مدينة مرسيليا احتضنت مدينة مارسيليا الفرنسية أخيرا الطبعة السادسة عشر من "لقاءات ابن رشد" التي نظمت هذه السنة تحت عنوان "المتوسط..أوجه التراجيديا"، وانتهت بتنشيط ثلاث موائد مستديرة حضرتها جماهير غفيرة علمنا بأنها حجزت بطاقات دخولها أشهرا طويلة قبل الحدث. * * ينظم »فضاء الثقافة« لمدينة مارسيليا الفرنسية منذ ما لا يقل عن 16 سنة »لقاءات ابن رشد«، باقتراح وإشراف الفيلسوف الشهير تييري فابر، وتعتبر إحدى التظاهرات العشر الأكثر أهمية واستقطابا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. * وتبعا للعنوان الذي اختير للطبعة السادسة عشر من اللقاءات فقد احتضنت »حديقة شانو« ثلاث موائد مستديرة لتفكيك مفهوم التراجيديا، عموما ولرسم خطوط تواصله مع منطقة المتوسط، وكانت البداية في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، بمائدة حول »ميلاد التراجيديا« أدارها تييري فابر بنفسه ونشطها الفيلسوف اليوناني فاسيليس بابافاسيليو، الذي ساهم في تأسيس »الخشبة«، وهي أشهر فرقة للمسرح اليوناني إلى جانب اشتغاله بالتدريس في جامعة تيسالونيك، ونيابته لرئيس المركز الوطني للمسرح والرقص بأثينا. * وضمت المائدة المستديرة الأولى أيضا الكاتب اليوناني تاكيس تيودوروبولوس، الذي بدأ حياته العملية صحفيا ثقافيا قبل أن يتحوّل إلى أحد أشهر كتاب الرواية الجدد في اليونان، وقد اشتهر بثقافته الإغريقية الواسعة، إلى جانبه جلست المختصة الفرنسية في فلسفة اليونان القديمة، الفرنسية باربارا كاسين، الدكتورة في الفلسفة والآداب ومديرة البحث في المركز الوطني للبحث العلمي بباريس. * وعن علاقة التراجيديا بالغيب وال »ما وراء«، وتأثيرها في تطور المفاهيم داخل الأديان السماوية، نظمت ثاني الموائد المستديرة تحت عنوان »الله والتراجيديا«، أدارتها دومينيك روسي، من إذاعة »فرانس كيلتير«، ونشطها كل من المفكر المصري محمود حسين، وهو اسم الشهرة المشترك للمفكرين بهجت النادي وعادل رفعت، الحاملان لشهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة السياسية وسبق لهما العمل في الأمانة الدائمة لليونسكو بين 1978 و1998، ومن أشهر أعمالهما كتابهما الصادر أخيرا تحت عنوان »تفكير القرآن«. * إلى جانب محمود حسين ضمت المائدة كلا من جون كريستوف آتياس، مدير الدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا في جامعة السوربون، والمختص في الفكر اليهودي القرأوسطي، والذي أصدر أخيرا كتابا يحمل عنوان »قاموس العوالم اليهودية«، إضافة إلى الملحق الثقافي بسفارة فرنسا في العاصمة الألمانية بون، ميشال غيران والمختص في تاريخ الفكر المسيحي. * واختتمت الطبعة السادسة عشر من »لقاءات ابن رشد« بمائدة مستديرة حول موضوع »الحروب والإرهاب..تراجيديا معاصرة«، أدارها من »فرانس كيلتير« إيمانويل فلورونتان، ونشطها كل من الباحث الفرنسي ستيفان أوندوان روزو ، المؤرخ وأحد أكبر المختصين في الحرب العالمية الأولى، وعالم الاجتماع الإيطالي جوليانو دا أمبولي، مؤسس ومدير المجلة السياسية »زيرو« إلى جانب المفكر الإيراني فرهاد خوسكوكافار، الأستاذ بمدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس ومدير الدراسات بمركز التحاليل والتدخلات السوسيولوجية ومن أشهر مؤلفاته »المسلمون في سجون بريطانيا وفرنسا« و»عندما تتكلم القاعدة«. * وتميزت المائدة المستديرة الأخيرة بنقاش حاد فرضته القاعة في شكل عتاب للمنشطين الذين أسهبوا في تفكيك حواشي ظاهرة العنف التي اجتاحت العالم في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، دون وضع الأصبع على أسبابه الحقيقية كالكولونيالية والنظرة التوسعية للدول الكبرى وغياب العدالة الاقتصادية بين الدول وداخل الدولة الواحدة. * من جهة أخرى خصص منظمو »لقاءات ابن رشد« أمسية الخميس 26 نوفمبر لتكريم الفيلسوف الفرنسي الشهير برونو إيتيان، حيث استقبلت قاعة مقر منطقة »باكا« بحضور رئيسها ميشال فوزال، أحباب وتلاميذ الراحل الذي اشتهر بعشقه للأمير عبد القادر ودفاعه المستميت على حقوق الأقليات بفرنسا * ومساهمته في الترويج إلى ضرورة إعادة بناء جسور التواصل الثقافي بين ضفتي المتوسط. * وإذا كانت الموائد المستديرة تمثل ذروة »لقاءات ابن رشد«، إلا أن هامش التظاهرة كان ثريا بالنشاطات الفنية والأدبية كان من أنجحها معرض لعالم الاجتماع الفرنسي الكبير والراحل، بيار بورديو، يحمل عنوان »صور من الجزائر«. * للإشارة فإن مجموعة العمل في »فضاء الثقافة« بمارسيليا، بالتعاون مع الفيلسوف تييري فابر، تسعى جاهدة لإعادة »لقاءات ابن رشد« إلى الجزائر بعد تجربة أولى تلتها القطيعة، خاصة وأن المغامرة في الرباط المغربية عرفت نجاحا كبيرا يستعد المنظمون بفضله لإطلاق الدورة الثانية في ماي القادم.