يعدون سيناريوهات محكمة ، ويحبكون تفاصيلها بإتقان ، ثم يوزعون الأدوار، يختارون ضحاياهم الذين قد يكونوا إما من عامة الناس أو أثرياء، بعضهم يفضلون تقمص شخصية مسؤولين كبار في الدولة وحتى جنرالات أو أقارب هذه الشخصيات النافذة ، فيما يفضل آخرون انتحال صفة أتباع "درودكال" أو أحد أمراء الجماعات الإرهابية المسلحة ..وشعارهم في ذلك الغاية تبررالوسيلة . ينتحل شخصية ضابط سام في الجيش ويتوسط عند الوزارات لخدمة غيره، والثاني بطال ينتحل صفة والي وهران ،وآخر يدعي انه شقيق وزير الداخلية ، وضابط شرطة مزيف يشغل منصب رئيس الفرقة الاقتصادية بأمن ولاية تيبازة ، موظفة بإحدى شركات التامين تتقمص شخصية زوجة النائب العام بمحكمة الشلف، وحلاق عميد في الجيش.. اختلفت الشخصيات المزيفة لكن الهدف واحد وهو النصب والاحتيال قضايا وقضايا تطرح وبكثرة على المحاكم، أصحابها متابعون بتهمة انتحال ألقاب أو أسماء أووظائف الغير وفي هذا الإطار سجلت مصلح الدرك الوطني خلال ثلاث سنوات ما يزيد عن 185 قضية تورط فيها أكثرمن 198 شخص ،ففي سنة 2006 تم معالجة 60قضية انتحال أسفرت على توقيف 69 شخص متورط منهم أربع نساء تم إيداع 54 منهم الحبس في حين استفاد15أخرين من الإفراج المؤقت ليرتفع هذا العدد سنة 2007 إلى 72 قضية تورط فيها 81 شخص . أما خلال سنة2008 فقد تم تسجيل اكثرمن 53 قضية أسفرت على توقيف 48شخصا متورطا 06منهم نساء. من خلال إحصائيات الدرك الوطني نلاحظ أن الظاهرة مست العديد من ولايات الوطن وارتفعت نسبيا في المدن الكبرى ولقد تصدرت الجزائر العاصمة القائمة ب13قضية خلال التسعة أشهرا لأولى من سنة2008 من مجموع 53قضية معالجة. في المرتبة الثانية سطيف ب08 قضايا ،كما مست الظاهرة كل من ولاية سيدي بلعباس بشار، بسكرة ،البويرة ،تلمسان ،عنابة ،المسيلة ، معسكر ،وهران ،تيبازة ...وغيرها من الولايات بنسب متفاوتة فيما يخص مهن هؤلاء المتورطين نلاحظ أن 21 منهم بدون مهنة، 16من أصحاب الوظائف الحرة، 06موظفين،04مستخدمين وطالب واحد. والشريحة العمرية لأغلبية المتورطين تتراوح بين 18و30سنة حيث فاق عدد المتورطين من هذه الشريحة 26متورط.في حين أن الشريحة العمرية من 30الى 40سنة وما فوق40سنة نجدها 11متورط لكل منهما. أول قضية نتطرق إليها في القائمة الطويلة لقضايا انتحال الأسماء والألقاب و الوظائف، تلك القضية التي تمت معالجتها من طرف مصالح الدرك الوطني والتي تبين بوضوح تفنن هؤلاء المجرمين في إعداد سيناريو لأفلامهم الإجرامية واستغلالهم لكل الظروف من أجل الظفر بالمال، والتي تعود وقائعها إلى الاعتداء الإرهابي على المدرسة العليا للدرك الوطني بيسر بتاريخ 19 أوت 2008 حيث تقدم شخص إلى أولياء الضحايا في كل من بشاروتلمسان يدعي انه ضابط برتبة عقيد مكلف بالمصلحة الاجتماعية بسلاح الدرك الوطني، يعلمهم بان الدولة خصصت مبلغ 350مليون سنتيم وشقة لضحايا هذا الحادث ، يطلب منهم دفع مستحقات تكوين الملف المقدرة ب120000دج.وقد تم إلقاء القبض على هذا المحتال ينتحل شخصية ضابط سام في الجيش من اجل الحج نظرت خلال أواخر نوفمبر الماضي محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة، في القضية الخاصة بالضابط المزيف الذي حاول الاحتيال على وزير الداخلية وتعود حيثيات القضية إلى تاريخ 11 نوفمبر 2006، حيث تلقت أمانة وزارة الداخلية مكالمة هاتفية من شخص يدعي أنه ضابط سام في قوات الجيش الوطني الشعبي، طالبا التحدث مع وزير الداخلية وبالتحقيق معه تبين أنه ضابط مزيف فتم استدراجه إلى مقر الوزارة للقبض عليه وتقديمه إلى العدالة بتهمة النصب والاحتيال وأثناء استجواب المتهم، صرح أنه انتحل شخصية ضابط ليساعد شخصين على أداء مناسك الحج مقحما هذين الأخيرين في القضية، ومثل المتهمون مؤخرا أمام مجلس قضاء الجزائر، واعترف المتهم الرئيسي بالوقائع المنسوبة إليه مؤكدا أنه كان ينوي مساعدة الشخصين الآخرين لأداء مناسك الحج ضابط شرطة مزيف يحتال على التجار باشرت مصلحة الشرطة القضائية بأمن ولاية تيبازة فور تلقيها لشكوى من طرف صاحب مصنع لصناعة الأجهزة الالكترونية ببواسماعيل تحقيقاتهاأواخرسنة 2005، حيث تم التوصل إلى توقيف رئيس العصابة الذي انتحل صفة رئيس الفرقة الاقتصادية والمالية بأمن ولاية تيبازة، حيث قام باقتناء ما يزيد عن 100 جهاز تلفزيون برفقة شريكه، وكان بحوزتهما سجل تجاري مزور حول نشاطهما في مجال بيع الأجهزة الإلكترونية، وقد تمكنا من إقناع الضحية بالتعامل معهما بالتقسيط • حيث قدما له صكوكا بدون رصيد بقيمة 26 مليون سنتيم وكان هذا التاجر الضحية الأخيرة في قائمة الضحايا• وهذا الضابط المزيف الذي تم إلقاء القبض عليه بالعاصمة، متزوج وأب لثلاثة أطفال عمره 44 سنة• من بنّاء إلى عقيد بثكنة بن عكنون من بين القضايا التي طرحت أمام مجلس قضاء العاصمة أواخر أكتوبر من سنة 2008 تلك القضية المتهم الرئيسي فيها وهو بنّاء انتحل صفة ضابط بالأمن العسكري بابن عكنون برتبة عقيد ، وتمكن بطريقته من الإيقاع بعشرات الضحايا أوهمهم بمركزه الحساس، حيث اهتدى المتهم الذي كان يشتغل بنّاء في القطاع العسكري، إلى تزوير بطاقة مهنية باسم عقيد بالأمن العسكري، ببن عكنون، من أجل كسب الملايين، حيث تقرب من جمعية تعرف بالمنظمة الجزائرية لحماية السلم وادعى بوجود تعاونية عقارية مدعومة من طرف جهات سامية في الجيش وعرض على رئيس هذه الجمعية فكرة الاشتراك كعضو في التعاونية الوهمية وهذا بالتواطؤ مع أمين المنظمة الجزائرية لحماية السلم للجزائر العاصمة المدعو (ح•ع)• وتمكنت هذه التعاونية الوهمية، من الإيقاع بعشرات المواطنين الذين راحوا ضحية النصب والاحتيال بعد أن قدموا مبالغ مالية للحصول على سكنات بمنطقة براقي بالعاصمة، وتم اكتشاف الحقيقة، ليحاول المتهم مع شركائه إقناع صاحب تعاونية عقارية متحصلة على الإعتماد مقرها ببراقي لإيهام الضحايا بأن السكنات التي سيحصلون عليها متواجدة هناك، وبالتالي دفع مبالغ أخرى على دفعات قبل استلام السكنات لكن اللعبة انكشفت وتم إلقاء القبض على الجماعة بتهمة تكوين جمعية أشرار للنصب والاحتيال فيما وجهت للمتهم الرئيسي أي البنّاء تهمة انتحال صفة ضابط سام بالجيش• أستاذ جامعي ينتحل صفة أمين عام الداخلية ما من شك أن الوصول إلى "السكن" ليس سهلا وفي سبيل ذلك يهون كل شيء•• المتهم في هذه القضية ليس بطالا أو عاملا بسيطا، بل هو أستاذ جامعي، اهتدى إلى فكرة ذكية للحصول على سكن، حيث اتصل بالوالي المنتدب