من يتابع تصريحات قادة الجماعات المسلحة في الجزائر منذ التحاقهم ب (المصالحة الوطنية) لغاية اليوم، يجد أنهم يتحدثون كقادة أحزاب سابقة كانت تحمل السلاح لإسقاط نظام الحكم، وعندما فشلت في تحقيق ما يسمى ب(المشروع الإسلامي) ل(الدولة الإسلامية)، هاهي تعتز بتأسيسها لهذه المجموعات المسلحة، وتدافع عن "مؤسسة" كانت تمثل الطغاة، في أدبياتها الإسلامية وكأنهم لا يفرقون بين حمل السلاح لتحرير البلاد من المستعمر الأجنبي، وبين حمل السلاح لفرض نظام سياسي معيّن. * قادة أحزاب أم جماعات مسلحة؟ * * من يتوقف عند قادة الجماعات الإسلامية المسلحة بدءاً بعبد الحق العيادة (مؤسس الجيا)، مرورا بمدني مزراق مؤسس الجيش الإسلامي للإنقاذ وانتهاء بحسن حطاب أمير الجماعة السلفية للدعوة والقتال يخرج بسؤال جوهري: * هل انتهى دور الشخصيات الوطنية وقادة الأحزاب السياسية في الجزائر ليعوض بأمراء سابقين لجماعات كانت قبل المصالحة الوطنية توصف ب(الإرهابية)؟. * يقول عبد الحق العيادة (أبو عدلان) لقناة "العربية"، "أنا لست نادما على تأسيسها (الجيا)، أنا فخور بأنني أسست حزبا - عفوا- جماعة إسلامية مسلحة... كل الإطارات التي كانت في الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانوا تحت إمارتي من بينهم رابح كبير وأنور هدام..". ويضيف، بأن جميع التنظيمات المسلحة خرجت من جبّة الجماعة الإسلامية ومنهم حسن حطاب، وهي مغالطة، تتناقض مع تصريحات سابقة له للكاتب اللبناني كميل الطويل، صاحب كتابي "الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر" و"القاعدة وأخواتها". * وإذا أردنا أن نتحدث بصراحة عن الجماعات الإسلامية في الوطن العربي، فعلينا بالحديث عن الجماعات الجهادية المصرية والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا. * وهذه الجماعات يعود الفضل في تأسيسها إلى تنظيم القاعد لأسامة بن لادن، و"الأفغان الجزائريون" هم مؤسسو الجماعة الإسلامية المسلحة وليس من يتحدثون باسم هذه الجماعات، فعلى الحدود الأفغانية الباكستانية ولدت هذه المجموعات باختلاف تسمياتها ومن يقف وراءها من رجال الدين أو الأجهزة. * وإذا كانت الجماعة الجهادية المصرية، التي تأسست على أفكار عمر عبد الرحمن، الأعمى المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة في أمريكا، فإن بقية الجماعات المسلحة في المغرب العربي لا تملك شرعية وجودها الفكري، فأغلب قادتها لا يحفظون حتى القرآن الكريم، وليست لهم مؤهلات دينية أو علمية تسمح لهم بالحوار والنقاش مع الآخر، لأن من يلجأ إلى حمل السلاح لإقناع الآخرين بمشروعه محكوم عليه بالفشل والنهاية المأساوية. * والدليل أن الأحزاب الإسلامية في الجزائر لم تستطع أن تتوحد، والجماعات المسلحة حين فكرت في توحيد نفسها ممثلة في مجموعة عبد القادر شبوطي ومجموعة الملياني ومجموعة محمد علال (موح ليفي)، التي كانت تضم علي زوابري وعبد الحق العياد، ومجموعة توفيق حطاب (الأخ الأكبر لحسن حطاب)، التقت في الزبربر ثم تمزقيدة، لتنتهي إلى لقاء آخر يتم فيه تعيين عبد الحق العيادة أميرا باقتراح من علي زوابري باعتباره أكبر القوم سنّا (القاعدة وأخواتها ص 115). * والاعتزاز أو الافتخار بتأسيس جماعة مسلحة هو إساءة للإسلام الذي لم يفرض نفسه بالسلاح ولم يحمل نبيّه سيفا لقطع الرقاب أو فرض الإسلام، بل إن الإسلام في أعزّ أيامه كان يخيّر الشعوب بين: اختيار الإسلام لنيل حق المواطنة أو القبول بالإسلام مع الاحتفاظ بالعقيدة مقابل جزية أو الدفاع عن النفس أي الحرب. * ولم يسبق لدين سماوي أن وضع ثلاثة خيارات لغيره قبل ترسيمه دينا للدولة. * من حق إطارات الجبهة الإسلامية أن تتحدث باعتبارها لم تحمل السلام، أما من حمل السلاح فإن هذا الحق يفقد شرعيته، لسبب واحد وهو أن الجزائر تأخّرت عن الوطن العربي، وتحولت إلى ملجإ للإرهاب بسبب حملة السلاح في البلاد، والجماعات المسلحة تتحمل مسؤولياتها في "ضياع الجزائر"، ورهن مستقبلها لغيرها، ويفترض أن يقتدي قادة الأحزاب الإسلامية المسلحة أو من كانوا يطلقون على أنفسهم صفة الأمراء، بالأمراء الذين صمتوا بمجرد إلتحاقهم بالسلم والمصالحة، لأنهم أدركوا أن "طي الماضي لا يعني نسيانه، وفتحه يؤدي إلى محاكمة أصحابه". * صحيح أن هناك من لا يستحي لأنه "مارس القتل" ويريد ممارسة السياسة، وهذا أمر يستحيل لأن من يدافع عن أفكاره بالسلاح هو مجرد مجرم يحمل قناعا سياسيا. * فمتى يدرك قادة الأحزاب المسلحة أن الجرائم المرتكبة في الجزائر لا يمكن نسيانها، صحيح أن مشروع قانون السلم والمصالحة لا يسمح لنا بفتح ملفاتها، ولكنه سيأتي يوم ونعلم أطفالنا أن من يدافع عن أفكاره بالسلاح هو مشروع مجرم، لأن الفكر يحمل بين طياته أساليب الإقناع به ولا يحتاج لغير الأقلام لتكون سلاحه ومن يغتال الأئمة والرهبان، بغض النظر عن المبرر، هو مجرم. * ومن يريد فرض إسلامه علينا بالقوة، فعليه بإعادة قراءة الإسلام وتاريخ المسلمين. لقد وضعتنا الجماعات الإسلامية بين خيارين لا ثالث لهما وهما: "الإسلام الأمريكي" و"الإسلام المسلح"ولا أعتقد أننا في حاجة إلى مثل هذين الخيارين، بقدر ما نحن في حاجة إلى خيار إسلام يوسف القرضاوي والشيخ عبد الرحمان شيبان، لأنهما يمثلان الإسلام الحقيقي، فمتى يدرك من كانوا يحملون السلاح في الجبال أن صمتهم أفضل، لأن التاريخ لا يرحم أحدا. * وفتح ملفات ما يسمى بالعشرية الحمراء قد يحيل الجميع على العدالة، والمصالحة كما أفهمها، هي الاعتراف بالأخطاء، وليس الافتخار بها. * وللحديث بقية...