غالبا ما طبعت الإثارة المواجهات الجزائرية المصرية منذ سالف الزمن والقصص التي يرويها قدماء اللاعبين والمسيرين من الطرفين كثيرة وتستوقف في كل مرة المتتبعين، خاصة منها الطريفة على غرار ما حدث مع حارس مولودية الجزائر في السبعينيات عبد النور كاوة. * نجم مباراة العودة من الدور ثمن النهائي لكأس إفريقيا للأندية البطلة (التسمية القديمة لرابطة أبطال إفريقيا حاليا)، متواجد منذ ستة مواسم بالعربية السعودية حيث يشرف على تدريب حراس مرمى نادي الشباب بعد أن كانت له تجربة طويلة مع اتحاد جدة وأخرى مقتضبة مع المنتخب السعودي.. عندما اتصلنا بكاوة هاتفيا لم يكن ينتظر بأن نتحدث معه عن قصته مع الأهلي المصري ذات يوم من شهر جوان لعام 1976، خاصة وأن القصة مر عليها أكثر من ثلاثة عقود. * * "التلفزيون الجزائري لم ينقل مباراة الذهاب لأنه تنبأ باكتساح الأهلي لنا" * * ومع ذلك، فإن محدثنا يكاد يتذكر بالتفصيل حادثة القبعة التي وقعت له "في الواقع لم يكن أحد يتصور بأننا سنقف في وجه أكبر فريق في القارة، سيما وأنه كان الحائز على التاج الإفريقي في الموسم الذي سبق، ولعل الذي يترجم ترشيح الجميع للمصريين لتجاوز عقبتنا هو عدم اهتمام التلفزيون الجزائري بالموعد، حيث لم يكلف نفسه عناء تصوير مباراة الذهاب التي لعبت بالجزائر، اعتقادا من مسؤوليه بأن المولودية لن تصمد أمام الأهلي الذي كان لاعبوه يشكلون نواة المنتخب المصري.. كما أن الأمر كان يتعلق بالدور ثمن النهائي، كل ذلك زاد من عزيمتنا في تحقيق المفاجأة، خاصة وأن الأهلي جاء إلى الجزائر منقوصا من بعض نجومه على غرار الحارس إكرامي والخطيب، فجاءت الضربة موجعة لهم بعدما تمكنا من الفوز عليهم بثلاثية نظيفة" يتذكر محدثنا. * ولأن المصريين يومها تجنبوا كارثة حقيقية، فإن مدرب الأهلي، يكشف كاوة، لم يتردد في إبداء ارتياحه في نهاية المباراة، حتى أنه كان متيقنا بقلب الموازين في مباراة الإياب "إذا لم تخني الذاكرة، مدرب الأهلي كان من جنسية مجرية، وعندما أطلق الحكم صافرة النهاية لم يتردد في إبداء سعادته لنتيجة المباراة، ما يؤكد بأنه كان متيقنا من هزيمتنا بنتيجة عريضة في اللقاء الثاني بالقاهرة". * * "في القاهرة أقمنا بفندق رديء لا يتوفر حتى على المكيف الهوائي" * * تصريحات مدرب الأهلي دشن بها الحرب النفسية التي يتقنها المصريون منذ زمان، وعليه استعد اللاعبون الجزائريون لمواجهة أية مفاجأة مثلما يرويه لنا كاوة "رغم النتيجة العريضة التي سجلناها في الجزائر فإننا كنا نتوقع كل شيء في مباراة الإياب، خاصة وأن المنافس لم يكن لينازل بسهولة عن ورقة التأهل، وقد تيقنا من ذلك عندما اقتادنا المصريون فور وصولنا إلى القاهرة إلى فندق شهرزاد، وهو فندق لا يليق أن يقيم فيه فريق يحضر لموعد كروي هام، حيث لا يحتوي حتى على مكيف هوائي، علما أن تواجدنا بالقاهرة كان في عز الصيف، حيث الحرارة الشديدة، وحتى عندما أراد رئيس المولودية وقتها عبد القادر ظريف أن يغير لنا مكان إقامتنا لم نجد فندقا غير محجوز، فلم يكن أمامنا من حل آخر سوى أن نواصل المبيت في الفندق الذي تم تعيينه لنا مع التنقل في كل مرة إلى فندق هيلتون لأخذ وجباتنا وقت الغداء والعشاء، بعد أن استأجر لنا ظريف حافلة لهذا الغرض". * * "خطفوا قبعتي لأنهم اعتقدوا أن بها سحرا" * * ويظهر من رواية الحارس الأسبق للمولودية بأن الفراعنة أوفياء لعاداتهم منذ القدم، ولو أن كاوة لم يأخذ الأمور من الجانب السلبي "في ذلك الوقت لم تكن الشحناء كبيرة بين الكرتين مثلما هو عليه الحال بعد ذلك، بل إننا تأكدنا في عين المكان بأن الفندق الذي تم حجزه لنا لم يتم على أية خلفية معينة، والدليل أنه عدا هذا المشكل لم تحدث لنا أية متاعب طيلة فترة إقامتنا بالقاهرة، حتى أننا كنا نتدرب بصفة