صورة من الأرشيف وهذه الطريقة قائمة على تصفية الإسلام من الشوائب والخرافات والبدع، وتربية المجتمع والجيل والنشأ على هذا المصفى، لأنّ الإسلام قد أُدْخِلَ فيه ما ليس منه أو بمعنى آخر التصفية التربية "تعني تصفية الإسلام من كل دخيل، وتربية الناس على هذا الإسلام الأصيل، أي تصفية التوحيد من الشرك، والسنة من البدعة، والفقه من الآراء الحادثة المرجوحة، والأخلاق من سلوك الأمم الهالكة المقبوحة، والأحاديث النبوية الصحيحة من الأحاديث المكذوبة المفضوحة... وهكذا" . * * من رأى أنّ أسلوب الدعوة يكون عن طريق "التصفية التربية" * * ولذلك تجرّد العلماء لبيان ذلك ومن طالع كتب جمعية علماء المسلمين الجزائريين لوجد من هذا الكثير، فقد حاربوا البدع والخرافات حتى ألفقوا التهم الكاذبة. * وأصحاب هذه الطريقة لهم علماء يتبعونهم في هذا ولعلّ أشهرهم بها في هذا العصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله حيث قال: "فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق الوعد الإلهي لا بدّ من سبيل بيّن وطريق واضح، فهل يكون ذلك الطريق بإعلان ثورة على هؤلاء الحكام الذين يظنّ هؤلاء أنّ كفرهم كفر ردّة ثمّ مع ظنّهم هذا وهو ظنّ غالط خاطئ لا يستطيعون أن يعملوا شيئا، إذن ما هو المنهج وما هو الطريق. * لاشك أنّ الطريق الصحيح الأمثل هو ما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُدَنْدنُ حَوله ويذّكر أصحابه به في كلّ خطبة "وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلّم" فعلى المسلمين كافة وبخاصة منهم من يهتم بإعادة الحكم الإسلامي أن يبدأوا من حيث بدأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ما نوجزه نحن بكلمتين خفيفتين (التصفية والتربية) وذلك لأنّنا نعلم حقائق ثابتة وراسخة يغفل عنها أو يتغافل عنها أولئك الغلاة الذين ليس لهم إلاّ إعلان تكفير الحكام ثمّ لا شيء وسيظلون يعلنون تكفير الحكام ثمّ لا يصدر منهم أو عنهم إلاّ الفتن والمحن والواقع في هذه السنوات الأخيرة على أيدي هؤلاء بدءا من فتنة الحرم المكي إلى فتنة مصر وقتل السادات وأخيرا في سورية ثمّ الآن في مصر والجزائر... منظور لكلّ أحد هدر دماء كثير من المسلمين الأبرياء بسبب هذه الفتن والبلايا وحصول الكثير من المحن والرزايا". * وهذه هي طريقة جمعية العلماء المسلمين الجزئريين، فقد حاربوا البدع والخرافات، والطرق والشركيات حتّى اتهموا بتهم كاذبة وسيأتي تفصيل هذا إن شاء الله تعالى. * قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله موضحا منهج الجمعية "جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية، فهي بالصفة الأولى تعلّم وتدعو إلى العلم وترغّب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لأنهما شيئان متلازمان، وتدعو إليهما وترغّب فيهما، وتنحو في الدين منحاها الخصوصي، وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعبادته؛ لأنّ هذا هو معنى الإصلاح الذي أُسّست لأجله ووقَّفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق...". * * الفصل الرابع * مناقَشَةُ هذه المناهج والطرق والأساليب مسألة مسأَلة حتى يتضح المطلوب ويزول الإشكال * وفي ما يلي مناقشة الأساليب والطرق الثلاث التي ذكرناها مسألة مَسألة حتى يتضح المطلوب ويزول الإشكال، ونبدأ الدراسة من الأعلى إلى الأسفل أو من الطريقة الثالثة إلى الأولى، نَأْتي على مسائل الطريقة الثالثة والثانية بشيء من الاختصار، ثم نُتبعها بدراسة مُفَصّلَة عن مسائل الطريقة الأولى التي ترى أنّ طريقة التغيير تكون بالمواجهة المسلحة، لأنّ الكتاب كلّه ما كتب وجمع ورتّب إلاّ لبيان حال هذه الطريقة وما جرّته علينا من ويلات ومحن، وبلايا وفتن، ومن غير إطالة نقول طالبين العون من الله تعالى: * سبب فشل الجماعات الإسلامية في طريقة التغيير: * إذا عرفنا هذه الطرق الثلاث وما تدعوا إليه وما حققته من نتائج يظهر لنا جليّا أنّ سبب فشل كلّ المجهودات والتضحيات التي بذلتها الجماعات الإسلامية في الجزائر وسبب تخييبها لآمال الملايين هو خروجها عن الطريق الصحيح، فهذا هو الجواب الواجب على كلّ الأسئلة المتكررة في هذا الشأن، سواء الواردة في وسائل الإعلام أو على ألسنة الكثير من المهتمين بهذا الأمر، كقولهم لماذا نرى أنّ الحركة الإسلامية المعاصرة لا تزال تُراوح مكانها، وربما إلى الوراء، لماذا أخفقت في قيادة الأمة، وحل مشاكلها، لماذا فشلت في