نجحت "الشروق" في الحصول على سيل من المعلومات والتقارير السرية من مصادر عدة، تؤكد أن الزعماء العرب قرروا بلا رجعة التضحية بجامعة الدول العربية من أجل تصفية الحسابات البينية، وإرضاء "السادة" في تل أبيب وواشنطن. وبات من المؤكد أن قمة دمشق سواء عقدت في موعدها أو أجلت أو حتى تغير مكان عقدها، فإن مآلها الفشل، فثمة جهود إقليمية ودولية تجرى على قدم وساق لتحقيق هذا الهدف، لكن الظروف التي تمر بها الأمة والأوضاع الراهنة في المنطقة، لن تضيف هذا الفشل إلى سجل إخفاقات الجامعة العربية، بل ستجعله بمثابة ضربة قاضية أو مميتة للجامعة، ونهاية للمشروع أو الحلم العربي لأجل غير مسمى. الأزمة اللبنانية.. سيناريو مصطنعالبداية دائما تكون من هنا.. من بيروت.. وربما النهاية تكتب أيضا هنا، فقد أعرب موسى تقريبا عن فشل المبادرة العربية في حل الأزمة اللبنانية، هذه الأخيرة التي علق عليها المتلاعبون بالقمة العربية القادمة مسؤولية نجاح أم فشل هذه القمة المزمع عقدها بدمشق نهاية شهر مارس.كل طرف على الساحة اللبنانية والإقليمية والدولية يحمل الآخر المسؤولية، لكن لماذا وقع الفشل؟ ومن المتسبب فيه؟، فريق الموالاة ومن ورائه السعودية والأردن وأمريكا و"إسرائيل"، يضعون سوريا أمام فوهة المدفع، والمعارضة ترفض التسليم والخضوع للمخططات الصهيونية والغربية الرامية إلى تركيع المقاومة، ولأن هذه الأخيرة تلقى الدعم المباشر من سوريا التي ستعقد القمة العربية على أراضيها ويهمها إنجاحها، فإنها مطالبة من جانب أعداء المقاومة بتخلي دمشق عن حزب الله ورفع غطاء الدعم عنه، وإخراجه من الساحة السياسية اللبنانية، ليصبح فريسة سهلة ل"إسرائيل". إن التحجج والتلاعب بالملف اللبناني يجعل حيرة المواطن العربي تتأجج من جديد، هذا المواطن الذي طالما تساءل عن سر تأثير هذا البلد الصغير "لبنان" على مسار ومستقبل الأمة برمتها، الوثيقة التي بين أيدينا والتي حصلت "الشروق" عليها من مصادر نافذة في "الشرق الأوسط" تكشف وتوضح مدى تلاعب بعض الدول العربية ومن ورائها تل أبيب وواشنطن بالقضية اللبنانية أيما تلاعب من أجل خدمة أهدافهم ومآربهم الشخصية. السعودية تضع الأسد بين السندان والمطرقةفي مقدمة الوثيقة يأتي الحديث عن موضوع زيارة سرية ولقاء سري جمع الرئيس السوري بوزير الخارجية السعودي. ووفق سير المعلومات، فإن الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز أوفد قبيل الاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة، وزير خارجيته سعود الفيصل إلى العاصمة السورية، وأبلغ خلالها الفيصل بشار الأسد رسالة شفهية من الملك السعودي تتعلق بالوضع اللبناني، حيث طالب المبعوث السعودي الرئيس السوري بالضغط على المقاومة والإسراع في انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وبطريقة الكلام المبطن وبأسلوب الربط الذي ينم على التهديد، قال الفيصل للأسد أن ذلك "لصالح سوريا وأن ذلك سيكون له مردوده الإيجابي على القمة العربية المقرر عقدها في دمشق".وتبعا للمعلومات، فإن الجانب السوري أبلغ الفيصل أنه لا يستطيع أن يتجاوز موقف حلفائه في لبنان الذين يصرون على صيغة تضمن لهم الثلث الضامن، قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية بات متوافقا عليه بين الجميع، ورد الجانب السعودي بأنه يعتقد أن الصيغة التي يراها مناسبة هي 13+7+10، وكان الجواب السوري بأن المعارضة اللبنانية لن تقبل بأية صيغة من هذا النوع، فما كان من الفيصل سوى أن أصدر ابتسامة صفراء، وغادر دمشق على الفور، معظم الذين حضروا هذا الاجتماع من الجانب السوري لم يفسروا تلك الابتسامة إلا في سياق نية مبيتة وخطة محبكة أعدتها المملكة وتثق في نجاحها وهي خطة إفشال القمة. ويتناول تقرير آخر في الوثيقة التي بين أيدنا هذا الموضوع، حيث نلمس تركيزا على زيارات قام بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى عدة دول أوروبية عقب زيارته لدمشق مباشرة، وكذلك رئيس الاستخبارات السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي قام بدور كبير في هذا الصدد.لكن الجديد في التقرير، العبارة التي تقول حرفيا "إن واشنطن استجابت مباشرة لرجاء سعود الفيصل، وأصدرت الأيام الماضية قراراً جديداً بالحجز على أموال عدد من الشخصيات السورية، كما وافقت واشنطن أيضا على اقتراحات الفيصل بشأن تمديد العقوبات التي سبق وأن فرضها بوش على سوريا".وأضاف التقرير أن الفيصل "اصطدم برفض أوروبي شبه تام لفرض أي عقوبات على سوريا"، وأنه تم إبلاغه إن "أوروبا لا ترى أي مصلحة لها في فرض عقوبات على دولة لم ترتكب أي جرم أو مخالفة للقانون الدولي".ويرتكن التقرير إلى مصادر في باريس واكبت زيارة الفيصل تشير إلى أن الأخير "اقترح على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إصدار قرار دولي لتعيين حاكم على لبنان بدلاً من رئيس جمهورية توافقي في خطوة جديدة لنسف المبادرة العربية وسحب البساط من تحت أقدام الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى". اغتيال مغنية وتنصل الزعماء من المسؤوليةتقول الوثيقة: رغم أن التأجيل يتسبب لها في إحراج شديد، فقد قررت دمشق تأجيل الإعلان عن نتائج التحقيق في جريمة اغتيال عماد مغنية، إلى ما بعد القمة العربية، نظرا لأن المعلومات الأولية أشارت إلى تورط دولة عربية جارة في العملية، ورغم ذلك يستثمر أعداء دمشق الواقعة للتنصل من واجباتهم تجاه شعوبهم والأمة، وتحت شعار "الأوضاع الأمنية في دمشق غير مستقرة"، سيغيب معظم "الزعماء" العرب عن قمة دمشق، فلن يكون هناك تمثيل عربي رفيع المستوى، في انتظار نتائج مبادرة ليبيّة أردنيّة كويتيّة بدأت تلوح في الأفق، لإقناع الرئيس المصري حسني مبارك بالحضور.