رغم التأكيد المتواصل على المستوى الجيد للتعاون الأمني الذي تبديه، والدور الذي تلعبه في مجال مكافحة الإرهاب، لازال يعتري الموقف الأمريكي نوع من الامتعاض من موقف الجزائر الرافض لأي تواجد عسكري أجنبي بالمنطقة، حتى وإن بدت الولاياتالمتحدة هذه المرة مرونة أكبر في التعاطي مع الحساسية اتجاه السيادة الوطنية وأصبحت تعترف بأن الدور الأول في مجال حماية الأمن بالمنطقة مناط بالدول المعنية ضمن ما اسماه السفير الأمريكي بالتعاون المشترك بين هذه الدول وواشنطن. الندوة الصحفية التي نشطها مؤخرا السفير الأمريكي بالجزائر سمحت بتسليط الضوء على العديد من نقاط الظل في العلاقات بين الجزائروالولاياتالمتحدةالأمريكية ضمن إطار ما يسمى بالحرب الدولية على الإرهاب، حيث ثمن دفيد بيرس التعاون الأمني للجزائر في مكافحة الإرهاب، مؤكدا بان الجزائر تبدي تعاونا مثاليا في هذا المجال، مضيفا بأن التعاون في المجالات الأمنية ممتاز بين البلدين، لكنه لاحظ في المقابل بأن التعاون في المجال العسكري لازال ضعيفا، رغم أنه يعتبر حسب السفير الأمريكي أبرز عوامل ضمان الاستقرار في منطقة المغرب العربي أو عبر العالم. وظهر جليا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لازالت تأخذ على الجزائر موقفها الرافض استقبال قواعد عسكرية على أراضيها وترفض غرس القيادة الأمريكية العسكرية الموحدة لإفريقيا المعروفة اختصارا باسم "الأفريكوم" بالقارة السمراء، وهو ما جعل بيرس يضيف قائلا في حديثه عن التهديدات الإرهابية بمنطقة الساحل الإفريقي بأن بلده تربطه بدول الساحل علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وأحيانا عسكرية، مستطردا في نفس السياق أنه بدون التعاون العسكري بين الدول لا يمكن حل مشاكل المنطقة، واعتبر بأن دور الولاياتالمتحدةالأمريكية يقتصر في تقديم المساعدة للتغلب على هذه المشاكل، وفي حديثه عن مبادرة "بان ساحل" المتعلقة بالتنسيق بين جيوش منطقة الساحل والجيش الأمريكي قال بيرس بأن أمن المنطقة تضمنه دولها بالدرجة الأولى مشيرا إلى أن ما اسماه بالحساسية الجزائرية اتجاه أي تواجد عسكري أمريكي بالجزائر يعود إلى الأبعاد التاريخية الخاصة بالجزائر، وهو ما قد يبدو كتفهم أمريكي للتحفظات التي أبدتها الجزائر في هذا الشأن، علما أن التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا حول الجزائر انتقد رفض الجزائر زرع "الأفريكوم " بالقارة السمراء رغم ثنائه ككل مرة بدرجة التعاون في المجال الأمني ومجال مكافحة الإرهاب. ويبدو أن نفس هذه الحساسية هي التي تمنع الأمريكيين من تزويد الجزائر بأسلحة ومعدات عسكرية متطورة طلبتها منذ سنوات لاستعمالها في عمليات مكافحة الإرهاب، وقد كشف السفير الأمريكي أن الجزائر لا تزال ترفض الشروط التي تضعها واشنطن لكل من يقتني أسلحتها بما في ذلك العربية السعودية وإسرائيل، وأهم هذه الشروط هو المراقبة البعدية لاستعمالات هذه الأسلحة الذي لا يجب أن يخرج عن الإطار المحدد سلفا، علما أن بعض المصادر تحدثت عن معدات متطورة طلبتها الجزائر من بينها وسائل الكترونية للرؤية الليلية ورادارات متطورة، وطائرات بدون طيار "درون" وهو كله عتاد يساعد كثيرا