الشيخ حسن عز الدين تصادف وجوده في الجزائر بعودة الملف اللبناني إلى واجهة الأحداث الدولية بعد الانتخابات النيابية التي جاءت بنتائج غير متوقعة لحزب الله وحلفائه في المعارضة. * إنه الشيخ حسن عز الدين، مسؤول العلاقات العربية في حزب الله اللبناني. يجيبنا في هذا الحوار عن مجموعة من التساؤلات حول سبب هزيمة المعارضة والخريطة السياسية المرتقبة في هذا البلد، بالإضافة إلى الصراع المذهبي وما يسمى بمشروع التشيع في المنطقة العربية وكذلك قصة الخلاف بين حزب الله ومصر.. * الفتن الطائفية يثيرها العدو وتغذيها الأنظمة المهزومة * انفرط عقد الموساد في لبنان بعد تفكيك شبكات التجسس * المال السياسي والدعم الخارجي أثرا على نتائج الانتخابات * المصريون فشلوا في تشويه صورة الحزب وستنتهي القضية * * * أسفرت الانتخابات النيابية عن نتائج غير متوقعة بالنسبة للمعارضة التي يعد حزب الله أحد أقطابها، ما هي قراءتكم لهذه النتائج؟ * - الاستحقاق النيابي اللبناني الذي جرى في السابع من الشهر الجاري كان مهما في سياق المبنى السياسي ومستقبل لبنان، وقد حشدت الموالاة "قوى 14 أذار" والمعارضة كل جهودهما للظفر بالفوز. ولكن الذي حصل للأسف الشديد أن الموالاة استخدمت خطابا سياسيا تحريضيا واستخدمت المال السياسي بحجم كبير بالإضافة إلى الدعم الخارجي من أكثر من جهة، بينها بعض الأطراف العربية التي وضعت كل إمكاناتها في هذا الاتجاه.. كما أن الانتخابات جرت على أساس القانون الانتخابي لعام 1960، وهو قانون غير منصف ويعطي الجرأة لتدخل المال والتحريض المذهبي والطائفي، وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. * ورغم هدا الفوز الذي حققته الموالاة أرى أن المشهد السياسي لم يتغير في لبنان، صحيح أنهم فازوا بأغلبية مقاعد المجلس النيابي ولكنها أغلبية بسيطة، ونحن في حزب الله نقول إننا لم نشعر بأي تغير حقيقي وجذري، كما أننا نعتبر أن الانتخابات ليست هي آخر الدنيا، وسنعمل بكل مسؤولية وجد من أجل البلد والدفاع عنه. وفي كل الأحوال فإن هذه النتائج تضع الكرة في ملعب فريق الأغلبية وعليهم أن يقدموا رؤيتهم لما يريدونه للبنان، برنامجهم ورؤيتهم لحل الأزمات الخانقة التي يتخبط فيها البلد سياسيا وعسكريا واقتصاديا... بالإضافة إلى المخاطر التي نواجهها من طرف العدو الصهيوني، بمعنى هل سيستمرون على نفس النهج في علاقاتهم وتحالفاتهم مع الخارج والتي سببت المشاكل للبنان، وهل سيواصلون الاستفراد بالحكم و عدم القبول بالآخر؟ * * * بعض التحليلات تقول إن المعارضة فشلت في إيصال خطابها هذه المرة إلى الناخب؟ * - في غمرة الحدث الانتخابي تبنت المعارضة خطابا سياسيا ايجابيا، وقدمت برامج كانت في أساسها تشكل قواسم مشتركة للتهديد الإسرائيلي ولبناء الدولة اللبنانية القادرة والعادلة، بمعنى قدمنا برنامجا إصلاحيا شاملا ورؤية شاملة لكيفية معالجة هذه المسائل، ولكن الذي أثر بشكل كبير هو الخطاب المتشنج الذي استخدمته الموالاة والذي أثار العصبيات والمذهبيات وساهمت في تأجيجه دوائر خارجية معروفة.. * * * ما هي استراتيجية المعارضة للمرحلة المقبلة، وهل سيدخل حزب الله في الحكومة المزمع تشكيلها والمرشح لرئاستها سعد الحريري؟ * - على الفريق الفائر أن يجيب على الأسئلة المطروحة، هل يريد تشكيل الحكومة بأكثريته أم لا؟ هل يريد أن يمارس الديمقراطية العددية النيابية؟ إذا رفضت الموالاة إشراك المعارضة حينئذ لن يكون أمام هذه الأخيرة سوى تحمل مسؤولياتها ودورها من موقعها في المعارضة ومن قدرتها الشعبية ستبقى حريصة على بقاء لبنان في موقعه وهويته ودوره العربي وتتصدى لكل السياسات الخاطئة التي يمكن أن تمارسها الوصاية المتمثلة في التدخل الأمريكي والإسرائيلي.. * وبالنسبة للجزء الثاني من سؤالك، نعم سيكون حزب الله ضمن حكومة وحدة وطنية بعد بالتشاور والبحث مع حلفائه في المعارضة، ولكن ذلك يتوقف على مدى جدية الفريق الآخر، وما إذا كان يريد توافق وشراكة فعلية وحقيقية. ونحن من جانبنا نرى أن خطاب قوى 14 آذار يبدو حتى الآن ايجابيا، وهذا يعتبر أمرا مشجعا.. * * * بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات سارعت إسرائيل إلى المطالبة بنزع سلاح المقاومة، هل أنتم متخوفون بعد فوز المولاة؟ * - الحديث عن سلاح المقاومة ليس أمرا جديدا، حيث بدأ منذ أن كان الاحتلال الإسرائيلي جاثما على أرض لبنان، وقد وجهت ضربات كبيرة للمقاومة وآخرها كان خلال حرب تموز (جويلية) 2006 التي كانت حربا عالمية عليها واستخدموا أقصى ما يملكون من قوة، ولكن كل المحاولات التي جرت على المستويين المحلي والعربي والخارجي لم تقض على هذه المقاومة. المقاومة اليوم أصبحت سلاحا وخيارا وطنيا، ولا يوجد إجماع كامل داخل لبنان لصالح نزع سلاحها، بل بالعكس هناك تأييد وواسع على المستويين الشعبي والرسمي لبقاء المقاومة كعنصر قوة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية المتواصلة. وحتى حزب الله لا يملك حق التفريط في هذا السلاح. وكيف نسقط السلاح من أيدينا وإسرائيل تهددنا وخاصة في ظل حكومتها اليمينية الراهنة.. * * * هل تلقى حزب الله ضمانات بخصوص موضوع سلاح المقاومة؟ * - في ظل مخاطر حقيقية وفعلية تهدد لبنان لا أحد من حقه أن يتحدث عن موضوع سلاح المقاومة، ونحن نرفض المساس بهذا السلاح، ومع ذلك حزب الله يبحث هذا الموضوع مع الأطراف الأخرى على طاولة الحوار الوطني وسيكون مرهونا بالاستراتيجية الدفاعية التي تناقش على طاولة الحوار. * * * اعتقل الأمن اللبناني شبكات تجسس إسرائيلية، هل معنى ذلك أن البلد معرض لعدوان جديد؟ * - تلك الشبكات تمثل اعتداء حقيقيا وانتهاكا لسيادة لبنان وتؤكد ما تذهب إليه المقاومة في هذا الخصوص. ويعمل العدو الصهيوني مند حرب 2006 على توسيع هذه الشبكات سواء داخل الأجهزة الأمنية اللبنانية أو في أكثر من موقع مهم، وذلك بهدف تكوين بنك معلومات جديد يستهدف المقاومة وقياداتها وكوادرها. فالعدو اكتشف أن من أهم إخفاقاته خلال حرب تموز كان دخوله إلى لبنان، وهو أعمى ولا يملك المعلومات الاستخباراتية، وهو ما جعل القيادة الأمنية الصهيونية تلقي باللوم على المخابرات. ولكن بالتنسيق والتعاون بين أجهزة المخابرات اللبنانية والجيش والمقاومة تم توجيه ضربة قوية للأمن الصهيوني وللموساد، بحيث انفرط عقد هذه الشبكات التجسسية. والعدو الصهيوني مند حرب تموز يتربص بلبنان، إنما الأمر بات مرهونا بالظروف السياسية والقدرة الإسرائيلية على الدخول في عدوان جديد ضد لبنان، أي أنها ستحسب ألف حساب لذلك من حيث الأهداف والنتائج.. * * * هل يعني ذلك أن إسرائيل هي من يقف وراء الاغتيالات التي عرفها لبنان وعلى رأسها اغتيال رفيق الحريري؟ * - بعض التقارير الإخبارية كانت قد أشارت إلى تورط ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وأنه كان قد شكل خلية لهذا الغرض، وعلى كل هناك محكمة دولية تقوم بواجباتها ونأمل مجددا أن تمارس عملها بدون تسييس ولا تخضع لضغوط جهات سياسية مثلما حدث لها في البداية. * * * ما قصة "خلية حزب الله" التي أفاض الإعلام المصري مؤخرا في الحديث عنها؟ * - الأمر لا يتعلق بشبكة أو خلية كما سماها المصريون وإنما هو مجرد شخص يدعى سامي شهاب اعتقل في القاهرة قبل حوالي خمسة أشهر بتهمة إدخال السلاح إلى غزة، أي قبل العدوان الإسرائيلي على القطاع، ووقتها أصدرت السلطات المصرية بيانا باعتقال هذا الشخص ونشر الخبر في الصحف. وبقي شهاب طوال تلك الفترة محتجزا لدى أجهزة المخابرات المصرية التي وجهت له كل التهم ما عدا إدخال السلاح إلى غزة. فقد اتهموه بمحاولة قلب النظام المصري ومحاولة المساس بالأمن القوي.. وبعد ذلك شنت السلطات المصرية حملة كبيرة تم توظيفها سياسيا وإعلاميا بهدف تشويه صورة المقاومة، غير أن النتيجة جاءت عكسية، حيث استنفذوا كل جهودهم في هذا الاتجاه دون تمكنهم من تحقيق غرضهم والنيل من المقاومة. واليوم الأمور تسير باتجاه محاكمة سامي شهاب بشكل فردي وبعدها تنتهي القضية.. * * * لماذا يستهدف حزب الله من طرف بعض الأنظمة العربية؟ * - هذه الأنظمة مواقفها كانت واضحة وجلية في استهداف حزب الله والمقاومة خلال حرب تموز 2006، والسبب أن الحزب يشكل ركنا أساسيا في المقاومة العربية والإسلامية وكذلك يشكل تحديا حقيقيا لدعاة الاستسلام وكل من يسير في ركن التسويات المذلة. وها هي حركة حماس وكل فصائل المقاومة الفلسطينية تتعرض بدورها للضغوط من طرف هذه الأنظمة. وهناك سؤال استفهامي كبير يطرح نفسه: لماذا يقوم النظام المصري بغلق معبر رفح؟ هل هو تسديد فواتير لأجل قضايا أخرى؟ وهل استقالت مصر من دورها؟ وكيف سيواجه العرب هذا العدو الصهيوني؟ * * * انفجرت خلال السنوات الأخيرة فتنة طائفية ومذهبية في المنطقة، من يحركها؟ * - المشروع الأمريكي متكامل الحلقات، بدأ من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين والصومال واليمن. وفي لبنان عندما عجزوا عن إثارة النعرات الطائفية حاولوا تشويه صورة حزب الله، فمرة يتهمونه بالإرهاب ومرة بتبييض الأموال والمتاجرة بالمخدرات حتى أن سماحة السيد حسن نصر الله ذات مرة قال "لو حدث زلزال في أمريكا لاتهموا حزب الله بالوقوف وراءه.." * وفي العراق عندما قاموا بغزوه حققوا جزءا من أهدافهم، وهو إزاحة صدام حسين من الحكم، ولكن المشروع الأمريكي اصطدم بواقع سياسي معقد، مما جعلهم يثيرون الفتن الطائفية، وساعدهم في ذلك بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة التي لا تعترف بأحد وتكفر ما عداها، وهذا طبعا لا يمت للإسلام بصلة. هدف المشروع الأمريكي هو جعل الكيان الصهيوني جزءا من النسيج العربي، وحتى الاتحاد المتوسطي يرمي إلى هذا الهدف، بدليل أن المصريين سمحوا هذه الأيام ولأول مرة بترجمة الكتب الإسرائيلية إلى العربية. وفي المقابل يتم التحريض على أن تكون إيران هي العدو الأول للعرب وليس الكيان الصهيوني. والمشكل أن أصحاب الفشل والهزيمة يتم إغراؤهم بالمجان لتحقيق هدف المشروع الأمريكي. * * * يدور جدل واسع حول تشييع المنطقة العربية، ما رأيكم؟ * - ما يقال عن التشيع غير صحيح وغير دقيق، وهو جزء من الفتن التي يثيرها العدو والإدارة الأمريكية وضعاف النفوس الذين ينزلقون من حيث يعلمون أو لا يعلمون وراء هذه الفتن. لا يوجد مشروع لنشر التشيع في المنطقة سواء لدى حزب الله أو لدى إيران، بل بالعكس حزب الله هو أداة وحركة استراتيجيتها وأولويتها تكمن في مواجهة العدو الصهيوني وفي كيفية أن تبقى المقاومة متجذرة في المنطقة كخيار تتبناه الشعوب والأنظمة. كما أن حزب الله يعمل لأجل بناء علاقات ايجابية مع جميع الدول العربية والحفاظ على الوحدة بين المسلمين.. * * * هل حزب الله متفائل بمجيء باراك أوباما إلى السلطة؟ * - على مستوى الشكل والصورة التلفزيونية يؤشر مجيء أوباما إلى إمكانية حدوث تغيير في الأداء الأمريكي، ولكن السؤال المطروح: هل سيكون هناك تغيير في الجوهر، في جوهر الصراع العربي الإسرائيلي؟ حتى الآن نسمع خطابات معسولة من الرجل، والواقع أن بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ورغم زيارته لواشنطن يقوم بعملية تصعيد للشروط الإسرائيلية ومنها تمسكه ببناء المستوطنات وعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. * لا أظن حدوث تسوية في المدى المنظور، لأن أولويات أوباما هي في كيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة جدا، بالإضافة إلى مواجهة المأزق الكبير في باكستانوأفغانستان.. * * * كيف هي علاقة حزب الله بالجزائر؟ * - علاقتنا بالجزائر ايجابية وطبيعية، والشعب الجزائري يدرك أكثر من غيره معنى المقاومة والاحتلال، لأنه تعرض للاحتلال الفرنسي وعانى من ويلاته. ودولة الجزائر أيضا عملت وشاركت دوما في الدفاع عن فلسطينالمحتلة من خلال مواقفها الايجابية.. *