة بين أهالي المنطقة، سألنا عن أكلتهم المفضلة والتي تعد بمثابة الغذاء الرئيسي لديهم، ذكر لنا أن الأرز من بين المواد التي يستعملونها كثيرا والتي يشترونها بكميات معتبرة من المحلات وذلك لسهولة تحضيرها وإمكانية توفير مبلغ شرائها، بالإضافة إلى التمور والحبوب الجافة. ونحن بالمنطقة سمعنا الكثير عن طقوسهم وعاداتهم الغريبة كطريقة مشيهم الواحد تلو الآخر عند خروجهم صباحا، كما أضافوا أنهم لا يقدرون البقاء تحت الأمطار بل ويخافونها، إذا تهاطل المطر أقاموا طقوسا وتعاويذ للاحتماء منها، ومن الظواهر التي أثارت العديد من التساؤلات لدى سكان المنطقة هو عزوفهم عن الخروج والتجوال سويعات قليلة قبل غروب الشمس، بحيث يطلب منهم »الزعيم« العودة مبكرا ومن يخالف ذلك فقد يتعرض للتأنيب والطرد من مسكنه. وعلى ذكر رئيس القبيلة أو »الزعيم«، فقد أفادت مصادرنا أن الخلافة تكون كل سنتين وذلك بالتشاور مع الأفراد المقيمين بالوادي وعلى اختلاف جنسياتهم، إذ يشترط فيه أن يكون على معرفة واسعة بالمنطقة وضواحيها وأن تكون بنيته الجسدية قوية، وهو الذي يقوم بإرشادهم وتقديم النصائح لهم. كما يتعسر الالتقاء معه أو الكشف عن مكانه إلا بأمر منه. الصراعات الطائفية والنزاعات القبلية تنتقل إلى مغنية الحديث عن الأفارقة المهاجرين لا يقتصر على سرد خصوصيات عيشهم وظروف إقامتهم غير الشرعية، بل هو النظر فيما يترتب من انعكاسات وتراكمات جراء نقلهم للصراع الطائفي والقبلي على المنطقة، حيث شهدت المدينة سنة 2005 أحداث شغب ودمارا واسع النطاق بين المسلمين والمسيحيين من دولتي المالي والنيجر وهذا بعد أن خرج الصراع إلى شوارع المدينة، لولا تدخل مصالح الأمن والدرك الوطني التي حالت دون توسّع نطاق هذا الصراع وتحويل المنطقة إلى نقطة صراع دائمة، حيث تم ترحيل أزيد من 800 مهاجر من وادي جورجي، إذ بدأت أعدادهم تتقلص منذ ذلك الحين ليصل إلى حدود ال60 مهاجرا في الوقت الحالي. بعد الأفارقة، الخطر الآسيوي يغزو »وادي المويلح«... في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة شبه انعدام لحملات الغزو الإفريقي التي اشتدت في وقت مضى، أصبح من المقلق توافد "غزاة" من دول جنوب آسيا وبالخصوص من الهند والبنغلاديش وباكستان، حيث اتخذوا من وادي المويلح القريب من الحدود المغربية ومن منطقة »المعازيز« الجزائرية معقلا لهم بعد أن ألقت مصالح الدرك الوطني القبض على 147 مهاجر آسيوي بأحد المنازل بمنطقة البطيم الحدودية، حيث كشفت مصادرنا أنهم ينشطون على محور منطقة »سيدي امحمد« و»وادي المويلح«... لتبقى المدينة مفتوحة على كل راغب في بلوغ أوروبا والاستقرار بأوديتها إلى حين التمكن من تحقيق ذلك... مبعوث الشروق إلى مغنية: كمال يعقيل