في عمليات مكافحة الإرهاب الذي تدعي واشنطن أنها تولي له أهمية بالغة، مع الإشارة إلى أن التعاون في المجال العسكري قائم خاصة على مستوى التكوين حيث كشف بيرس بأن الكليات الحربية الأمريكية لاتزال تستقبل ضباطا جزائريين. وبرأي العديد من المتتبعين فإن شرط المراقبة البعدية على الأسلحة الذي تفرضه واشنطن على الجزائر بحجة ضمان موازين القوى بمنطقة المغرب العربي، يخفي في الواقع رفض أمريكي واضح دعم قدرات الجيش الجزائري بأسلحة أمريكية متطورة تكنولوجيا، وهو ما دعا الجزائر في الفترة الأخيرة إلى تكثيف تعاونها العسكري مع شريكها التقليدي روسيان، فواشنطن لا تعر أي اهتمام للشرط المذكور لما يتعلق الأمر بالمغرب الذي يشتري ودون توقف أسلحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية أخرها صفقة تتعلق بأكثر من 20 مقاتلة أمريكية من طراز "أف 16" ودبابات أمريكية الصنع أيضا. والملاحظ من جهة أخرى أن الجزائر التي تعتبر بشهادة واشنطن إحدى أهم الدول في مجال مكافحة ظاهرة الإرهاب والسباقة إلى هذا الميدان بالنظر إلى تجربتها المريرة في مواجهة هذه الآفة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، تؤكد دوما بأن أحسن ضمانة لوقوف أمام زحف "نفوذ القاعدة" بمنطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي هو التعاون الأمني الجيد بين الدول المعنية، من دون الاعتراض على أي مساعدة أجنبية أمريكية أو أوربية إذا كان الغرض منها دعم جهود هذه الدول بالوسائل أو التدريب أو المعلومات، وما تعترض عليه الجزائر الرافضة إلى جانب أغلب دول المنطقة لأي تواجد عسكري أجنبي، هو أن يستغل الإرهاب كغطاء للنفاذ إلى منطقة تعاني من مشاكل جمة وتعيش توترات متواصلة، علما أن الجزائر كانت قد عبرت أيضا عن رفضها فتح مجالها أمام عدد من الدول الأوربية خاصة فرنسا وبريطانيا والتي تتذرع بملاحقة فلول القاعدة ببلاد المغرب التي تقف وراء عمليات الاختطافات التي استهدفت دبلوماسيين وسياح أجانب، وتعتبر الجزائر بأن أي تواجد عسكري بالمنطقة سوف يوفر ذريعة للقاعدة لتبرير نشاطها وتوسيعه. لكن وخلافا للجانب الأمني والعسكري الذي يبدو أنه يعاني بعض الحساسية، فإن العلاقات بين البلدين في المجالات الأخرى تبدو أكثر من جيدة، حيث كشف ديفيد بيرس أن الجزائر شريك تجاري للولايات المتحدة في العالم العربي، في حين تحتل الولاياتالمتحدة المرتبة الأولى في قائمة الشركاء التجاريين للجزائر حيث فاقت المبادلات التجارية بين البلدين 22 مليار دولار أمريكي خلال العام الجاري، وأوضح أن الجزائر تقدم فرصا عديدة في مجال الاستثمار وتسعى الشركات الأمريكية إلى استغلالها خاصة بعد الندوة الأخيرة حول فرص الاستثمار في الجزائر التي نظمها مجلس الأعمال الأمريكي الجزائري في الجزائر في شهر نوفمبر الماضي، وكشف من جهة أخرى أنه يجري حاليا التفاوض بين البلدين من أجل إبرام اتفاق (أوبن سكاي) الذي سيفتح الطريق للخطوط الجوية الجزائرية لتنظيم رحلات مباشرة باتجاه نيويورك، إضافة إلى قرب التوقيع على اتفاق جمركي ثنائي وأخر يتعلق بالمساعدة القضائية، علما أن التعاون في المجال القضائي خاصة التكوين بلغ مستوى كبير بين البلدين.