حظر إعلامي.. حصار تام.. سرية مطبقة على كل ما يتعلق بالخطط والبرامج.. كل هذا من أجل إحداث المفاجأة في البليدة، لكن الإمعان في التعتيم كشف عن الأسلحة السرية التي جهّزها الفراعنة لمواجهة الخضر. * * كان واضحا عقب اللقاء الودي الذي جمع الفراعنة بالفريق الوطني العماني مساء السبت الماضي، أن الناخب المصري "حسن شحاتة" لم يحرص فقط على إخفاء جميع أوراقه، بل وحاول إرسال بعض الإشارات المضللة على أمل التقاطها من قبل الناخب الوطني "رابح سعدان" في أولى خطط التمويه التكتيكي التي قرّر الجهاز الفني المصري اعتمادها في مواجهة الفريق الوطني، ويأتي هذا الأسلوب الجديد والغريب على الكرة المصرية من أجل التغلّب على ما يسمونه "عقدة الشمال الإفريقي"، فالفراعنة وبالرغم من مقدرتهم وخبرتهم في التعامل مع أعتى الفرق الإفريقية يدركون جيدا أن "الحظ" دائما ما يعطيهم ظهره حتى وهم في أوج قوتهم عند اللقاء مع إحدى فرق الشمال الإفريقي وبالأخص الجزائر، ولأول مرة تفرض هذه السرية على برامج وخطط الفريق المصري في ظل تغييب وسائل الإعلام بما فيها المصرية، حتى هذا التغييب يطاله الشك أيضا بعد تغيير موقف الإعلام المصري 180 درجة بصورة تثير الريبة، وخلافا لما جرى في السنوات الماضية نشهد تعتيما كبيرا على الفريق المصري من قبل الفضائيات والصحف المصرية، وصل حد انشغال الشارع المصري بانتخابات رئاسة نادي الزمالك في الوقت الذي لعب فيه الفراعنة مباراتهم الودية بعمان، وغابت لأول مرة التحليلات الرياضية المعمقة وآراء خبراء الكرة بشكل يوحي بأن الجميع سخّر نفسه من أجل "المفاجأة". * * لماذا عمان وما وجه الصلة بالجزائر؟ * من الأسئلة الهامة التي طرحت نفسها على المصريين قبل الجزائريين، هو اختيار عمان لتكون موقعا لتربص الفراعنة وساحة لمنازلة الفريق الوطني العماني في مباراة تحضيرية وحيدة قبيل لقاء الجزائر الرسمي، فما علاقة عمان بالجزائر، وما وجه الصلة بين الكرة العمانية الأسياوية والكرة الجزائرية الإفريقية؟، بل وما علاقة المناخ العماني بنظيره الجزائري؟، لا شك أنه لا توجد أية علاقة تذكر، ولا يوجد أي وجه تشابه بين الاثنتين، باستثناء السخونة التي تتسم بها اللقاءات العربية - العربية، وهي إحدى النقاط التي حاول شحاتة الاستفادة منها إلى حد بعيد لتمكين لاعبيه من التعامل مع مثل هذه الأجواء التي يرى أنها ستشابه أجواء ملعب البليدة، لكن بالطبع لم يكن هذا هو الهدف الوحيد، فثمة أهداف أهم ..... * الكلام المعلن لا يفضي لأية نتيجة، فقد قال شحاتة أن "اختيار المنتخب العماني لم يكن وليد الصدفة بل جاء عن قناعة كاملة من قبل الجهاز الفني لتمتعه بإمكانيات عالية، خاصة في السنوات الأخيرة وفوزه بكأس الخليج، والمباراة ستكون تجربة جادة ومفيدة في مشوار الإعداد لمواجهة الجزائر"، وأعقب بتصريح آخر بعد المباراة التي فاز فيها الفراعنة بهدف لصفر قائلا "إن خطته كانت تهدف لاختبار أسلوب اللعب المتوقع أمام الجزائر"، نفس الشيء ينطلي على تصريحات رئيس