الكوارث قادمة.. والله أعلم تراجع الأمطار والإشعاع الشمسي سيبلغ ذروته خلال السنوات القادمة موجات حرارة شديدة، حرائق معتبرة، قحط وجفاف، فيضانات عارمة، رطوبة مرتفعة، أمراض وأوبئة خطيرة، هي بعض نتائج ظاهرة الإحتباس الحراري في الجزائر والتي عرفت منحنيات خطيرة، خاصة في السنوات الأخيرة. * * "الشروق" تحصلت على دراسة حديثة قام بها المختص في علم المناخ "الدكتور عبد الرحمان مجراب" تبين فيها علاقة ما يحدث حاليا من تغيرات في المناخ وعلاقته بهذه الظاهرة في بلادنا. * يؤكد الدكتور "مجراب" أن التغيرات المسجلة في حالة الطقس أو بالأحرى ظاهرة "تذبذب الفصول" والتداخل النسبي لبعضها والتي بدأنا نسجلها خلال السنوات الأخيرة تدخل ضمن إطار "التغيرات المناخية" التي يشهدها العالم، خاصة في الحوض المتوسط. * فالتغيير في درجة الحرارة حسب محدثنا يعود إلى 600 سنة الماضية، غير أن هذا الإرتفاع كان ضئيلا نسبيا، لكن في السنوات ال 15 الأخيرة شهدت ارتفاعا ملموسا لدراجات الحرارة والسبب يعود إلى ظاهرة الإحتباس الحراري. * وقد تأثرت الجزائر بجملة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم خلال 15 سنة الماضية، وهي حالات يمكن اعتبارها ب"الإستثنائية"، ومن بين الأمثلة على ذلك ظاهرة برودة الطقس التي شهدتها منطقة الشرق الجزائري، خاصة بمنطقة قسنطينة يوم 3 فيفري 1999، أين انخفضت درجة الحرارة إلى 13 درجة تحت الصفر، كما تم بتاريخ 23 نوفمبر 2000 تسجيل أمطار غزيرة بمنطقة الشلف، حيث بلغت أكثر من 62 ملم في أقل من 24 ساعة فقط، كما شهدت العاصمة في 11 نوفمبر 2001 فيضانات مفاجئة، بلغت كميتها في أقل من 24 ساعة ما لا يقل عن 260 ملم وهو رقم قياسي لم يسبق أن شهدته العاصمة من قبل، وفي 27 جانفي 2005 شهدت ولاية تيارت تساقطا كثيفا للثلوج فاق 13 سنتيم مع انخفاض لدرجة الحرارة إلى 13 درجة تحت الصفر، وبالبيض بلغ سمك الثلوج 21 سنتميترا، فيما انخفضت الحرارة إلى 15 درجة تحت الصفر، وبالمدية 60 سنتيمترا و9 درجات تحت الصفر وانخفاضها في سطيف إلى 14 درجة تحت الصفر. * * ناقوس الخطر * في آخر دراسة قام بها الأستاذ "مجراب" حول التغيرات المناخية على المياه السطحية في الغرب الجزائري والتي قدمت في المؤتمر العالمي للجغرافيين الذي انعقد في تونس سنة 2008، والتي شملت الغرب الجزائري بإعتبارها منطقة ذات مناخ جاف وشبه جاف أكثر من الوسط والشرق تبين من خلالها أن "مناخ الجزائر سيعرف ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة يتراوح بين "4.2 و5.6" درجات، خاصة إذا علمنا أن نسبة التبخر تقدر بحوالي 80 بالمائة في الجزائر،87 بالمائة في تونس وأكثر من 80 بالمائة في المغرب وهذا يعني مبدئيا ودون ظاهرة الإحتباس الحراري لدينا مشكل لا يقل خطورة وهو ارتفاع نسبة التبخر". * ويضيف محدثنا أنه في تلك الدراسة حاولنا معرفة الإتجاه العام للتساقط والحرارة، وأثر هذين العنصرين على المياه المجمعة في السدود وتبين: * أولا: بالنسبة للإتجاه العام للتساقط باستعمال الطرق الإحصائية المتمثلة في "المعدلات المتحركة المحسوبة على فترة 5 سنوات باستعمال مؤشر "مان كاندن، واختبار سبيرمان، وبوتي" فإن التساقط السنوي من 1913 إلى 