الشيخان بن باديس والعقبي رحمهما الله مبارك الميلي والعمودي وأحمد حماني يتهمون المتطرفين من الزاوية العليوية تمرّ هذه الأيام، ثلاثة وثمانون سنة عن محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس، في مدينة قسنطينة، وبرغم أن الشيخ صفح عن الفاعل وأكمل مساره العلمي دون الالتفات إلى الجهة التي حاولت إطفاء نور أهم قنديل في تاريخ الجزائر، إلا أن الغموض مازال يلف هاته الحادثة التي نحاول الرجوع إليها، حسب رواية علمين من أعلام الجزائر، وهما الأستاذ الأمين العمودي والشيخ أحمد حماني، مفتي الجزائر، ولكن أهم مرجع هو بالتأكيد جريدة الشهاب الصادرة عام 1926، حيث دون الحادث الصحفي والعلامة مبارك الميلي، كما نقلت الحادثة باللغة الفرنسية جريدة لاديباش دي كونستونتين الصادرة في 30 جويلية 1927 بقلم صحفي رمز لاسمه بالحرفين (ن. ل)، وأجمعت كل التقارير الصحفية من هؤلاء العلماء على اتهام الطرقيين والمتطرفين منهم بالخصوص، الذين كانوا في حرب معلنة مع شيوخ جمعية العلماء المسلمين، رغم أن هذه الحرب وضعت أوزارها حسب بعض الروايات بعد لقاء جمع الشيخ بن عليوة الذي اتهمت زاويته بمحاولة الاغتيال والشيخ بن باديس. * * ورأى هذا الأخير، أن يطوي صفحة محاولة اغتياله ويهتم بالأعداء الحقيقيين وهما الجهل والإستعمار. * الحادثة وقعت في إحدى الليالي القاتمة السواد من سنة 1926 عندما كان الشيخ بن باديس وكان حينها في السابعة والثلاثين من العمر، عائدا إلى بيته بعد أن أتحف تلاميذته كعادته بدرس في المسجد بعد صلاة العشاء، وكانت عقارب الساعة قد أعلنت التاسعة ليلا، وفي منحدر "مايو" بنهج "السود" بقسنطينة تفاجأ بهجوم من رجل شديد يحمل هراوة ويضرب الشيخ على رأسه، وبينما ظن الجاني أنه قتل الشيخ، ثم سلّ خنجرا "بوسعاديا" وحاول أن يزرعه في قلب بن باديس، ولكن العناية الإلهية أنجته فتدخل بعض المارة، ورغم محاولة المجرم الفرار، إلا أنهم قبضوا عليه واقتادوه إلى مركز الشرطة، فاعترف بجريمته وأثناء الاستجواب قال أنه أراد قتل رجل يحارب الدين الإسلامي لأنه يحارب الدين الحنيف، بعدم اعترافه بكرامات أولياء الله الصالحين. واتضح أن الجاني من سكان برج بوعريرج، وقال أثناء التحقيق أنه مبعوث من الزاوية العليوية التي كان مقرّها بمدينة مستغانم. وحسب الشيخ مبارك الميلي، فإن قاضي الاستنطاق كان فرنسيا يدعى "أودواندو" العامل بمحكمة قسنطينة الذي أمر بتحويل الجاني إلى محكمة الجنايات التي كانت تسمى "محكمة الجرائم". * وحسب تقرير الشرطة دائما، فإن الجاني عاش لمدة ثلاث سنوات بمدينة مستغانم، ثم عاد إلى برج بوعريريج ليقيم ملحقا للطريقة العليوية، وكان يقوم بإجبار متبعي الطريقة في برج بوعريريج بذكر اسم الجلالة "الله" ألف مرة، ثم يركزوا نظرهم في نقطة معينة حتى ينزل الله في ذواتهم، وتحول إلى شبه نبي في برج بوعريريج. أما عن شيخ الطريقة الأول فيقول الأستاذ الأمين العمودي، أنه المسمى بن عليوة الذي كان يشتغل في إصلاح الأحذية وكتب ذلك في الشهاب ويقول متبعوه حاليا أنه كان صيادا ومن أهل البيت، وبعد محاولة اغتيال بن باديس، تحدثت عدّة أقلام في الشهاب عن الشيخ بن عليوة، وقالت بعضها أنه اشترى قصرا بالعاصمة بحي "سانت أوجين" به حمام وتليفون وحديقة، ويطل على البحر، ومع ذلك توقفت المعركة منذ أن التقى الشيخ بن باديس بالشيخ بن عليوة، وحتى الطرقيون الذين أعلنوا حربا على الشيخ بن باديس منذ بداية العشرينات من العمر الماضي وضعوا أسلحتهم تماما كما فعل شيوخ جمعية العلماء المسلمين الذين كانوا وظلوا يرفضون "الزردات" وادعاء العصمة والخوارق باسم الدين الإسلامي. * * المراجع: * La Depêche de constantine * كتاب البدعة والسنة لأحمد حماني * الشهاب * كتابات مبارك الميلي * كتابات الأمين العمودي