أثار تجديد الثقة في حكومة أحمد أويحي الكثير من التساؤلات، بالرغم من أنه نال ثقة اليامين زروال في عهدة أولى، ونال ثقة بوتفليقة في ثلاث عهدات. * لم يتساءل أحد لماذا "جمّد الرئيس" الحكومة ثلاثة أسابيع، بعد أدائه اليمين الدستورية؟ ولم يستغرب أحد من نزول بيان الرئاسة، في أوقات غير الأوقات التي كان يتم فيها الإعلان عن الحكومة. ولم يتساءل أحد: لماذا قدم أحمد أويحي استقالته إلى الرئيس والدستور لا يجبره على الاستقالة، فالرئيس هو المخوّل بتجديد الثقة أو إنهاء المهمة فكيف نقرأ ما جرى؟ ولماذا رفضت قوائم الائتلاف الحكومي؟ ومن وراء خروج أبو جرة سلطاني منتصرا؟ * * الأجندة الدولية والمقتضيات الوطنية؟! * * حين تبرر الرئاسة الإبقاء على الوزراء في مواقعهم بحجة وجود »الرزنامة الدولية والمقتضيات الوطنية« يتساءل المرء: هل أصحاب القرار في حاجة إلى التبرير أم أن هناك »رسائل مشفرة« إلى جهات أخرى. * المؤكد أنه لم يعد للوزارات معنى، بصفتها مؤسسات تابعة للدولة، لأن الأهم منها هو الوزير. وهذا منطق غريب، لم يسبق للجزائر أن تعاملت معه، فالوزير يمثل »السلطة المؤقتة« أما الوزارة فتمثل المؤسسة الرسمية الباقية والثابتة. * وإعطاء أهمية للوزراء على حساب الوزارات قد يؤدي لاحقا إلى إلغاء هذه الوزارات، والدليل أن الوزراء غابوا ما يقرب من ثلاثة أسابيع عن الساحة، ولم نشعر باختفائهم أو بعودتهم. * أعتقد أن عدد الوزراء الذين قدمت أسماؤهم إلى رئاسة الجمهورية باسم أحزاب الائتلاف الحكومي أكثر بثلاث مرات من وزراء الحكومة الحالية، ومع ذلك لم يجد أحدهم منهم طريقه إلى الحكومة؛ لأن أحزاب الائتلاف لم تستوعب بعد أنه يصعب على الرئيس تعويض أسماء مثل (يزيد زرهوني أو عبد الحميد تمار أو عبد مالك قنايزية أو شكيب خليل أو مراد مدلسي). * وربما يتذكر البعض أن بوتفليقة استعصى عليه عام 1999 إيجاد إطارات لحكومته الجديدة، فاضطر أن يجدد الثقة في حكومة اسماعيل حمداني لعدة أشهر، وحين وجد أحمد بن بيتور وكلفه بالحكومة لم يستوعب رئيس الحكومة أن يكون مجرد »خضرة فوق طعام«، فاستقال، وهو ما دفع ببوتفليقة إلى الرهان على مدير حملته إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، كما يقول المثل العربي. * ولهذا فالتبرير الذي جاء في بيان رئاسة الجمهورية ليس موجها لأحزاب الإئتلاف وليس للوزراء الذين تم الاتصال بهم، ولكن لأصحاب القرار، وهو أن الإبقاء على الحكومة الحالية هو الذي يضمن الولاء والطاعة للرئيس وليس للجهات الضاغطة أو أصحاب الحل والعقد، وهو ضمان لأمن أصحاب النفوذ. * * التداول على الحكومة "النَّاقصُ" * * يقول العارضون بالشأن الجزائري إن التقارب بين أحزاب الائتلاف وصل إلى مستوى التداول على رئاسة »التحالف الرئاسي«، سعيا إلى التداول على الحكومة، إلا أن جهات في السلطة استطاعت أن تدفع بالأجنحة المتصارعة حول الولاء للرئيس إلى الانشقاق والانفصال في حمس وذلك حتى لا تستطيع حركة مجتمع السلم أن تضغط أو تمارس حقها في أن يكون لها دور في رئاسة الحكومة بعد أن ترأسها عبد العزيز بلخادم (الأمين العام لحزب جبهة التحرير)، وتداول عليها مرتين أحمد أويحي (الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي). وكان مطلب المنشقين