اتحاد الكرة المصري "سمير زاهر" الذي قال "اختيار عمان تحديدا، وإقامة مباراة ودية معها مهم للإعداد والتحضير لملاقاة المنتخب الجزائري يوم 07 جوان المقبل في الجزائر". * لكن المدرب المصري "شوقي غريب" كشف عن بعض تلك الأسباب قائلا أن "الفريق المصري لم يكشف كل الأوراق استعدادا لمفاجأة الجزائر التي تلعب بالكرات القصيرة ونفس الأسلوب العماني مع الاعتماد أكثر على الالتحام البدني". * * تدريبات عنيفة في ظروف قاسية * مع قراءة متأنية لما نشر في الصحف العمانية طوال الأيام التي أعقبت وصول بعثة المنتخب المصري إلى هناك نقف على بعض الحقائق الهامة التي حاول شحاتة إخفائها، الأخير اختار ملعب نادي مسقط كمقر لإجراء التدريبات، واختار منتجع بر الجصة المنعزل للإقامة، ومنع وسائل الإعلام وأفراد الجالية المصرية من الاقتراب منه لمنع تسلل ما أسماه ب "العيونالجزائرية". * لكن بين الحين والآخر كانت الصحف العمانية تخرج بأخبار تتناول أساليب التدريب التي جرت في معسكر الفراعنة . * جريدة "عمان اليوم" تحدثت عن تدريبات عنيفة في ظل ظروف قاسية، فقالت "تحت درجة حرارة مرتفعة تجاوزت في بعض الأحيان ال 43 درجة، ورطوبة عالية يمارس المنتخب المصري تدريبات بدنية جدية ومكثفة غريبة، اعتمد فيها حسن شحاتة ومساعده شوقي غريب بالأساس على الجهد البدني الكبير الذي خصص له يوميا قرابة الساعتين، يتم خلالهما عدو مسافة أربعة كيلومترات قبل البدء في التدريبات التي ركّز فيها على نقل الكرات من لمسة واحدة فقط ليأخذ المران بعد ذلك شكلا عاديا من خلال تمارين الإحماء الخفيفة ثم تمارين التحكم بالكرة، وكيفية الاعتماد على الكرات المرتدة السريعة، ولا سيما الكرات من الأجناب، لتختتم التدريبات بتقسيمه، وطوال مدة التدريب التي فاقت الثماني ساعات يوميا كان المدرب ومساعده يحثان اللاعبين على بذل طاقة أكبر حتى لا يصابوا بالإجهاد طوال ال 90 دقيقة في مباراة الجزائر"، وهنا يتضح أن شحاتة يريد تفوّق بدني ولياقة عالية طوال المباراة. * * تغيير التكتيكات والخطط البديلة * من الأشياء الهامة التي كشفت عنها المقابلة الودية مع الفريق العماني، هو انتهاج الفراعنة أسلوب التغيير الخطي المفاجئ وتبديل التكتيكات بشكل كلي داخل المقابلة الواحدة، وهو مالم يخفيه المدرب "شوقي غريب" الذي زّل لسانه في المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة ليقول "غيّرنا تكتيكنا مرتين لمواجهة الأسلوب العماني"، وهنا يظهر أن شحاتة لن يتقيّد بخطة واحدة أو حتى اثنتين في مباراة 07 جوان، وسيحاول التلوّن والتبدّل طيلة شوطي المباراة محاولا إرباك حسابات سعدان، وفي هذا السياق قالت صحيفة "الشبيبة" العمانية أن "حسن شحاتة لا يدع مجالا للمفاجآت ويحتكم للمفاجآت"، في إشارة إلى أسلوب الناخب المصري الذي لا يريد أن تنفلت الأمور من بين يديه في لقاء الجزائر. * فالمباراة بدأت بكرة طويلة من جانب الفريق العماني سقطت خلف مدافعي الفراعنة، ليندفع لها أحد المهاجمين، ولكن الحضري