صورة من الارشيف اقترنت الحروب منذ فجر التاريخ الأول بأدب يولد من رحم المآسي والانتصارات، وهو أدب المقاومة الذي حول الكثير من التجارب الإنسانية المريرة مع الموت إلى ملاحم أصبحت مصدرا لكتابة التاريخ، فكثيرا ما كانت الأشعار ومعها الزجل والأغاني والحكايات الشعبية حجة أبدية على الظالم وانتصارا للمظلوم، بل يتحول الشعر أحيانا إلى آلة حربية لا تنتهي صلاحيتها بتقادم الزمن، وهذا ما سيحدث مع أدب "غزة" إن صح المصطلح. * تحولت تجربة الحرب الصهيونية على غزة إلى مصدر إلهام للشعراء في كل أنحاء العالم ومنهم العرب، فلا أحد من الشعراء العرب تقريبا لم يوقع باسم غزة المجاهدة قصيدة رسم فيها تأثره العميق بهول الفاجعة، وكل واحد منهم عبر بطريقته على ما شاهدت عيناه في شاشات الفضائيات التي لم تدخر جهدا لتنقل الحرب على المباشر، الحرب التي حولت الأفئدة إلى صراخ داخلي لم يجد سوى الكلمات أو ما شابهها من أشكال التعبير الفني لإسماع صوت الرفض. * هذا ما حدث في الجزائر التي تعرف جيدا معنى المقاومة مثلما تعرف مقام فلسطين الكبير في الضمير الشعبي والرسمي الجزائري، فمع حالة الذهول التي أصابت كل الجزائريين وهم يكتشفون عنجهية اليهود وهم يحرقون أطفال غزة بالقنابل الفسفورية وما شابه ذلك من مشاهد لا يحتملها إنسان على وجه الأرض، انتفض الشارع وتحركت الأقلام الإعلامية والأدبية رافضة ما يحدث. * فمنذ بدء العدوان الصهيوني الغاشم على غزة وصلت عبر فاكس جريدة "الشروق" وبريدها الإلكتروني أكثر من 400 قصيدة لشعراء ومبدعين جزائريين من مختلف المستويات والمناطق، وكان محورها واحدا وهو "جرح غزة"، أما مواضيعها فتوزعت بين تبيان وقوف الجزائريين مع فلسطين حتى تنال الحرية المنشودة وبين هجاء الحكام العرب وهجاء اليهود وبين السخرية من الوضع القائم في العالم ككل الذي جعل الحق باطلا والباطل أغنية لاستعباد الشعوب. * وتشكل هذه القصائد -بغثها وسمينها- شاهدا على مرحلة حاسمة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، لأنها تميزت جميعها بصدق نبع من أفئدة استشاطت غضبا وانكوت بمشاهد أجساد أطفال غزة وهم يسقطون الواحد تلو الآخر تحت هول القصف الشيطاني. وكذا مشاهد الدموع وأجساد الشهداء التي حولت كل البيوت في العالم إلى جنازة يشترك فيها الجميع. * ومن الملاحظات التي سجلناها ونحن نقرأ هذه القصائد والمحاولات الشعرية أن هناك قصائد لمبدعين جزائريين غير معروفين في الساحة الثقافية الجزائرية لكنهم متمكنون من ناصية الشعر بشقيه الفصيح والشعبي، كما لاحظنا تنوعا في المستويات الاجتماعية والتعليمية لدى المبدعين وهو الظاهر في التوقيعات. * سيكون عملا مهما لو تم جمع هذه القصائد في ديوان شعري كبير يحمل غزة المجاهدة في كلمات الشعراء، فلا يبقى من الزمن إلا شواهد الأعمال المؤرخة للأحداث، وسيكون هذا الإنجاز لو تحقق توقيعا من أبناء نوفمبر في سجل بطولات أبناء فلسطين، فكلاهما انتصرا ليس بالسلاح لكن بحق الصمود.