عندما ينتحل مواطن بسيط صفة غيره فيضع على صدره الأوسمة والنياشين المزعومة ويقدم نفسه للناس برتب وهمية فيصدقونه ويفتحون له الأبواب، فإن المصيبة هنا مصيبتان، لأن من المفروض أن لا يكون في هذه الجريمة متهم وضحية، * وإنما ثلاثة متهمين متورطين في الاحتيال وهم متهم بانتحال الصفة، ومتهم بمعاملة هذه "الصفة" بالمحاباة ،ومجتمع لا يريد الرفعة لهذا المواطن البسيط فيجبره على تقمص صفة غيره لأجل استخراج شهادة ميلاده أو سوابقه العدلية. * رحلة البحث عن الحق باستعمال الباطل انقلبت الآن إلى بحث متواصل عن المال والامتيازات بتقمص مهن الغير وصفاتهم التي تمنحهم امتيازات من الانتماء إلى الأسرة الثورية أو العائلات الثرية إلى الجلوس على كرسي البرلمان أو المجالس الولائية، حتى صارت قناعة المواطن العادي أنه لو تقدم لخطبة إمرأة أو طلب وظيفة أو حتى لدفع فاتورة الكهرباء فإنه سيرجع على عقبيه إذا لم يطمس وجهه بوجه آخر ويزيح روحه بروح أخرى، وإذا كانت تقارير مصالح الدرك الوطني قد أفزعتنا بأرقام مهولة عن جريمة جديدة صارت تنافس بقية الجرائم وهي انتحال الصفة فإنه من الضروري البحث عن أسباب استفحال هذه الجريمة الاجتماعية التي عادة ما يجني منها مقترفوها ما يريدون من امتيازات مادية بالخصوص، وانتحال الصفة هي جريمة تجمع كل الرذائل من نفاق ورياء وكذب، كما أن "الضحية" في هذا الاحتيال أيضا تجتمع فيها كل الرذائل من بلاهة ومحاباة، فنرى التاجر يبيع بأسعار متدنية إذا تقمص الزبون صفة مفتش الضرائب، ونرى الشرطي يتغاضى عن تحرير العقوبات إذا تقمص سائق السيارة صفة الضابط، ونرى أهل العروس يتفادون الحديث عن المهر الضخم إذا تقمص العريس صفة إبن الملياردير. * الصور التي تقدمها صحافتنا يوميا نقلا عن مصادر أمنية من سرقات ضخمة تمت بوسيلة انتحال صفة الغير من المفروض أن لا تكون نقطة نهايتها مع خاتمة سرد الواقعة، لأن الجريمة لها دوافع نفسية واجتماعية تؤكد أن بعض المواطنين قنطوا إلى درجة أنهم كرهوا وجوههم ومستوياتهم الميعشية والمهنية وصاروا يخجلون من ظلهم. * مواطن ينتحل صفة الطبيب ليحصل على أدوية مهلوسة. ومواطن ينتحل صفة إرهابي ليبتز الناس ويرعبهم، ومواطن ينتحل صفة المسؤول لينال من متاع الأرض والعقار.. فمتى ينتحل المواطن البسيط صفة "المواطن البسيط" فينال حقه ويسترد ظلّه؟!