"ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين فعدت إلى بلاد العرب فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام".. كلمة حق خالدة، قالها الخالد جمال الدين الأفغاني في استراحة محارب جاب كل الأمصار، وشخّص داء الأمة التي تمتلك كل مفاتيح الحضارة ولكنها تنوء عنها بجانبها لتواصل القطيعة مع تراثها الذي طبّقه غيرنا فسعدوا به، ونشقى نحن بالابتعاد عنه. * * * وكالة الأنباء النمساوية "أو.آر.إف" نقلت لنا خبرا عاديا بالنسبة لهذا البلد الأوروبي الذي تغنّت بلياليه الراحلة إسمهان منذ ستين عاما، مفاده أن محكمة نمساوية قضت مؤخرا بتغريم رئيس بلدية يدعى "جنيجلر" وسلفه ويدعى "هيرمان" بأزيد عن عشرين ألف أورو بسبب تعثر سائح ألماني كان يتجول في جسر ببلدية "أونتراخ" فوقع فأصيب في قدمه.. وتقبّل العمدة وسلفه العقاب الذي قد يعصف بمصير رئيس البلدية في الانتخابات المحلية القادمة، لأن الرجل لم يصلح الطريق للمواطنين النمساويين ولضيوفهم. لا يمكن لهذا الخبر أن يمر هكذا من دون تعليق على أمة الإسلام والعرب ونحن الجزائريين بالخصوص، لأننا نعلم أننا جاوزنا مرحلة التعثر والسقوط بسبب إهمال "أميارنا" إلى مرحلة الهلاك، وجاوزوا هم أي الأميار مرحلة اللامبالاة واللاهتمام بما يحدث من كوارث بسبب سوء تسييرهم إلى مرحلة تحميل الرعية كل المآسي. * صحيح أن الدانماركيين أساءوا للرسول الكريم عبر الكاريكاتير المخجل ولكن لا أحد ينفي بأن أكبر المسيئين للرسول الكريم هم بعض المسلمين في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. وصحيح أن الأمريكان والإسرائيليين عاثوا فسادا في العراق وفي أرض فلسطين، ولكن لا أحد ينفي بأننا نحن الذين مهدنا لهم الطريق لفعل ذلك.. إن لم نقل أننا نحن المحرضين والداعين لتنفيذ كل المخططات والراعين لها بأقوى الإيمان من مال ومعنويات. * كلنا نحفظ مقولة فاروق الأمة عندما قال "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يحاسبني الله، لأنني لم أصلح لها الطريق"، ونطالب غيرنا بتطبيقها. ونتابع الآن السلوك الحضاري لأمم أوروبية وأمريكية وآسياوية وحتى إفريقية وندرك أنه سلوكنا الذي ابتعدنا عنه وسعد به غيرنا، ومنهم أهل النمسا الذين لم نأخذ من سلوكاتهم سوى "ليالي الأنس في فيينا". * فأر هاجم سيدة حامل في منزلها في رمضان بسطيف فأجهضت دون أن يتحرك رئيس البلدية. والسيول قتلت في رمضان شابا أول أمس ببسكرة بسبب سوء الطريق دون أن يتحرك رئيس البلدية.. وعمود كهرباء عمومي أجهز في رمضان على طفل بتيزي وزو دون أن يتحرك رئيس البلدية.. والفيضانات حوّلت في رمضان فرحة انتظار العيد لعائلات النعامة والبيض إلى أحزان دون أن يتحرك رئيس البلدية.. وبالتأكيد لن نحلم أبدا بمقاضاة ولاة أمورنا الذين ينزلون للشارع طلبا للأصوات، ثم يحدثون القطيعة الكاملة مع الشعب، عفوا، بل إنهم لا يقاطعون الشعب وإنما يتورّطون وأحيانا يسعدون بتعذيبه. * الفاروق قالها منذ أربعة عشرة قرنا والنمساويون طبّقوها، وجمال الدين الأفغاني قالها منذ ثمانين عاما وكان صادقا.. فالدين والقيم هنا، والتطبيق هناك.