"الشرق" يأخذ دوره في الحرب على العملاق النائم...الوجه السافر للجنس الأصفر أحداث شينغ يانغ والتقتيل الجماعي للمسلمين الويغور ألحق الصين رسميا برهط الثمانية في هذه الحرب الشاملة المفتوحة على الإسلام والمسلمين، ليلزم النخب المسلمة على مراجعة عميقة في نظرتها للعلاقات الدولية ومقاييس الصداقات والموالاة، والبحث في المقدرات الذاتية عن أسباب تحقيق العزة والمناعة للمسلمين، والتخلص من وهم أسطورة حوار الحضارات، إلى أن يتوقف الآخر عن حوار المسلمين بلغة الرصاص والصواريخ، ويقلع عن شيطنة الإسلام والمسلمين. * القمع البوليسي الدموي الذي تعرض له المسلمون بمقاطعة "شينغ يانغ" الصينية، لم يكن مجرد فعل استبدادي لحكومة مركزية حديثة العهد بالأساليب الستالينية في قمع الأقليات، بل ظهر على حقيقته، كموقف عدائي من أقلية مسلمة لم تخضعها، لا الحقبة الشيوعية الماوية، ولا يبدوا أنها في الطريق إلى الاندماج في النموذج الليبرالي الجديد. * * مستوى القمع فاق ما تتطلبه ضرورة فرض الأمن، والسيطرة على احتكاكات عرقية بين الويغور المسلمين، وهم الأغلبية بإقليم شينغ يانغ، مع الأقلية من عرقية "الخان" المنتسبة للأغلبية المتحكمة في الصين الجديدة، فكان التدخل العنيف لقوى الأمن ضد المسلمين "الويغور" منحازا إلى الأقلية من الخان، لا يختلف في السياق العام عن السلوكيات العنصرية لشرطة الكيان الصهيوني في تعاملها مع عرب 48، أو مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي الجملة، لا يمكن للمسلمين عبر العالم أن يروا فيه سوى وجها آخر من استهتار القوى العظمى بالمسلمين حيثما كانوا. * * * الوجه السافر للجنس الأصفر * * الاشتباك المتواصل، بين المسلمين والقوى الغربية، كاد ينسينا أن العداء للمسلمين لم يكن حكرا على القوى الغربية. فقبل أن يدخل الأفغان في حرب مع الإمبراطورية الأمريكية وقوى حلف الناتو، خاضوا حربا تحريرية طويلة مع الإمبراطورية السوفييتية، ذهبت بالأخضر واليابس، وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، من النساء والأطفال والشيوخ، وأتت على ما عفا عنه الغزو البريطاني لهذا البلد المسلم، الذي وضعته الجغرافية في ممر الكر والفر بين الإمبراطوريات التوسعية. * * وتأتي أحداث إقليم "شينغ يانغ" لتكذب نبوءة صامويل هونتيغتن، الذي زعم أن الانفجار الكوني القادم سوف يكون بين الكتلة الكونفشيوسية الإسلامية والكتلة الغربية، ليكتشف المسلمون أن العدائية للإسلام لا دين لها، وهي تحيط بجغرافية العالم الإسلامي، كما تحيط بالإسلام والمسلمين حيثما وجد ووجدوا، وأنها عدائية متواصلة، متعددة الأوجه، ليست المواجهات الساخنة فيها سوى الجزء البارز من جبل الجليد، وأنه لا ينبغي للمسلمين، دولا كانوا أو شعوبا أو أقليات، أن يراهنوا على صداقات كاذبة، وحسن جوار مخادع من دول وأمم، ترى في الإسلام والمسلمين مصدر تهديد دائم، حتى حين يكون المسلمون في الدرك الأسفل من الضعف والهوان، وقلة الحيلة، وضعف الوسيلة، كما هم في أفغانستان والصومال، أو في إقليم "شينغ يانغ" الذي يخضع، منذ عقود، لعملية إعادة تغيير ديموغرافي لصالح عرقية الخان، على حساب السكان الأصليين من الويغور، والاستحواذ على ثروة هذا الإقليم الواسع، والغني بموارد الطاقة والمعادن الثمينة. * * * نفاق أسطوري يتاجر بصداقات كاذبة * * الصور القليلة التي تناقلتها الفضائيات، كشفت عن حالة البؤس التي يعاني منها المسلمون الويغور، في زمن تشهد فيه الصين نهضة صناعية واسعة، استفادت منها معظم الأقاليم. ورأينا كيف دخلت الصين، عبر بوابة الحرب على ما يسمى بالإرهاب، لممارسة ضغوط بوليسية متواصلة على