نافورة عين الفوارة بوسط مدينة سطيف بالقرب من مسجد "العتيق" الذي يتوسط مدينة سطيف، تستعرض "المرأة الفرنسية" مفاتنها أمام مئات المصلين في غنج ودلال، ودون خجل أو حياء، ببساطة، لأن صاحبها نحات فرنسي لم تكن تعنيه تقاليد المنطقة المحافظة التي ستزف إليها، فأرسلها إلى سطيف عارية، وفي حجم يتناسب كثيرا مع الحجم الطبيعي للمرأة، وهو ما جعل نساء المنطقة يتحاشين المرور بجانبها حتى لا يكن عرضة للتعليقات الساخرة... * ورغم ما سببه هذا التمثال العاري من حرج للنساء على وجه التحديد، إلا أن عين الفوارة ومنذ 1889 وهي السنة التي تم نقلها من متحف الفنون الجميلة بباريس إلى سطيف، استقطبت اهتمام السطايفية وأصبحت معلما من معالم المدينة أاحد الرموز "الروحانية" التي يتبرك بها الرجال والنساء، وعلى تخومها تصنع أفراح المدينة المتمثلة أساسا في الانتصارات التي يحققها وفاق سطيف في مختلف المناسبات الكروية، آخرها كأس العرب الذي ارتوى لمرتين متتاليتين من عين الفوارة تحقيقا للاعتقاد السائد أن من يشرب من عين الفوارة سيعود إليها لا محالة، وهو اعتقاد نفخ فيه المتعلقون "بأستار" عين الفوارة التي ينسبون إليها كل جميل، ويعتقدون فيها اعتقادات أقرب ما تكون إلى الشرك. وللوقوف على بعض هذه المظاهر، اقتربنا من عين الفوارة التي كانت تعج بالزائرين من مختلف ولايات الوطن، وسألنا البعض منهم عما إذا كانت زيارتهم لعين الفوارة "بريئة"، أي من دون خلفيات كالتبرك والاستشفاء، فاكتشفنا أن معظم الزائرين ليست لديهم فكرة عن الجانب الروحي لهذا المكان، وأن زيارتهم لعين الفوارة أملتها الشهرة الواسعة التي اكتسبتها بوصفها أحد المعالم التاريخية الهامة بالمنطقة.. هكذا قالت سيدة من ولاية بسكرة، ويبدو أن فكرة من يشرب من عين الفوارة يعود إليها ضربت بعيدا في أعماق الجزائريين، حيث تقول طالبة جامعية من ولاية جيجل: سمعت الناس يقولون أن من يشرب من عين الفوارة يعود إليها واكتشفت صدق هذه المقولة، لأنني شربت منها العام الماضي وعدت إليها هذا العام. * وأكثر ما تتجلى صور التبرك، عند أهل المدينة ومن النساء الكبيرات في السن على وجه الخصوص اللواتي يقمن بتخضيبها بالحنة في الأعياد وقد أصبحت هذه العادة "سنة مؤكدة" وصورة أخرى من صور التبرك، سألنا عجوزا كانت تجلس على حافة العين ما إذا كانت تأتي إلى عين الفوارة لتتبرك بها فاعتدلت في جلستها ثم قالت: أنا لا أتبرك بها، ولكن إحدى قريباتي التي حرمت من الإنجاب لمدة سبع سنوات رفعت إليها "شكواها" وما هي إلا شهور حتى اكتشفت أنها حامل! * سيدة أخرى جاءت هي و ابنتها من إحدى بلديات سطيف طلبا للشفاء، فقد قيل لها أن ماء عين الفوارة يشفي العليل! * ويبدو أن هذا الاعتقاد الموغل في الشرك، لا يقتصر على النساء الكبيرات في السن و حسب، فحتى الفتيات يرمين شباك أحلامهن في حجر هذه المرأة العارية، حيث قال لنا احد المصورين الذي يمضي وقته بالقرب من العين لالتقاط صور تذكارية للزائرين، انه كثيرا ما يرى فتيات يطفن بعين الفوارة و يتمتمن بكلمات توحي بأنهن منخرطات في طقوس ما، وعندما تشجعت، قال المصور: وسألت إحداهن عن سر هذا السلوك، قالت لي إنها تفعل ذلك لتتزو ! * وبقدر ما أصبح لعين الفوارة قاعدة شعبية، إلا أن المحسوبين على التيار السلفي كانوا ينظرون إليها نظرة تخلو من أي ود، وأقصى ما فعلوه أثناء تنامي الحركة الإسلامية أنهم البسوها حجابا حتى يخفون به مفاتنها البارزة، ولكن عندما اشتد وطء العمل المسلح في الجزائر في منتصف التسعينيات، تم تفجيرها بقنبلة والناس نيام، فبكت سطيف عين الفوارة كما مالم تبك من قبل، ولكن تم ترميمها وإعادتها إلى شكلها الطبيعي وإحاطتها بكاميرات مراقبة ورجال أمن لحمايتها من أي عملية تخريب. * وبعيدا عن كل أشكال التشدد، نقول إن فرنسا الاستعمارية لم تزين وسط مدينة سطيف بتمثال عار من أجل سواد عيوننا، وهي التي كانت تسعى إلى طمس معالم الشخصية الجزائرية و تشريد الشعب الجزائري، ولم تنصب هذا التمثال بالقرب من مسجد العتيق صدفة، فبعض المصادر التاريخية تقول أن فرنسا وضعت تمثال عين الفوارة في ذلك المكان بالذات ردا على بناء مسجد "العتيق" بما يشكل تحديا صارخا لمشاعر المسلمين، وإلا لماذا لم تبن مصنعا أو مدرسة، بدل أن تنصب تمثال امرأة عارية بالقرب من المسجد؟!!