قيام دولة إسلامية راشدة، تحكم البلاد والعباد بالإسلام، ولا يزال الفشل يُلاحقها، لماذا جهدها ونشاطها ينتهي عند حد الإثارة والتهييج، والتضحية، ليأتي غيرهم، من غير الإسلاميين ليقطف ثمار تلك الجهود والنشاطات لصالحهم ولصالح برامجهم الباطلة؟! * فالجواب عن هذا التساؤل الكبير الذي يُبَيّن السبب في عدم نجاح كلّ التضحيات التي بُذلت يكون دائما وأبدا سببه الخروج عن هدي النبي في طريقة التغيير، وهديه قائم على الدعوة إلى الله تعالى بالتي هي أحسن، مع استعمال اللين والرفق كما سيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى. * * التصفية والتربية: * فطريقة الدعوة إلى الله هي الوسيلة الشرعية، والطريقة المرضية، التي تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها، وقد كانت الدعوة الإسلامية في الزمان القديم قائمة على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح في أكثر أحوالها، ولكن مع تسارع الأزمان وضعف دولة الإسلام، أُدخل في الدين ما ليس منه، في كلّ أبواب الشريعة، في الاعتقادات والعبادات والمعاملات، حتى أصبحت الأمّة تتعبّد الله بغير هدي الإسلام، أعمالها قائمة على البدع والضلالات، والخرافات والشركيات، وهذا ما دَعَا علماء الإسلام إلى التشمير عن ساعد الجدّ لمحاربة هذه البدع التي أضلّت الأفهام، وأجهدت الأبدان، وأخّرت المسلمين عن اللحاق بالأمم السابقة واللاحقة، ولمّا كانت الدعوة إلى الله تتطلّب الجهد الكبير، والوقت الطويل، سخّر العلماء كلّ وقتهم في تصفية الإسلام ممّا علق به من البدع في العبادات، والخرافات والشركيات في الاعتقادات، فقاموا بذلك أحسن قيام، وأظهروا شعاع الحقّ ساطعا في سماء الباطل، وبينوا الحقّ الذي يجب أن يُتّبع فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا. * فتصفية الإسلام من البدع والمحدثات القائمة على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وعلى الأقوال المرجوحة والآراء المفضوحة، ثم تربية المجتمع المسلم على هذا الإسلام المُصَفَّى لهي الطريقة الشرعية، والوسيلة المرضية التي يجب أن تُتَبَع. * فطريقة التصفية والتربية هي الطريقة المُجْدية والطريقة المثلى وهي طريقة الأنبياء والرّسل، وهي طريقة العلماء الأفذاذ كالأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم من العلماء الكبار وهي طريقة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الدعوة إلى الله، فقد حاربوا البدع والخرافات والشركيات التي غزت بلادنا حتى ألفقوا التهم الكاذبة. * فإذا كنّا نريد أن نصل إلى ما نطمح إليه فعلينا باتباع طريقتهم في الدعوة إلى الله، فقد كانوا يبذلون الغالي والرخيص لأجل أن يوصلوا الدعوة إلى النّاس أجمعين. * قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله موضحا منهج الجمعية "جمعية العلماء جمعية علمية دينية تهذيبية فهي بالصفة الأولى تعلّم وتدعو إلى العلم وترغّب فيه وتعمل على تمكينه في النفوس بوسائل علنية واضحة لا تتستر، وهي بالصفة الثانية تعلّم الدين والعربية؛ لأنهما شيئان متلازمان، وتدعو إليهما وترغّب فيهما، وتنحوا في الدين منحاها الخصوصي، وهو الرجوع به إلى نقاوته الأولى وسماحته في عقائده وعبادته؛ لأنّ هذا هو معنى الإصلاح الذي أُسّست لأجله ووقَّفت نفسها عليه، وهي تعمل في هذه الجهة أيضا بوسائل علنية ظاهرة، وبمقتضى الصفة الثالثة تدعو إلى مكارم الأخلاق..". * وبيّن الإمام عبد الحميد ابن باديس رحمه الله رئيس الجمعية سبب اختيار الجمعية لهذه الطريقة فقال: "وبعدُ، فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها، عن علم وبصيرة وتمسكاً بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد، وبثّ الخير والثبات على وجه واحد، والسير في خطّ مستقيم، وما كنّا لنجد هذا كله إلا فيما تفرَّغنا له من خدمة العلم والدين، وفي خدمتهما أعظم خدمة، وأنفعها للإنسانية عامة. ولو أردنا أن ندخُل الميدان السياسي لدخلناه جهراً، ولضربنا فيه المثل بما عُرف عنا من ثباتنا وتضحياتنا، ولقُدنا الأمّة كلها للمطالبة بحقوقها، ولكان أسهل شيءٍ علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها، وأن نَبْلغَ من نفوسها إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه، ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمّة: "إنّك مظلومة في حقوقك، وإنّني أريد إيصالكِ إليها"، يجد منها ما لا يجد من يقول