الأقليات المسلمة، ومنها شعب الويغور، ودخلت، على غرار ما تفعله الدول الغربية، في حرب مفتوحة على مواطنيها المسلمين، بالتضييق عليهم في شعائرهم الدينية، وتفكيك الجمعيات الخيرية والثقافية والدينية تحت نفس الشعار الكاذب. وقد ظل هذا البعد يقود المواقف الرسمية للصين داخل مجلس الأمن، ودفع بها إلى المصادقة على الكثير من قرارات مجلس الأمن المعادية للمسلمين. * * لقد استطاع النفاق الصيني الأسطوري، الذي يطبع سياسة الإمبراطورية ما قبل وما بعد الثورة الماوية الشيوعية، استطاع أن يخدع الكثير من النخب المسلمة، التي طالما امتدحت الصداقة الصينية، كما أخطأت من قبل، ضمن منظمة دول عدم الانحياز، حيال الصداقة بين العرب والمسلمين والهند، قبل أن نكتشف الهند، كقوة عظمى ترابط على تخوم العالم الإسلامي بتهديد نووي لباكستان وما بعد باكستان، وتدخل في تحالف استراتيجي مع الولاياتالمتحدة والكيان الصهيوني، ولا نعلم هل ستتعامل مستقبلا مع الأقلية المسلمة الهندية الكبيرة كشريك في الوطن، أم تلحقها بإقليم كشمير المستعمر الذي، قاد إلى حربين مع باكستان، ويشكل بؤرة ساخنة لحرب بين بلدين نوويين. * * * قلب العالم بين يأجوج الشرق ومأجوج الغرب * * دخول الصين على الخط في هذا العداء العالمي للإسلام والمسلمين، في زمن تواجه فيه البشرية الحديثة أزمة حكم وإدارة للعلاقات الدولية، وغياب للبدائل بعد سقوط الشيوعية، وافتضاح أسطورة "نهاية التاريخ" التي تنكر لها صاحبها "فوكوياما" في الأسابيع الأولى من بداية الأزمة الاقتصادية، وسقوط أكذوبة العولمة الشاملة للاقتصاد والسياسة والثقافة، وحتى الفنون تحت راية القيم الليبرالية الغربية، دخول الصين على الخط كخصم، بل وكعدو يخشى جانبه على الإسلام والمسلمين، يملي على المسلمين الدخول في مراجعة عميقة لما ينبغي أن تكون عليه علاقاتهم مع الآخرين، آخذين بعين الاعتبار دروس التاريخ الحديث، وانكشاف عورة المسلمين بعد تفكيك الغرب للخلافة العثمانية، بوصفها آخر دولة إسلامية كبرى راعية للمسلمين. * * لا مراء أن الثلث الأخير من القرن العشرين يؤرخ، مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين، لبداية حرب شاملة على الإسلام والمسلمين، اتسعت رقعتها مع بداية القرن الواحد والعشرين، كما تعددت أوجهها وأساليبها، وليس في الأفق ما يدفع إلى الاعتقاد أنها آيلة إلى الانفراج. * * * حروب محدودة تخفي حقيقة الحرب الشاملة * * ما هو واضح للعيان، أننا لسنا أمام حرب واحدة، بل نعالج كمسلمين بتوليفة من الحروب الساخنة والباردة: حروب محلية وإقليمية على الشعوب أحيانا، وعلى الدول أحيانا أخرى. حروب بالعساكر والأسلحة، والاستعمال المفرط للقوة الصلبة البهيمية، وأخرى متواصلة تنفذها أدوات القوة الناعمة، عبر المؤسسات الدولية، ونظم التأديب والمقاطعة والحصار. حروب على المعتقد، تشترك فيها المؤسسات الدينية والمؤسسات الحكومية العلمانية، وسط تقسيم للعمل والمهام لم يعد يخدع أحدا، وأخرى تستهدف البشر من المؤمنين، ترافقها معارك متواصلة على القيم الإسلامية، وعلى التقاليد والعادات، مثل هذه المعارك السخيفة على الخمار، والفولار، والتشادور، والنقاب والبرقع، من عالم لا يستحي من عرض عورات حرائره، ورجاله، وحتى أطفاله، على شاشات التلفاز، ويحارب، باسم قيم الحرية، حرية المسلم والمسلمة في اختيار ملبسه ومآكله، حتى المؤسسات الدينية والخيرية لم تسلم، وباتت موضع شك وريبة، وتخضع لقوانين الغاب التي تسنها اليوم مجالس العموم والبرلمانات في العالم، لمحاربة الإسلام والمسلمين بحجة محاربة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله. * * تاريخ العلاقات الدولية، قد يحملنا على تفهم بعض الحروب الإمبراطورية بغاية السيطرة الجيو سياسية على بعض المواقع والمعابر المائية، وأخرى على الموارد والثروات، حملت النخب المسلمة على النظر إلى الحروب الصليبية كحروب امبريالية لملوك الفرنجة باسم الدين، وبنفس المنطق كتب تاريخ الحروب الاستعمارية حتى مع إفصاح الغزاة المستعمرين عن نواياهم التبشيرية المغلفة بأفكار التمدين والتنوير، وذهب البعض من العرب والمسلمين بهذا المنطق حد منح الغرب صكوك غفران لا تحصى، وبرأ ساحته من النوايا الدينية، إلى غاية أحداث 11 سبتمبر، التي كشفت المستور، وعرت طبيعة الحرب الشاملة على الإسلام، قبل أن تكون على المسلمين. وإن شئت فهي حرب على الإسلام بمحاربة المسلمين، أو حرب على المسلمين بمحاربة الإسلام، بل يراد لها أن تتحول إلى قتال بين المسلمين عبر الحرب المذهبية: سنة وشيعة، مالكية وإباضية، زيدية وأحناف، وحرب قوميات: عرب وأكراد، عرب وأمازيغ، فرس وبشتون وأوزبك، الجامع المشترك بينها، مواصلة سياسة تفكيك جسم الأمة الإسلامية، أو ما نجي منه من الحقبة الاستعمارية. * * * عالم سكيزوفريني يريد تطبيب المسلمين * * إلى ذلك، نشهد حربا فكرية ثقافية تعمل على جبهتين متناقضتين: جبهة محاربة البعد الأصولي في المجتمعات الإسلامية، أو ما يعتقد أنه كذلك، وأخرى تدار ضد تطلعات المجتمعات الإسلامية إلى الدخول في الحداثة من بوابة الموروث الإسلامي، ومثلها ما يجري من حملات منهجية لإفقار المجتمعات الإسلامية، وإنتاج موجات من الهجرات والنزوح، يقابلها على الضفة الأخرى حرب موازية، ذات وجه عنصري على ما يسمى بالهجرة السرية. * * وبنفس المنطق المعتل بحالة من "السكيزوفرينية" نشهد إدارة محكمة لمعارك، تحرض فيها الشعوب ضد الدول لضرب الاستقرار، وأخرى قائمة على تحريض الدول والنخب الحاكمة على الشعوب لضرب الشرعية، قبل ابتزاز الدول بملفات حقوق الإنسان الكاذبة. * * فنحن إذن، أمام توليفة واسعة من الحروب والصدامات، تشترك فيها الأقطاب الكبرى من الشرق والغرب، والقوى الإقليمية التابعة، بل وظفت لها معظم المنظمات الدولية، ولا يمكن لعاقل أن يتجاهل البعد الديني فيها، مع ما نراه من توحد كنائس النصارى ومعابد اليهود والبوذية والهندوسية مع كنائس الأصوليين من العلمانيين والليبراليين والاشتراكيين والشيوعيين، قادت إلى حالات تحاكي عصر محاكم التفتيش، وأزمنة القتل على الهوية، كما جرى قبل أسبوع في ألمانيا، في تلك الجريمة البربرية البشعة داخل قاعة المحكمة، ذهبت ضحيتها سيدة مصرية، ذنبها الوحيد أن حجابها لم يرق ذلك الفاشي الألماني، كما لم يرق الرئيس الفرنسي رؤية بضع عشرات من المسلمات المنقبات بشوارع باريس، فدعا برلمان فرنسا لتشريع يحرم النقاب في الشوارع بعد أن حرم الفولار في المدارس والإدارات. * * * أحفاد كونفيشيوس يكذبون الدعي هونتيغتنم * * غير أنه، وفي الغالب، نحن أمام حرب شاملة متداخلة الحلقات، تهدف إلى تحقيق غاية واحدة: منع هذا الكيان الإسلامي من تحقيق الاستفاقة، والوعي بذاته وقوته الكامنة، ودوره الريادي في عالم فقد البوصلة، وأصبح عاجزا عن إنتاج بدائل لإدارة العالم، ويخشى من عالم إسلامي، مرشح وحده لتقديم بديل حكم راشد وعادل للعالم، قد يغري الكثير من شعوب العالم، حتى مع هذا الكم الهائل من الصور النمطية التي يبثها الإعلام المهيمن، وتزكيها التشريعات والسياسات الرسمية للدول. * * فنحن أبعد ما نكون عن صدق نبوءة صامويل هونتيغتن بشأن صراع قادم بين الحضارات، يواجه فيه الغرب المسيحي تحالفا كونفشيوسي إسلامي، لسببين: الأول، أن الصين لم تعد كونفشيوسية منذ نصف قرن، ولأنها قد دخلت حلبة