عندما ظهر خلاف بين الولاياتالمتحدة وأي بلد عربي، فإن أمريكا تبعث دباباتها وطيرانها، بعد أن تضع البلد العربي في قائمة الدول الإرهابية وتفرض عليه ضغوطا دبلوماسية لا تطاق، وتفرض أمريكا حضرا على الأسلحة والمواد الغذائية وتطلب من حلفائها أن يشاركوا في معاقبة البلد المجرم. * وتفتح الصحافة أعمدتها للبحث عن جرائم البلد المسكين، وتكتشف منظمات حقوق الإنسان أن الحريات ليست محترمة فيه، وأن التعذيب منتشر بكثرة. ويتم وضع قادة البلد المذكور ضمن مجرمي الحرب، ويأتي قرار لتجميد أموالهم ومنعهم من السفر إلى الخارج، بينما تؤكد الصحافة أن قادة ذلك البلد يعيشون في الترف بينما شعوبهم تموت جوعا، * وبعدها تحيل أمريكا الملف على مجلس الأمن الذي يقوم بدور أساسي في العملية، وتقوم الولايات بتحضير اجتماع مجلس الأمن، وتقدم الأدلة الضرورية لإثبات الجريمة، حتى وإن لم تقع أية جريمة، ثم تشارك أمريكا في إصدار الحكم، وتحاول أن تكون على رأس قائمة المكلفين بتطبيق العقوبة على البلد الجرم، وبالنسبة للبلد العربي، فإن القصة تنتهي بطبيعة الحال بالدموع والمآسي، مع نتائج لا يستطيع ذلك البلد أن يتخلص منها بعد عشرات السنين، * وقاست من مثل هذا الوضع بلدان عربية ومنظمات كثيرة، من مصر في عهد عبد الناصر إلى السودان وحماس اليوم، مرورا بسوريا وليبيا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية التي خضعت لمثل هذا العقاب لمدة نصف قرن، ولم يستطع أي بلد عانى من غضب أمريكا أن يخرج سالما من المغامرة، بل كثيرا ما كانت النتيجة انهيار البلد المغضوب عليه أو تحطيمه، وحتى إن لم يقع اعتداء مباشر، فإن الضغط الذي يتواصل عشرات السنين مثل ما يقع مع سوريا يجعل البلد المذكور في وضع لا يطاق، وهذا ما تعاني منه سوريا مثلا منذ أربع عشريات. * وعندما يقع خلاف بين أمريكا وإسرائيل، فإن واشنطن تعبر بصفة محتشمة عن عدم رضاها، وإذا تدهور الوضع، فتعبر أمريكا عن قلقها، ويؤكد المسئولون الأمريكيون أن هذه الخلافات لن تغير من طبيعة العلاقة الخاصة مع إسرائيل، قبل أن يشيروا إلى أن مصلحة إسرائيل تفرض عليها بعض المرونة، وطرقا مختلفة في التعامل مع الأزمات، ومهما كانت طبيعة الخلاف، فإن كل تصريح أمريكي لا بد وأن يبدأ بالتذكير ببعض النقاط الأساسية، مثل الصداقة الراسخة بين أمريكا وإسرائيل، واستعداد أمريكا، بل استعداد كل البلدان الغربية، لضمان أمن إسرائيل وحمايتها من كل المخاطر، ومساندتها في محاربة الإرهاب، والحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي إلى الأبد. * مع وصول السيد باراك أوباما إلى السلطة، يقول المحللون أن خطاب أمريكا تجاه إسرائيل قد تغير، فقد تخلت الولاياتالمتحدة عن انحيازها المطلق لصالح إسرائيل، وأبدت نوعا من التعاطف مع الفلسطينيين، وقد تبنى السيد أوباما موقفين ركزت عليهما الصحافة الدولية، وقد قال صراحة أنه يريد قيام دولة فلسطينية من جهة، كما أنه طالب إسرائيل بوضع حد للمستوطنات من جهة أخرى، * وجاء الجواب الاسرائيلي على شكل رفض قاطع لمواقف الرئيس الأمريكي، واعتبر الوزير الأول الاسرائيلي أن ما يطلبه الرئيس الأمريكي "غير مقبول"، أما وزير النقل الإسرائيلي إسرائيل كاتز، فإنه قال صراحة أن الحكومة الإسرائيلية "لن تقبل بأي حال من الأحوال تجميد" المستوطنات. * كيف سترد أمريكا على هذا الموقف؟ لو جاء الموقف من بلد عربي لقيل أنه يعبر عن حماقة ووقاحة أصحابه، لكنه جاء من إسرائيل، فقال الأمريكيون أنهم سيعملون من أجل الوصول إلى نتائج مقبولة، ومن المنتظر أن توجه الولاياتالمتحدة عتابا لإسرائيل، وتعبر واشنطن عن قلقها، و"تزعف" على إسرائيل، لكنها في نهاية المطاف تتفهم الموقف الإسرائيلي. * أما وعود الرئيس أوباما، فإنها، وحتى يثبت العكس، تبقى مجرد كلام، وإذا تكلمنا مثلا عن قضية الدولة الفلسطينية، فقد وعد الرئيس الأسبق جورج بوش بإقامة دولة فلسطينية قبل سنة 2005، ورحل بوش وترك غزة تحت الجحيم، أما عن المستوطنات، فقد قامت جريدة "واشنطن بوست" بالتذكير بتصريحات الرؤساء الأمريكيين حول القضية، ففي سنة 1980، قال الرئيس جيمي كارتر أن المستوطنات تشكل عائقا أمام السلم، وكان عدد المعمرين يومها يبلغ 61 ألفا، وجاء بعده رونالد ريغان وقال أن المستوطنات ليست ضرورية لضمان أمن إسرائيل، لكن عدد المعمرين ارتفع آنذاك إلى 105.000، وأقرت خارطة الطريق وضع حد للاستيطان، قبل أن يقول أوباما أنه يرفض كل توسع للمستوطنات، لكن عدد المعمرين يقترب اليوم من نصف المليون، * كيف يواجه باراك أوباما هذا الوضع؟ هل سيكتشف أن إسرائيل تكسب أسلحة للدمار الشامل وأنها تشكل عائقا في طريق السلام؟ هل سيفرض حظرا على الأسلحة والطعام لإقامة برنامج من نوع "السلم مقابل الطعام"؟ أم هل سينصح الفلسطينيين بالاكتفاء بالقليل قبل أن يضيع منهم كل شيء؟ * ومهما كان محتوى خطاب الرئيس أوباما اليوم الخميس في القاهرة، فإنه لن يستطيع أن يتجنب هذا الواقع، فرغم تقدمه مقارنة بالمواقف الإجرامية التي كان يعمل بها جورج بوش، إلا أن الفلسطينيين خاصة والعرب عامة عانوا ما لا يمحوه أي خطاب، مهما كان اتجاهه، ولا تمحوه حتى إقامة دويلة فلسطينية، وإذا كانت بداية مشوار أوباما تبدو مقبولة، فإن المشوار مازال طويلا وطويلا جدا ليقتنع الشارع العربي أن أمريكا تحب الحرية لكل الناس، لا لأمريكا وعبيدها فقط.