لها: "إنّك ضالة عن أصول دينك، وإنّني أريد هدايتَك"، فذلك تلبِّيه كلها، وهذا يقاومه معظمُها أو شطرُها، وهذا كله نَعْلَمُه، ولكنّنا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبيَّنا، وإنّنا فيما اخترناه بإذن الله لَمَاضون، وعليه متوكِّلون". * وقال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله موضحا هذا المنهاج "مفتاح عودة مجد الإسلام: تطبيق العلم النافع والقيام بالعمل الصالح وهو أمر جليل لا يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه إلا بإعمال منهج التصفية والتربية وهما واجبان مهمان عظيمان وأردت بالأول منهما أمورا: * الأول: تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات الإلهية وتأويلها ورد الأحاديث الصحيحة لتعلقها بالعقيدة ونحوها. * الثاني: تصفية الفقه الإسلامي من الاجتهادات الخاطئة المخالفة للكتاب والسنة وتحرير العقول من آصار التقليد وظلمات التعصب. * الثالث: تصفية كتب التفسير والفقه والرقائق وغيرها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات والمنكرات. * وأما الواجب الآخر: فأريد به تربية الجيل الناشئ على هذا الإسلام المصفى من كل ما ذكرنا تربية إسلامية صحيحة منذ نعومة أظفاره دون أي تأثر بالتربية الغربية الكافرة، ومما لا ريب فيه أن تحقيق هذين الواجبين يتطلب جهودا جبارة مخلصة بين المسلمين كافة، جماعات وأفرادا من الذين يهمهم حقا إقامة المجتمع الإسلامي المنشود كلٌّ في مجاله واختصاصه"، ويورد الشيخ محمد علي فركوس مجموعة من الآيات التي تبين أنّ طريق الدعوة إلى الله إنّما يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والصبر على مشاقّها دون عجلة مورطة في الفساد والإفساد، التي مآلها الحرمان على ما تقرّر في القواعد أنّ من تعجّل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، فيحتاج الأمر إلى ثبات وتضحية واستقامة". * وقال الشيخ عبد المالك رمضاني "إنّ الناس قد اختلفوا في معالجة هذه الأدواء المذكورة، فمنهم من يرى الحل السياسي، ومنهم من يرى الحل الدموي، ومنهم من يرى الحل الحضاري، ومنهم.. ومنهم... وأما رسول الله فيرى الحل الديني الدعوي التربوي، لأن الناس إذا تدينوا بدين الحق، وعملوا بسنة سيد الخلق، صلح أمرهم جميعاً، وأما إذا تخلفوا عن الرجوع إلى دينهم، فإنه حريٌ بهم أن يجبنوا عن تحقيق بقية الحلول، ولذلك كان أهل السنة السلفيون أولى الناس برسول الله وأسعدهم بدعوته، لما يدأبون عليه من تعليم الناس الهدى والصبر على ذلك، حتى يريهم الله من قومهم استجابة غالبة. * وقال الشيخ عبد الغني عوسات "إنَّه لا يخفى على أحدٍ واقعُ المسلمين، وما وَصَلُوا إليه من الذُّلِّ والصَّغَارِ، وفسادِ الأحوال المؤْذِنِ بالخرابِ والدَّمارِ، ممَّا لا يجدي عدّ صور هذا الواقع دون معالجة جادَّة لهذا الوضع المرِيرِ. * وَلَعَلَّ المرْءَ عندما يَنْظُرُ إلى النَّتِيجَةِ يقوده نظرُه إلى المقدِّمة التي هي مخاضُها ومناطُها فالحكم على الشَّيْءِ فَرْعٌ عن تصوُّرِه فيجد السَّبب الرَّئيس الذي آلَ بالمسلمين إلى هذه الحالة المزْرِيَةِ، هو ابتعادُهم عن كتاب الله تعالى، وعدمُ تمسُّكِهم بسنَّةِ المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام وزهدُهم في اتِّباع منهج سَلفهم الصَّالح، وهو ما أشار إليه نبيُّ هذه الأمّة في هذا البيان المعبَّر عنه بأصدق لسانٍ، حين قال:"إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللِه، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ، لاَ يَنْزعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ". * وقال أيضًا "وَضُرِبَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"، فَبَلَغَ بذلك الذُّلُّ والهوانُ استغلالَ أهل الشِّرك والكفر لخيراتِ المسلمين وسفْكَ دمائهم، وتدنيسَ أعراضهم، وانتهاكَ مقدَّساتِهم، حين تَنَادَوْا عليهم مُؤْتَمِرِينَ وتداعوْا عليهم مُتَحَالِفِينَ، فلم تُغْنِ عنهم كَثْرَتُهم شيئًا وذاقوا وبالَ أمرِهم وانقلبوا خاسِرينَ، وهو ما أخبر عنه الصَّادق المصدوق في قوله: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فقال قائل: "أوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذ؟" قال: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهن"، قالوا: يا رسول الله! وما الوهنُ؟ قال: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ". *