لبوزريعة وكان ذلك في أواخر سنة 2006 منتحلا صفة الأمين العام لوزارة الداخلية وأخبره بأنه سيرسل إليه شخصين كي يساعدهما على الحصول على سكنات مقابل أن يدعمه قصد تعيينه واليا على رأس ولاية تيزي وزو، وبعد مرور أيام قليلة على المكالمة، تقدم الأستاذ الجامعي رفقة والدته إلى مكتب الوالي المنتدب لبوزريعة على أساس أنهما الشخصان اللذان كلمه بشأنهما الأمين العام لوزارة الداخلية، ولكن سرعان ما تفطن الوالي للاحتيال، حيث استدعى مصالح الأمن التي ألقت القبض عليهما، وتبين فيما بعد أن والدة الأستاذ الجامعي ليس لها أي علم بهذه المكيدة• وإذا كان الكثيرون يفضلون انتحال شخصية المسؤولين الكبار في الجيش باعتبارهم شخصيات نافذة فإن البعض من المحتالين فضلوا انتحال شخصيات أتباع أمراء الجماعات الإرهابية للاستيلاء على ممتلكات الضحايا، وهذه الطريقة أسالت لعاب الكثير من اللصوص وقطاع الطرق، حسب ما أكدته القضايا المطروحة أمام العدالة ففي إحدى مناطق تيزي وزو كانت جماعة أشرار ولا علاقة لها بالإرهاب تنشط في المكان حيث عمدت إلى قطع الطريق أمام أصحاب السيارات وطرق أبواب بعض سكان القرى والاستيلاء على أموالهم باسم تنظيم القاعدة، وكانت العصابة تتبع طريقة الجماعات الإرهابية في ترهيب الضحايا، وقد تمكنت مصالح الدرك من وضع حد لنشاط هذه العصابة التي كشفت التحقيقات أن لا علاقة لها بالإرهاب من قريب أو من بعيد• ونفس القضية عالجتها محكمة البليدة خلال مارس 2008 ويتعلق الأمر بعملية اختطاف نفذتها جماعة أشرار تحت غطاء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي - ابن أحد أثرياء منطقة البليدة مقابل مبلغ مالي ضخم حيث تم كشف ملابسات قضية الاختطاف التي نفذتها مجموعة من اللصوص ولا علاقة لهم بأي تنظيم إرهابي• التقليل من جرائم الاحتيال متوقف على وعي المواطن هذا وتقول الملازم الأول بوكرمة فريدة من قيادةالدرك الوطني التي أعدت دراسة تحت عنوان انتحال الألقاب والأسماء والوظائف...وجه أخر لعصرنة الجريمة في الجزائر من خلال تحليلنا وتفحصنا للقضايا المعالجة من طرف مصالح الدرك الوطني تبين أن المجرمين يقومون بإعداد سيناريو محكم الأدوار يكون فيه هو البطل الرئيسي أما الشخصيات الثانوية (الضحايا) فيقوم باختيارها من عامة الناس أو الأثرياء وأحيانا أخرى حتى من أجهزة الدولة بعد أن يكون قد جمع المعلومات الكافية عنها(مستواها الثقافي والمعيشي ...)لإيجاد الشخصية الملائمة التي يقوم بانتحالها يبقى المجرم في محاولة دائمة لكسب ثقة الضحية لكي لا تتفطن لمكيدته المدبرة قبل إنهاء تنفيذ مهمته. وتؤكد ذات المصدر أن ضحايا هؤلاء المجرمين كثيرون عبر عدة مناطق من التراب الوطني من المواطن البسيط إلى المقاولين وأصحاب الشركات الخاصة الذين كانوا ضحية سهلة لأشخاص أوهموهم بمشاريع وصفقات خيالية هدفهم جمع الأموال مهما كانت الطريقة إذن الانتحال يكون مخططا له مسبقا ولا يكون عادة هذا الفعل هو المستهدف في حد ذاته بل يكون موجه نحو بلوغ نوايا إجرامية أخرى من نصب واحتيال بهدف الحصول على الأموال. فالمجرم يستغل جميع الظروف لبلوغ هدفه، يستغل يأس الضحية في مواجهة مشاكل الحياة اليومية ويستغل أيضا ضعفه أمام الكوارث والمصائب