التنافس الإمبراطوري مع الغرب، وفق مقياس التناقضات الإمبريالية، كتلك التي سبقت الحربين العالمية، وقد اختفت التناقضات العقائدية مع الغرب، على خلاف استمرار التناقض الأصلي الكبير بين الإسلام والثقافات المعادية للسماء، ومنها هذه الليبرالية الغربية المنتكسة بالبشرية إلى مستنقع البهيمية الصرفة. فالصراع بين الغرب المهيمن والإسلام لم يكن، ولن يكون دينيا صرفا، بقدر ما هو صراع دائم وأشمل، بين القيم الإسلامية التي لا تقبل الخضوع والانسياق والذوبان مع أي مركب قيمي آخر. * * ولأن العالم الإسلامي كتلة متصلة جغرافيا، تحتل قلب العالم وتفصل شماله عن جنوبه، وتتحكم في أهم المعابر المائية الحيوية، وتختزن ثلاثة أرباع الاحتياطي العالمي من الطاقات الأحفورية، فإنها تمنع أي ترتيب لإدارة مركزية للعالم، حتى لو كانت من قبل نادي الثمانية الكبار، الذي سوف يتحول، إن عاجلا أم آجلا، إلى نادي لتسعة رهط، بعد انضمام الصين. * * * وخز بالإبر حتى لا يستيقظ النائم * * ولمن كان في قلبه مثقال ذرة من الشك، أو فاته الربط بين الأحداث العدائية المتعاقبة على الساحة الإسلامية، ينصح برصد بؤر الصراع الحية في العالم، من الساحل الشرقي للأطلسي غربا، إلى ما بعد جدار الصين شرقا، ومن الشيشان وأنغوشيا وبؤرة البلقان المسلمة في قلب أوروبا شمالا، إلى الفلبين وجنوب آسيا، وخط الصدع النفطي وسط إفريقيا جنوبا، قطعة واحدة من الأرض، تجري فوقها اليوم معارك، ومواجهات، وحروب إقليمية وأهلية، تحصد يوميا مئات القتلى من المسلمين، ناهيك عن خضوع البقية لأشكال أخرى من الحروب المنوه بها أعلاه. * * والحال، نكون أمام أحد الأمرين: إما أننا بصدد استفاقة لهذا الكيان الإسلامي بعد ثمانية قرون من بداية انحسار دوره الحضاري التاريخي بعد سقوط الأندلس، ومرور قرابة القرن على تفكيك آخر كيان سياسي، كان يحمي بيضة الإسلام على يد الخلفاء العثمانيين، فيكون لزاما علينا أن نتفهم هذه الحروب الإستباقية، من دول وشعوب، ربما تعي أكثر من المسلمين أنفسهم قوة هذا العفريت النائم، ساعة استكمال الاستفاقة، وتحقيق العودة إلى التاريخ. أو أن مجرد استعصاء الأمة الإسلامية على الترويض والانصهار في ثقافة الغالب، يكون كافيا لتبرير استمرار الآخر في معالجة المسلمين بحروب استباقية شاملة تشغل النائم في نفسه، وتقيده في حلقات مفرغة مسكونة بالكوابيس. * * * زمن إنجاب معتصم لنجدة حرائر المسلمين * * في زمن آخر، كان بوسع نسوة "الويغور" إطلاق صرخة " ومعتصماه" فيستجاب لهن، لكن مسلمي الصين، كما هم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، يعلمون أن الصرخة سوف تكون بواد لا صدى له. فلولا أن الويغور الصينيين، كانوا من أصول تركمانية، لما التفت إليهم رئيس الوزراء التركي آردوغان، الذي لم يتردد في وصف أحداث إقليم شينغ يانغ بالإبادة الجماعية، ودعا مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته. ومع ذلك يسجل لهؤلاء العثمانيين الجدد مواقف صلبة متعاقبة، تنسينا الرعونة التي ميزت مواقف القيادات العربية، التي تابعت مذبحة المسلمين بغزة دون أن تحرك ساكنا، وأرخت جناح الذل لآل بوش من قبل ومن بعد، ونراها تعرب عن مخاوفها من تنامي قوة جمهورية إيران الإسلامية، وتنزعج من عودة العثمانيين إلى أداء دورهم التاريخي بالإقليم. غير أن الشعوب المسلمة من عرب وعجم لا تخطئ مثل النخب، ولن تأمن على مستقبلها، وأمنها، وسيادتها، إلا مع تنامي قوة الدول القطرية مثل تركيا وإيران، في انتظار تنامي القناعة والوعي، بأن أمن المسلمين لن يتحقق إلا بإعادة بناء دولة للمسلمين، تحمي بيضة الإسلام، ولا يهان معها المسلمون.