2005 في انخفاض مستمر، وخاصة ابتداء من سنة 1970. * وهذا الانخفاض سجل في أغلبية هذه المحطات أي 16 محطة من 21 محطة التي خضعت للتجربة وتبين من خلال إستعمال مؤشر "مان كاندن" أنه لا يوجد ارتفاع في كميات التساقط وهذا على المستوى السنوي، أما على المستوى الفصلي فقد تم تسجيل الانخفاض الكبير في كمية التساقط في "6 محطات"، وفي المقابل عرفت انخفاضا في 19 محطة في فصل الشتاء، وهذا يعني أن التغيير جاء في هذا الفصل. * وعليه يقول السيد "مجراب" أن الاتجاه العام للتساقط يتجه نحو الانخفاض وخاصة في فصل الخريف والشتاء، وهي الفترة الأكثر أهمية للزراعة. * أما بالنسبة للاتجاه العام للحرارة يقول محدثنا أنه تم الاعتماد على نفس المحطات، أي 21 محطة في الفترة الممتدة مابين 1950و2006 وتم تسجيل ما يلي: "28 سنة" متوسط حرارتها أكثر من المعدل العادي وأكثر سنوات حرارة بدأت من سنة 1990، حيث وصل متوسط درجة الحرارة القصوى في 2004 إلى 32.4 درجة مئوية، أما بالنسبة لدرجة الحرارة الدنيا فقد عرف تقريبا نفس "السناريو"، لكن مع وجود ارتفاع درجة الحرارة، حيث سجل كمثال على ذلك في سنة 2003 بمحطة وهران 21.2 درجة مئوية. * ولمعرفة هذه التغيرات أكثر يضيف محدثنا رتبنا نفس السنوات في بعض المدن الساحلية والداخلية حسب أهمية درجة الحرارة فتبين أن أكثر سنوات حرارة هما سنتي2003 "33" درجة مئوية و2004 "32.3" درجة مئوية، وهذا بالنسبة لولاية وهران كمنطقة ساحلية، فيما تم تسجيل 37.8 درجة مئوية متوسط الحرارة في 2003 و37.3 درجة مئوية في 2004 و37.2 درجة مئوية في 2005 في منطقة الشلف كمنطقة داخلية. أما بالنسبة لعدد الأيام التي كانت فيها درجة الحرارة القصوى أكثر من 35 درجة مئوية في الفترة الممتدة ما بين 1965 و2006 فقد حصرت ما بين 1983 و2006 حيث وصلت سنة 2003 إلى 68 يوما، والنتيجة هي كارثة زلزال 21 ماي الذي ضرب منطقة بومرداس والعاصمة، ونتوقع أن يتكررالسيناريو نفسه سنة 2014، * ويضيف ذات المتحدث أن الجزائر عرفت في ذات السنة موجة خطيرة من الحرارة، حيث شهد الشرق الجزائري حرارة قصوى مقارنة بالوسط والغرب. * أما بالنسبة للإشعاع الشمسي يقول السيد "مجراب" أنه في السنوات الأخيرة لاحظنا ارتفاع عدد الساعات فمثلا في محطة "سعيدة" في الفترة الممتدة ما بين 1980و2006 فقد تم تسجيل 3287 ساعة اشعاع شمسي في سنة 2000 وحوالي 2700 ساعة في سنة 2005 والفارق يغني عن التعبير. * أما العلاقة القائمة بين ظاهرة الإحتباس الحراري والرطوبة الجوية فقد حددها المختص في علم المناخ فيما يلي: * الإتجاه العام للرطوبة يتوجه نحو الانخفاض وكمثال على ذلك تم دراسة متوسط الرطوبة النسبية بمحطة "مغنية" الموجودة على الساحل في الفترة الممتدة ما بين 1977 و2005 ولوحظ أن معظم السنوات التي سجلت فيها أقل رطوبة هي تلك المحصورة ما بين 1994 و2005، فمثلا في سنة 2001 تم تسجيل "60"بالمائة ومعدل الفئة هو "69" بالمائة وهذا يعني أن هناك عجزا بنسبة "9" بالمائة. * أما آثار الإحتباس الحراري على المياه السطحية يقول ذات المتحدث أنه تم دراسة ميدانية على الكميات المخزنة في سد "بني بهدل" في الفترة ما بين 1924 و2003 وتم التوصل إلى أنه منذ سنة 1976 عرف السد نقصا