ليس هناك أدنى شك أن أكثر شعوب الأرض تخلفاً، بكل أسف، هم المسلمون، وذلك بشهادة تقارير التنمية البشرية التي تصدرها الأممالمتحدة، ويشرف عليها نخبة من أشهر الخبراء والباحثين المسلمين. بعبارة أخرى، فقد شهد شهود من أهلهم. * لقد غدا اسم المسلمين مرتبطاً في أذهان العالم بالعنف والفقر والمجاعات والاضطرابات والتخلف، إلا ما رحم ربي. فحتى باكستان التي تمكنت من صناعة القنبلة النووية على وشك أن تصبح دولة فاشلة بسبب الفقر والقلاقل والفساد وسوء الإدارة. أما حكام تركيا العلمانيون فمازالوا يعتبرون أنفسهم أقرب إلى الغرب منه إلى المسلمين، لا بل يرون في التقدم البسيط الذي حققوه ثمرة لتخليهم عن الإسلام واعتناق العلمانية. وقد سمعنا العديد من الأتراك يقول بكل صفاقة إنه من الأفضل لتركيا أن تكون في مؤخرة الغرب على أن تكون في مقدمة العالم الإسلامي. * ولا داعي للحديث عن العالم العربي الذي تعود بعض بلدانه إلى عصر ما قبل الدولة سياسياً، فما بالك علمياً وتكنولوجياً. * والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يقبع المسلمون الذين يعتبرون أنفسهم خير أمة أخرجت للناس أكثر أمم الأرض تخلفاً؟ لماذا يتخلف المسلمون المؤمنون، ويتقدم كل من يعتبره المسلمون كافراً؟ * تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الشعب الصيني العظيم الذي يربو تعداده على أكثر من مليار نسمة لا يؤمن بأي دين. أي أن هناك أكثر من نصف مليار من الصينيين ملحدون حسب النظرة الإسلامية. لكن مع ذلك فقد تمكن هؤلاء "الكفار" من تحقيق أكبر معدل للتنمية شهدته البشرية في تاريخها، إذ كان يبلغ معدل التنمية في الصين حوالي خمسة عشر بالمائة قبل بدء الأزمة المالية العالمية. وقد تمكنت الصين بفضل هؤلاء "الكفرة" الذين لا يؤمنون بأي شيء من غزو معظم بيوت العالم. فقد تباهى مسؤول صيني قبل فترة بأن الصين هي من تغزو العالم وليس أمريكا. وقد تحدى المسؤول الصيني الأمريكيين بأن يدخلوا ربع البيوت التي دخلها الصينيون بمنتجاتهم التي غزت أمريكا نفسها. ولا شك أن المسؤول محق في تفاخره، فقد وصل الأمر بالصينيين إلى تصنيع الأعلام الأمريكية التي تزين سطح البيت الأبيض، ناهيك عن أن فوانيس رمضان التي تملأ شوارع مصر الإسلامية مصنوعة في الصين. وحدث ولا حرج عن سجاجيد الصلاة التي يركع فوقها ملايين المسلمين في العالم، فقد صنعها "كفار" لا يؤمنون إلا بإتقان عملهم وتأدية واجباتهم على أكمل وجه. ولا داعي للتذكير بأن ألوف الهدايا التي يشتريها الحجاج المسلمون في مكةالمكرمة من مسابح وسجاجيد وتحف إسلامية وغيرها مكتوب عليها "صُنع في الصين". * والأنكى من ذلك أن البعض يعزو التقدم الذي حققته دولة ماليزيا "الإسلامية" ليس إلى الشعب الملاوي المسلم، بل إلى الصينيين الذين يشكلون شريحة لا باس بها من سكان ماليزيا. فلولا الصينيون غير المؤمنين لما سطع نجم ماليزيا في العالم حسب أصحاب الرأي أعلاه. * ولو توجهت إلى ثاني أكبر بلد في العالم ألا وهي الهند ستجد أن السواد الأعظم من سكانها يعبدون البقرة، مع ذلك فهم يتربعون على عرش صناعة برامج الكومبيوتر ومستلزماته في العالم. وقد اشتكى الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان قبل فترة من أن أمريكا ستسلم الهنود لاحقاً قصب السبق السيليكوني بعد أن انتقل "وادي السيليكون" الكومبيوتري إلى الهند. * بعبارة أخرى، فإن أكثر شعوب الأرض نهوضاً هي شعوب غير مؤمنة بالمقاييس الإسلامية. وحدث ولا حرج عن سادة العالم أنفسهم، وأقصد الغرب، فقد حقق كل انجازاته العلمية والتكنولوجية بعيداً عن الدين والإيمان. * أما نحن المسلمين فنمضي ثلاثة أرباع وقتنا في تصنيف الشعوب إلى كفار ومؤمنين وإصدار شهادات حسن سلوك إيمانية للبشرية، ناهيك عن تكفير بعضنا البعض حتى لو كان مسلماً يشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولو أمضينا عشر وقتنا في التعلم من "الكفار" الذين نستهلك بضائعهم وسلعهم من الإبرة حتى الطائرة لربما تخلصنا من بعض تخلفنا. * ليست هذه، بأي حال من الأحوال، دعوة للكفر والإلحاد، بل صرخة استنهاض لتوظيف ديننا الحنيف، كما وظفه المسلمون الأوائل، وحققوا من خلاله العزة والكرامة والمجد والسؤدد والنهضة. فكلنا يتذكر كيف غير المخترعون المسلمون الأوائل وجه العالم، بشهادة الغرب نفسه، من خلال اختراعاتهم الإسلامية العظيمة التي كانت الأساس الذي ارتكزت عليه الحضارة الحديثة، حتى لو حاول البعض تصوير عصر النهضة العباسي بأنه كان أقرب إلى العلمانية. * قد يجادل البعض أن ابن سينا، وهو من جهابذة علوم الطب، وصاحب المؤلف الشهير »القانون في الطب«، لم يكن مؤمناًً؛ وأن عمر الخيام الذي يُنسب إليه تطوير علم الجبر إلى آفاق غير متوقعة، وتعترف البشرية بفضله في حل معادلات الدرجة الثالثة والرابعة، ويعتبر من أكثر العلماء غزارة في مؤلفات الرياضيات، أنهى حياته مشككاً في كل ما تحمله الرواية الدينية من قوالب جاهزة؛ وأن أبا بكر الرازي وهو من أشهر علماء الطب كان على خلاف مرير مع المتدينين. لكن هذا لا ينفي أبداً الدور الهائل الذي لعبه الإسلام العظيم في النهضة العلمية والاقتصادية والتجارية والثقافية والعسكرية التي أنجزها المسلمون في العصرين الأموي والعباسي، وما قبلهما بقرون. * فلنعد إلى الإسلام العلمي التحرري النهضوي الاستشرافي الذي من شأنه ليس تخليصنا فقط من تخلفنا العلمي والصناعي، بل من الممكن أن يجعلنا نقود البشرية حضارياً، خاصة وأن الذين يقودون الآن دفة التقدم التكنولوجي والصناعي في العالم ليس لديهم مشروع حضاري يضاهي المشروع الإسلامي العظيم.