قطع الكرة قبل أن يتمكن منها المهاجم، فهذه الفرصة كشفت عن التلوّن الخططي، الذي اعتمده شحاتة، فغيّر أسلوب اللعب تماما عما كان عليه في الدقائق الأولى للمباراة، من خلال الضغط على حامل الكرة خاصة في الثلث الأخير من ملعب الخصم، مع ترك له المجال مفتوحا في الخط الخلفي لشن هجمات تتبدد في منتصف الملعب، وبالتركيز على هذا اللقاء نجد أنه في الوقت الذي تغلّب فيه العمانيون بالخفة والسرعة والمهارات الفردية وكذلك الجمهور، نرى شحاتة يراهن على عامل الخبرة، وفي الوقت الذي لم تترجم فيه الهجمات الخطيرة للخصم بهدف، نجح الجناح الأيمن في تمرير كرة صعبة لأبوتريكة ليحرز منها هدف المباراة الوحيد، ومرة أخرى يظهر "عصام الحضري" كأهم دعامة للفريق المصري، فقد تمكن الحضري من استرجاع جزء كبير من قوته ونجح في إنقاذ مرمى فريقه من عدة أهداف محققة، وهو ما فتح المجال أمام رفقائه ليقودوا سلسلة من الهجمات باطمئنان، مما يؤكد أن الحضري سيظل أحد أهم أوراق شحاتة في مباراة البليدة، وإن كانت هناك نقطة هامة تتعلق بالهجمات المرتدة والكرات السريعة التي يمتاز بها اللاعبون الجزائريون. * * امتصاص الحماس وتنويم الجماهير * مارس الفراعنة في تلك المباراة أسلوبا جديدا لامتصاص الحماس، وربما يطبق نفس الأسلوب في البليدة، فقد كان الفريق المصري يستدرج اللاعبين العمانيين ويدع لهم مجالا واسعا لنقل الكرة وترتيب الهجمة، ثم يقوم بشكل مفاجئ بخطفها دون القيام بهجمة معاكسة والاكتفاء بالتمريرات البينية. وظل هذا الأسلوب متبعا طيلة ال 15دقيقة الأولى من عمر المقابلة، الأمر الذي تسبّب في تنويم الجماهير وامتصاص حماس لاعبي عمان. * وكشفت تلك المباراة عن مكمن القوة التي تنطلق منها هجمات الفراعنة، والمتمثلة في الأجنحة، التي يمثلها الظهير الأيسر "سيد معوض"، والظهير الأيمن "أحمد المحمدي"، وهما السبيل الوحيد لوصول الكرات للمهاجمين محمد لزيدان وعمرو زكي في حالة انسداد اللعب في وسط الميدان، كما كشفت المباراة أيضا على فائدة اللياقة البدنية العالية في الحسم، ففي الوقت الذي كان فيه الفريق العماني الأفضل في كل شيء في الشوط الأول من المباراة، كان الفراعنة الأكثر سرعة وهجوما في الشوط الثاني، مما مكّنهم في الدقيقة الثالثة من تسجيل الهدف والحفاظ عليه بقية المباراة. * * 05 ساعات يوميا لمشاهدة "الخضر" * طوال مدة المعسكر لم يمنح شحاتة لاعبيه فرصة للراحة، فكان البرنامج مشحونا بالتدريب والدروس النظرية والعملية، وفي وقت الراحة كان الفريق المصري برمته يلتف حول شاشة كبيرة تعرض لقطات مختلفة للفريق الوطني الجزائري ولقطات أخرى للبطولات التي يشارك فيها المحترفون، شحاتة قبيل رحيله من القاهرة إلى عمان حمل معه عشرات الأشرطة عن الخضر، وكانت المشاهدة تصل أحيانا لخمس ساعات يوميا، وخلالها كان شحاتة يطلب من لاعبيه ضرورة اللعب الجماعي، وحرص على تلقينهم جملة واحدة "لمسة واحدة وعدم الاحتفاظ الزائد بالكرة وسرعة نقلها والارتداد السريع في حالة فقدها". *