طبيعية قبل أن يرتفع الضغط يوم المباراة، ولكن من دون أن يتجاوز الجمهور المصري الحدود المعقولة". * وواصل كاوة حديثه عن يوم الفصل بالتأكيد على أن لا أحد من المصريين كان يراهن على إقصاء الأهلي، بدليل الحضور الجماهيري الكبير في المدرجات، لكن رفقاء الأسطورة الخطيب لم يعتقدوا أن الفريق الجزائري حضر لهم مفاجأة غير سارة عندما وقف الحارس كاوة كصخرة في وجه كل محاولات الأهلي "صحيح أن الحظ كان معي في ذلك اليوم حيث تمكنت من صد كل محاولات المنافس إلى درجة احتار معها المصريون، حتى أنهم ظنوا في وقت من الأوقات بأن القبعة التي كنت أحتمي بها من الشمس بها سحر، خاصة وأنه كانت لديهم تجربة في مباراة سابق مع حارس إفريقي لم تهتز شباكه أمامهم إلا عندما انتزعت منه قبعته، وهو ما دفع أحد المصريين كان يقف وراء شباكي لأن يخطف مني القبعة لفك العقدة، ولو أن ذلك لم يكف فريقه لتدارك ما فاته، حيث لم أخضع للهجوم المصري إلا مرة واحدة، وكان ذلك بواسطة ضربة جزاء. والحقيقة أن تلك القبعة كانت لأحد المسيرين وهو خالد عجاني". * * "المصريون أقاموا حفلا لنا بعد تأهلنا" * * وخلافا لما قد يكون عليه في العصر الراهن، فإن إقصاء الأهلي لم يعرض الجزائريين يومها إلى أي تجاوز من طرف المصريين، وهو ما يشدد على التذكير به المدرب الحالي لحراس الشباب السعودي "يجب أن نعترف بأن الأمور مرت بصفة عادية بعد نهاية المباراة، بل إن مدرب الأهلي اقترب من زوبا الذي كان يشرف علينا وهنأه على الفوز، متنبئ لنا بالتتويج بالكأس، رغم أن المشوار المتبقي كان طويلا أمامنا، أما أنصار الأهلي فإنهم صفقوا لنا مطولا اعترافا باستحقاقنا لورقة التأهل، قبل أن يدعونا المسيرون المصريون لحفل في السهرة أقيم على شرفنا". * وتابع كاوة قائلا "ربما تغير الموقف بدءا بالأحداث التي شهدتها الألعاب الإفريقية بالجزائر عامين بعد ذلك، عندما انسحب الوفد المصري من الدورة في تصرف لم يستحسنه الجمهور الجزائري المتهم بالوقوف إلى جانب المنتخب الليبي، وأعتقد أن تلك الحادثة هي التي غيرت مجرى المواجهات الجزائرية المصرية، منذ ذلك التاريخ ووصولا إلى المباريات الأخيرة بين البلدين، وأظن أن الأمور لن تخرج عن القاعدة بمناسبة المواجهة القادمة بين المنتخبين مثلما تدل عليه الحرب النفسية التي باشرها المصريون من الآن". * * "تراجع نتائج الأهلي في مصلحة الخضر" * * وما دمنا نتحدث عن المباراة القادمة بين "الخضر" و"الفراعنة" فإننا لم نتردد في طلب من كاوة توقعاته بخصوص هذه المباراة، وهو الذي لديه تجربة كبيرة على الصعيد الدولي وسبق له أن عمل مع الجهاز الفني الوطني في وقت سابق "أرى بأن الفرصة مناسبة للمنتخب الجزائري لتدعيم رصيده من النقاط بمناسبة استقباله لنظيره المصري، حيث وبحكم متابعتي الجيدة للكرة المصرية، ألاحظ بأن هذه الأخيرة تتخبط في متاعب كثيرة، وخير مثال على ذلك ما يحدث لنادي الأهلي الذي يعتبر الخزان الرئيسي للمنتخب القومي، فالكل يجمع على تراجع مستوى الأهلي ولاعبيه الدوليين، مثلما يدل عليه إقصاء النادي المصري العريق من كأس رابطة أبطال إفريقيا وإمكانية تضييعه للقبه الوطني أيضا.. لكن لا يجب أن يفهم من كلامي بأن المهمة ستكون سهلة أمام الجزائريين، حيث يتوجب عليهم أخذ كل احتياطاتهم للفوز، خاصة وأن المنافس سيلعب بالمناسبة أهم أوراقه في التصفيات بعد التعادل الذي فرضته عليه زامبيا بالقاهرة في الجولة الأولى". * ومن حسن الصدف أن مباراة الجزائر ضد مصر ستتزامن مع عودة كاوة إلى الجزائر "حجزت تذكرة العودة إلى الجزائر بتاريخ 7 جوان، والذي يصادف مباراة الجزائر ضد مصر، وهو ما يسمح لي بمتابعتها"، يخبر محدثنا الذي كشف بالمناسبة بأنه قرر هذه المرة العودة نهائيا إلى الجزائر، دون أن يقرر بعد عن وجهته القادمة.