دخلنا الآن اليوم العشرين منذ 18 نوفمبر الذي جرت فيه مواجهة الكرة بين الجزائر ومصر وأسفرت عن تأهل المنتخب الجزائري للمونديال، ومع ذلك مازالت دكاكين الفتنة تنفخ في "كيرها" الذي يبدو أنه تحول إلى سياسة قائمة بذاتها، ولم يكن أبدا مجرد امتصاص لغضب جماهيري مصري أو مجرد خيبة سياسية بعد إجهاض واحدة من أهم فرص تطبيق مشروع توريث الحكم من الأب الذي أنهكته السنون إلى الإبن الذي لم يكن له من مشروع تنموي غير أفراح كروية . دعونا نكون مصريين حتى النخاع ولو للحظة.. * * بل دعونا نكون طرفا مع دكاكين الفتنة من فضائيات وقنوات وأقلام مصرية، ونصدق كل ما تقوله هاته الدكاكين ولو للحظة.. دعونا نصدق أن لاعبي المنتخب الجزائري بعد وصولهم إلى * القاهرة هم الذين نطحوا جباههم بزجاج الحافلة، واستقدموا من إيطاليا الحجارة وقارورات الدم لأجل التمثيل على المصريين "الطيبين".. ودعونا نصدق أن الجزائريين في القاهرة هم الذين ضربوا بعضهم برغم حفاوة الاستقبال المصري "الحضاري جدا؟".. ودعونا نصدق أن الشروق اليومي هي التي بدأت حربها الإعلامية ضد عشرات الفضائيات "المهنية جدا" دون أن ترد ولو بكلمة تسيء للجزائر.. ودعونا نصدق أن مثقفي الجزائر وساستهم الذين ظلموا مصر "المحروسة".. ودعونا نصدق أن الذين ذهبوا إلى الخرطوم من الجزائريين كانوا "بلطجية" و"خريجي سجون" و"شياطين" اصطفوا في شوارع الخرطوم وضربوا وأهانوا "ملائكة" مصر من دون أن ينقل واحد منهم إلى المستشفى، ودون سقوط ضحية واحدة.. دعونا نصدق كل ما يأتينا من عندهم، ونكذّب كل ما يأتي من عندنا "للحظة فقط".. هل تستحق هاته الأحداث حسب الرواية المصرية و"زيادة" من عندنا، أن يبقى الإعلام المصري لا همّ له سوى الجزائر التي قرر الآن أن يكتب لها تاريخا جديدا يعدّ فيه شهداءنا حسب هواه، ويتحوّل إلى نفساني يشرّح طبيعة الإنسان الجزائري، ودبلوماسي يطالب بقطع الصلة مع دولة قرر أن يجعلها بؤرة للشر بدلا عن إسرائيل.. دعونا نصدق كل الروايات المصرية ونرمي رواياتنا التي كلها بالبراهين المصورة، ومع ذلك لن نتمكن من فهم ما تريده هاته الأبواق التي لم تبق إعلامية، بل عجنت رداءتها بالكثير من السياسة والثقافة والدين ونبض الشارع، فتعفنت الأمور وصارت العودة إلى ما قبل 18 نوفمبر أشبه بالجنون بالنسبة لنا، لأننا أمة لم تتورط أبدا في ممارسة "النفاق الإعلامي والشعبي" الذي يظهر بلون في الصباح وبألوان أخرى في المساء.. بل دعونا نصدق أننا نحن أسباب كل مشاكل المعمورة من آلاسكا إلى سنغافورة، ومن الانحباس الحراري إلى أنفلونزا الخنازير.. هل يستحق كل هذا عشرين يوما من اللعاب والحبر واحمرار الوجه وحرق الأعصاب في كلام بذيء لم يحدث له مثيل في التاريخ .. * والآن دعونا مرة واحدة نصدق التاريخ الذي كتبه المصريون أنفسهم.. ففي حرب العدوان الثلاثي على مصر في شتاء 1956 لم تزد "المناوشات" المصرية مع المعتدين عن أربعة أيام وأعلنت الهدنة حتى الإعلامية منها، وفي نكسة 1967 أصبحت مصر نفسها تسمي تلك المواجهة مع إسرائيل بحرب الستة أيام وأعلنت بعد الهزيمة النكراء الهدنة حتى الإعلامية منها، وفي حرب العبور في أكتوبر 1973 لم تزد المعارك عن الأسبوعين، حيث بدأ العبور في السادس من أكتوبر وطالبت مصر بالهدنة في 23 من ذات الشهر، بينما لا تبدو لهاته الحرب القذرة على الجزائر نهاية.. نحن الآن نصدقكم للحظة .. فأرجوكم صدقوا أنفسكم للحظات