حادا في كمية المياه المخزنة، حيث وصلت إلى "مليون متر مكعب"، وهذا الانخفاض مستمر إلى حد يومنا هذا. * وفي الأخير يقول السيد "مجراب" أنه من خلال الدراسة تم التوصل إلى أن: * الإتجاه العام للتساقط في انخفاض ويصل في بعض الحالات إلى 15 بالمائة مقارنة مع المتوسط. * ارتفاع عام في درجة الحرارة في جميع الفصول حيث يترواح هذا الإرتفاع ما بين 2 درجة مئوية و6 درجة مئوية. * ارتفاع في درجة الحرارة الدنيا والقصوى وفي عدد ساعات الإشعاع الشمسي وهذا ابتداء من سنة 1970 ومستمر إلى حد الآن. * توسيع فترة الجفاف وخاصة في فصل الشتاء. * ارتفاع نسبة المياه في البحر. * * انجراف التربة، تقلص دورة حياة النباتات، وارتفاع نسبة الملوحة في الأرض * ومن جهته دق الديوان الوطني للأرصاد الجوية ناقوس الخطر حول الكوارث الطبيعية التي ستشهدها الجزائر في السنوات المقبلة، مستعجلا السلطات العمومية في اتخاذ تدابير جدية لتسجيل أقل الأضرار، مع الإسراع في تطبيق القانون الخاص بتسيير الكوارث الطبيعية، وإصدار مرسوم تنفيذي يحدد مهام مختلف القطاعات المعنية في حالة حصول أي طارئ، بإعتبار أن الجزائر ستعيش سلسلة من التقلبات المناخية بشتى أنواعها في الفترة المقبلة، وأكد مصدر مسؤول من الديوان الوطني للأرصاد الجوية، أن التغيرات المناخية التي تسجلها الجزائر مستقبلا ستزيد من الإحتباس الحراري، فيضانات وجفاف وموجات حرارة كثيرة، وإحصاء عدد معتبر من الحرائق، وهي نفس الاتجاهات المناخية في كل مناطق البحر الأبيض المتوسط، مما يؤثر سلبا على السير العادي لعدة مجالات وأكد ذات المتحدث أن الفترة الممتدة بين 2000 و2022، سيتسبب في تسجيل انخفاض منسوب المياه والوديان، جراء تزايد تبخر المياه وما يرافقه من زيادة ملوحته وتدهور في نوعية الثروة الحيوانية والنباتية الموجودة في المسطحات المائية، إضافة إلى ارتفاع درجة تلوث الجو، مرفقا بنقصان في الأوكسجين، أما في المجال الفلاحي، فقد أخطر بتراجع الإنتاج الفلاحي، وخاصة في مجال الحبوب بنسبة تصل إلى 50 بالمائة، في الفترة الممتدة ما بين 2000 و2020، ويعود السبب إلى انجراف التربة وتقلص دورة حياة النباتات، وارتفاع نسبة الملوحة في الأرض، وفي سياق آخر أشار المتحدث إلى أن الدراسات التي تم القيام بها لرصد التغيرات الحرارية في الجزائر أظهرت أن درجات الحرارة في ارتفاع منذ سنة 1990 وهي الفترة التي عرفت بداية ظاهرة الإحتباس الحراري، إذ ارتفعت بستة أعشار الدرجة 6/10، مع انخفاض في نسبة الأمطار بمقدار 12 بالمائة متسببة في جفاف، في حين عرفت بعض المناطق فيضانات كبيرة، مثل تلك التي شهدتها منطقة باب الواد. * * الإحتباس الحراري سيزيد من انتشار معدلات الأمراض والأوبئة * ومن جهته أوضح الدكتور "كرغال عبد اللطيف" المختص في الأمراض الجلدية أن ظاهرة الإحتباس الحراري سيكون لها تأثير مباشر على الإنسان من خلال زيادة معدل انتشار الأمراض والأوبئة المستوطنة "الملاريا والحمى خاصة ما يعرف ب"حمى الضنك" والتيفوئيد والكوليرا" بسبب هجرة الحشرات الناقلة لها، وأثبتت الدراسات أن الأمراض الجديدة التي عرفها العالم والمنتشرة في الجزائر مثل أمراض العيون وأنفلونزا الخنازير سببها ارتفاع درجة الحرارة.