التي تصيبه. فمحاضر وتقارير الدرك الوطني تقول ذات المصدر دائما تبين بوضوح مواكبة الإجرام مع تطور المجتمع، فملامح الإجرام بدأت تزداد تشابكا و تعقيدا وأدخلت عليها أفكارا ومفاهيم لم تكن معروفة من قبل وبرزت وتطورت عندئذ جرائم مختلفة الأشكال والأنواع هدفها الرئيسي جمع الأموال بأي طريقة كانت. وتؤكد محدثتنا دائما أن الحد من هذه الظاهرة وكل ما ينجر عنها من إجرام ولصوصية وكل الآفات التي من شانها المساس بأمن المواطن وسلامة ممتلكاته عبر كامل التراب الوطني تتطلب تجند الجميع لمواجهة هذا الإجرام فإذا كنت اليوم تسمع في الشارع أو تقرا في الجريدة عن شخص وقع ضحية للنصب والاحتيال عن طريق الانتحال فقد تكون أنت الضحية غدا لذا على المواطن أن يكون واعيا ولا يصدق أي كان مهما كان المنصب الذي أوهمه به للوصول إلى ما يصبوا إليه (سكن وظيفة مشاريع صفقات...) بطرق غير رسمية بل عليه المرور بالطريقة الرسمية لتفادي وقوعه فريسة سهلة في هذا النوع من الإجرام عاجلا أم أجلا هذا من جهة وتدخل وحدات الدرك الوطني في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم يتوقف حسب ذات المصدر على مدى درجة وعي المواطن بأهمية التبليغ في الوقت المناسب مهما كانت ظروف الجريمة من سلب أموال ومبالغ مالية هامة وحتى صغيرة الانتحال جريمة يعاقب عليها القانون هذا ولمعرفة كيف يصنف المشرع الجزائري الانتحال تقربتا من الأستاذة ر زايدي محامية التي أكدت أن قضايا انتحال الألقاب والأسماء والوظائف سجلت حضورا قويا في المحاكم، وقد اعتبر المشرع الجزائري انتحال الوظائف والألقاب جريمة يعاقب عليها القانون فالنص صريح وواضح في المادة 242 من قانون العقوبات التي ورد فيها مايلي: كل من تدخل بغير صفة في الوظائف العمومية أو المدنية أو العسكرية أو قام بعمل من أعمال هذه الوظائف يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات مالم يكن فعل الجريمة أشد. فيما تعاقب المادة 243 كل من استعمل لقب بغير حق (دبلوم- صفة) أو أي مهنة نظمتها السلطة العمومية ،كما جاء في المادتين 244 و246 انه يعاقب كل من استعمل أو ارتدى بزة نظامية أولباس مميز لوظيفة أو إشارة أو وسام من غير حق. أما المادة 247 تنص وتعاقب على انتحال اسم أو لقب عائلي في محرر عمومي أوفي وثيقة إدارية معدة لتقديمها إلى السلطة العمومية. كما أشارت المادة 372 في مضمونها إلى وجه آخر من أوجه الانتحال حيث اعتبرت كل شخص يستعمل أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي بهدف النصب والاحتيال على الغير يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة مالية من 500 الى20000دج. وقد شدد العقوبة في المادة 214 من قانون العقوبات أين تصل العقوبة إلى المؤبد إذا كان من قام بانتحال شخصية الغيرأوالحلول محلها قاضيا أو موظفا أو قائما بوظيفة عمومية. ويرى المتتتبعون لانتشار هذا الشكل من الجريمة انه نتيجة طبيعية لإفرازات الواقع وجود طبقتين أغنياء وفقراء خاصة مع ظهور" الأثرياء الجدد "مماغذى البيروقراطية وساهم في انتشار مايسمى "المعارف"والمحسوبية التي أدت بالكثيرين إلى التعلق في أي خيط –ولو كان رفيعا- من شأنه أن يوصل هؤلاء اليائسين إلى قضاء حاجاتهم .