هو انسحاب أبو جرة سلطاني من الحكومة لممارسة الضغط بهدف تحقيق التداول. * لكن يبدو أن سلطاني لبّى الدعوة متأخرا، فصنع الحدث بخروجه من الحكومة، ولكنه يصعب عليه العودة إليها. لأن قيادات الأحزاب مع »الزعيم الواقف«. * خطأ حركة مجتمع السلم، في نظر المراقبين، هي أنها »فرضت« مرشحا للرئاسيات محسوبا على التيار الإسلامي حتى لا تُبقي »الكرسي الإسلامي« فارغا، وهذا السلوك اعتبره البعض تشويشا على الرئيس. فهل يستطيع سلطاني أن يعود »لمّ الشمّل«، بعد أن تكسّرت الجرّة؟ * * الفرنسيون قادمون * * من المفارقات أن الحكومة جمّدت أهم نشاط ثقافي وفكري في الجزائر، وهو نشاط المكتبة الوطنية، وعوضته ب»التنشيط الثقافي« وشهور »الكرنفال القادمة«. * ولعل هذا ما دفع بالمركز الثقافي الفرنسي إلى إعادة إحياء الحياة الثقافية باختيار موضوعات ماتزال »طابو« لدى السلطة، وهي التاريخ »المشترك« بين الجزائروفرنسا. وقد حضرت ندوة بين محمد حربي وبنجامين ستورا نشطها أستاذان يوم الثلاثاء الماضي بالمركز الثقافي الفرنسي. وإذا كان حربي يعترف بأنه »لا يوجد تاريخ حقيقي« متسائلا حول من يقف وراء المدرسة التاريخية الجزائرية، مؤكدا بأن هناك الكثير ممن صنعوا التاريخ استفادوا منه، فإنه مايزال يطرح أسئلة من »عالم كافكا«، ويدعو إلى النظر إلى الخلف بمنظور المفكر المغربي العروي. * وبالمقابل، يقدم »ستورا« أرقاما مضخمة تتراوح بين 4 إلى 5 ملايين فرنسي يشتركون مع الجزائر في الذاكرة التاريخية. * ويعتبر أن أبناء الجالية الجزائرية في فرنسا هم الذين أسسوا لميلاد الذاكرة في مسيرة 1983. * وأن لقاء 40 مؤرخا فرنسيا عام 1988 هو الذي ساهم في بلورة كتابة »تاريخ الجزائر المشترك مع فرنسا«. * وأن الجيل الجديد من المؤرخين، ولد مع فتح الأرشيف الرسمي للثورة الجزائرية عام 1992، ويدعو إلى إنشاء لجنة مشتركة بين المؤرخين الفرنسيين والجزائريين لكتابة التاريخ، وهي الدعوة التي سبق أن ظهرت عام 2004، وتوّجت بقانون 23 فيفري 2005 الذي يعتبر الاستعمار عملا إيجابيا. * ما يؤسف له أن الجزائر صارت مخيّرة بين أن يكتب تاريخها بالفرنسية من المؤرخين الجزائريين الذين يعيشون في فرنسا أو من المؤرخين الفرنسيين ذوي الأصول الجزائرية. * وما يحزنني أن المؤرخين الجدد يتجاهلون كبار المؤرخين الفرنسين أمثال كلود جوليان، فأين المؤرخون باللغة العربية. لماذا يتجاهل حربي كتابات علي محساس باللغة الفرنسية، أو كتابات سعد الله باللغة العربية؟ * أعتقد أنه من حقنا أن نتجاهل »الحكومة الحالية« لأن أغلب وزرائها ولدوا في الثلاثينيات من القرن الماضي، الذي يمثل »الازدهار السياسي والإعلامي« والذي عجّل بالثورة، ولم يعجل بالاستقلال، تحررت البلاد ولم تتحرر العقول. وتحررت الحكومة من سباتها ولكنها لم تتحرر من »رقادها«. * فما أحوجنا إلى »جمهورية لأصحاب المعالي« ممن لفظتهم الحكومات السابقة ليكونوا في استقبال أعضاء الحكومة الحالية حين تتحرر من قيودها. وما أحوجنا إلى تجاهل أغنية »من دخل بيت بوتفليقة فهو آمن« لأنها من إنتاج أحزاب الائتلاف التي غلقت »المجال السياسي«، وها هي بدأت تتفكك. * ولو أن كل حزب حافظ على بيته من »التصدع«، لما وصل بنا إلى عدم استيعاب ما يجري في جمهورية »معالي الوزراء«.