كريستيان برومبارجي أخشى من مباراة بين الجزائروفرنسا في المونديال لأنها ستوقظ العفاريت النائمة يتحدث عالم الأعراق الفرنسي الشهير، البروفيسور كريستيان برومبارجي، في حوار مع "الشروق"، التي التقته على هامش الطبعة السادسة عشر من لقاءات ابن رشد بمدينة مارسيليا الفرنسية، عن الرهانات الجيوسياسية لمباراة مصر والجزائر و " التي لا تشعر بها الجماهير " ، فهو يرى بأن " اللقاء كان في الحقيقية بين جزائر عانت في التسعينيات من أزمة قاتلة، وتعيد اليوم اكتشاف وطنيتها وبين مصر التي تريد أن تحصل عبر كرة القدم ما فشلت في الحصول عليه بالسياسة والتاريخ " * * وكريستيان برومبارجي هو أحد أشهر علماء الأعراق والاجتماع في فرنسا وأوروبا، فهو أستاذ بجامعة بروفانس وعضو أساسي بمعهد فرنسا الجامعي، وقد اشتهر بتخصصه في التفكيك السوسيولوجي لظاهرة كرة القدم، ومن أشهر أعماله في هذا المجال "كرة القدم..التفاهة الأكثر جدية في العالم" الصادر سنة 2004 عن منشورات "بوكيت آغورا"، و " تسلل .. كرة القدم والمجتمع " الصادر عن دار " أنفوليو " سنة 2008 . * ألا تعتقدون بأن كرة القدم تحوّلت إلى ظاهرة خطيرة، خاصة بعد الذي حدث في مباراة مصر والجزائر؟ * عندما نبحث اليوم عن رموز الهوية والوحدة الوطنيتين لأي دولة، فإننا سنجد بأن المنتخب الوطني لكرة القدم يحتل مكانة مهمة، ولنأخذ مثلا النموذج الفرنسي، ما هي رموز الوحدة الوطنية في هذا البلد؟، هناك لم نعد نحتفل فعليا ب 14 جويلية، وحتى الذكريات التي تمثل المحطات الكبرى في تاريخ فرنسا، وحتى وإن كنا نحتفل بها رسميا، غير أن الناس يغتنمون الفرصة لزيارة عائلاتهم والاستجمام، لتبقى مباريات كرة القدم هي الموعد الوحيد الذي يعطيك الإحساس بأن معالم الوحدة ما زالت موجودة في الشعب الفرنسي، حتى وإن كانت نتائج الديكة دون تطلعات مشجعيه، فبمناسبتها نردد معا النشيد الوطني ونعبّر عن حب الوطن والافتخار بالانتماء إليه، وفي أحيان كثيرة بطرق متطرفة ومبالغ فيها. وعندما يتعلق الأمر ببلدين مثل مصر والجزائر فإن المشكل يصبح خاصا نوعا ما، فمثلا لو أنكم سألتموني قبل 30 سنة عن البلد الذي يتزّعم العالم العربي وعن عاصمة هذا الأخير؟ لأجبتكم بدون تردد بأنها مصر والقاهرة، أما لو أنكم طرحتم اليوم علي نفس السؤال لما عرفت بماذا أجيب..هل هي دبي أم الرياض أم الجزائر؟ وهل هي طهران أم أنقرة بالنسبة للعالم الإسلامي؟ ومن هنا جاءت الرهانات الجيوسياسية لتلك المباراة، حتى وإن كانت الجماهير لا تشعر بها، فالجزائر مثلا، التي عانت في التسعينيات من أزمة قاتلة، تعيد اليوم اكتشاف وطنيتها، وبأن الحياة فيها لم تعد بالصعوبة التي عرفتها في تلك العشرية الحمراء، بالإضافة إلى الظواهر الأخرى المرتبطة بكرة القدم، والمتمثلة في فعل كل شيء من أجل إفقاد المنافس تركيزه وضرب استقراره، قد يكون ذلك بالكلام أو بالإشارة أو حتى بإلقاء الحجارة على اللاعبين، وبالصراخ تحت الفندق من أجل منع هؤلاء من النوم والاستعداد الجيد للمباراة . فكرة القدم رياضة خاصة جدا، وهي ليست كالمسرح أو السينما، حيث المشاهد محددة ومعروفة مسبقا، أما في الرياضة عموما وكرة القدم بصفة خاصة، فإن المتفرّجين يشعرون بأن لهم دور في تحديد مصير المباراة، وفي توجيه مجرياتها، وعليه فإن المشجع في مباراة كرة القدم يعلم بأنه ليس متفرج فقط، ولكنه أحد أبطال الفرجة، وعليه فإنه سيفعل كل شيء من أجل الدفع بفريقه إلى الفوز وقد يتجاوز ذلك في بعض الأحيان حدود المعقول والمسموح به. وأعود إلى الجزائر التي اغتنمت فرصة المباراة مع مصر لتثأر من فضيحة مونديال 82 الذي أخرجت منه بعد مؤامرة الألمان والنمساويين وللظلم الذي منعت بسببه من التأهل إلى مونديال 90 في مباراة العودة بالقاهرة .. إن هذه الخلطة بين الرهانات الرياضية والرهانات الجيوسياسية عادة ما تعطي نتائج خطيرة جدا . * * ألا تعتقدون بأن المباراة بين مصر والجزائر مثلت نهاية الزعامة المصرية وبداية ما يمكن أن يكون في المستقبل زعامة جزائرية للوطن العربي؟ * يحمل سؤالكم الكثير من الحقيقة، فرد الفعل المصري جاء أيضا نتيجة لذلك، فعادة ما تجدون بأن الشعوب التي تهتم بمنتخباتها الوطنية بشكل خاص فإنها تريد أن تثأر لتاريخ كتب بشكل خاطئ، وهذا الذي حدث بين مصر والجزائر، وهنا يمكن أن نعطي العديد من الأمثلة فإن مدينة مارسيليا مثلا التي كان عندها تاريخ كبير تعيش اليوم أزمة خانقة وهو ما دفع بمشجعيها إلى الالتفاف حول ناديها، ونفس الشيء بالنسبة لمدينتين ك ليفربول الإنجليزية ونابولي الإيطالية، وعليه فإن مصر تريد أن تحصل بكرة القدم ما فشلت في الحصول عليه بالسياسة والتاريخ، خاصة وأنها كانت في عهد عبد الناصر عاصمة للعرب ومنذ عشرين سنة تقريبا لم تعد كذلك . * * قبل إجراء قرعة مونديال 2010 تمنى الكثير من الجزائريين الوقوع في نفس المجموعة مع فرنسا .. كيف كنت ستقيّم وضعا كهذا؟ * فعلا، الرمزية هنا قوية جدا، وتذكروا معي مباراة فرنساالجزائر في2001، حين خرج الآلاف من المشجعين للتظاهر، وهنا أدعو المحلّلين إلى توخي الحذر في ترجمة هذا السلوك، فهؤلاء كانوا مناصرين جزائريين ومناصرين فرنسيين من أصول جزائرية، وعليه فإن الذي دفعهم إلى الخروج هو شعورهم بأن مشروع الإدماج الفرنسي قد باء بالفشل، كما أن الذي حدث في تلك المباراة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن مخلفات التواجد الكولونيالي الفرنسي في الجزائر لا زالت موجودة إلى اليوم، وما زالت تؤثر بشكل كبير ومباشر في ردود فعل الأشخاص والجماعات، * ولهذا فإن أي مباراة بين الجزائروفرنسا ستكون محطة للتعبير عن حالة التوتر في العلاقات بين البلدين وبين الشعبين، وهنا أتذكر ما حدث بين فرنسا وألمانيا في مباراة النصف النهائي للمونديال الإسباني، طبعا هي ليست نفس العلاقة،ولكنني أتذكر بأن العلاقات بين البلدين حينها كان يشوبها الكثير من التوتر، وبصراحة فنحن الفرنسيين لم نكن حينها نحب الألمان، وعليه فإن الماضي كان ولا يزال يخيّم على العلاقات بين البلدين، وهو ما أثر بشكل مباشر على مجريات تلك المباراة . * * بالرغم من ضآلته إلا أن احتمال أن تلتقي الجزائربفرنسا في جنوب إفريقيا وارد؟ * أفضل أن لا تكون هذه المباراة لأنني أخشى من أن توقظ الوحوش النائمة . * * نوافذ للحوار * لو أنكم سألتموني قبل 30 سنة عن البلد الذي يتزعم العالم العربي؟ لأجبتكم بدون تردد بأنها مصر، أما لو أنكم طرحتم اليوم علي نفس السؤال لما عرفت بماذا أجيب..هل هي دبي أم الرياض أم الجزائر؟ وهل هي طهران أم أنقرة بالنسبة للعالم الإسلامي؟ * الجزائر التي اغتنمت فرصة المباراة مع مصر لتثأر من فضيحة مونديال 82 الذي أخرجت منه بعد مؤامرة الألمان والنمساويين وللظلم الذي منعت بسببه من التأهل إلى مونديال 90 في مباراة العودة بالقاهرة . * مخلفات التواجد الكولونيالي الفرنسي في الجزائر لا زالت موجودة إلى اليوم * وما زالت تؤثر بشكل كبير في ردود فعل الأشخاص والجماعات، ولهذا فإن أي مباراة بين الجزائروفرنسا ستكون محطة للتعبير عن حالة التوتر في العلاقات بين البلدين .