ماذا فهمتم من صورة مدرب مصري وهو يلوّح بالقرآن الطاهر عندما سجل لاعبه في مرمى الجزائر؟ وماذا فهمتم من تعاليق اللاعبين والإعلاميين وهم يقولون إن مصر استردت كرامتها بعد فوزها على الجزائر في بانغيلا ؟.. * وماذا فهمتم من إعلام يختزل الكرامة ونصر الله في ربح مباراة كروية صنعتها أقدام لاعبي كرة وليست سواعد العمال والفلاحين أو عقول العلماء والعباقرة، وتتكرر هذه التصريحات "البلهاء" لأناس نصبّوا أنفسهم جنودا ورموزا يعيدون كرامة أمة بأرجلهم بعد أن ضاعت ذات الكرامة بأرجلهم أيضا .. وعندما يتحد نجوم دولة مع إعلامها في اختزال كرامة أمة ورسالة ربانية في جلد منفوخ فإننا نكون قد وصلنا إلى مرحلة الموت الكلينيكي الذي لا ينقصه سوى الدفن لنعلن عن وفاة العرب الذي تساءل المرحوم نزار قباني في قصيدته الشهيرة عن سبب تأخر الإعلان عنه "متى يعلن عن وفاة العرب؟" وهي القصيدة التي منعت نزار من دخول مصر. * هل تغير معنى كلمة "كرامة" في المنجد العربي؟ وهل تغير معنى نصرالله في الدين الإسلامي؟ وهل أصبحت هزيمة في كرة القدم تهدر الكرامة؟ والنصر فيها يجرنا لرفع المصحف الشريف الذي هو مرفوع من دون أن نشهره أمام الكاميرات العالمية .. وإذا قسنا على هذا المنوال فإن كل شعوب العالم مهدورة الكرامة مادامت الخسائر الكروية من قانون اللعبة لأنه لا يوجد فريق لم ينهزم أبدا ..وإذا أخذنا بالرواية المصرية التي تحدثت عن اعتداءات جزائرية على أنصار الفراعنة في الخرطوم من دون قتلى ولا جرحى واعتبرنا ما حدث مرادفا لإهدار الكرامة وجرحها فمعنى ذلك أن مصر فقدت نهائيا كرامتها إذا تحدثنا عن ما يعانيه البسطاء من المصريين من إهانات في المهجر وهم في رحلة البحث عن "لقمة العيش" .. وإذا اعتبرنا أن الله كان مع مصر بفوزها أمام الجزائر فمعنى ذلك أنه لم يكن معها في كل هزائمها الكروية التي لا تعد ولا تحصى. * إن إعطاء مباراة كروية من المفروض أن تنتهي مع صافرة النهاية هذه الأبعاد النفسية والوطنية والعقائدية هو الذي أخلط الأمور على المصريين، فلم يعودوا يفرقوا ما بين الشقيق والعدو ومابين الخير والشر ومابين المواطن الصالح والطالح وحتى مابين المسلم واليهودي وهم الذين حولوا شحاتة سهرة الخميس بطلا قوميا وبقي العلماء من أمثال وجدي غنيم أو حامد أبوزيد أوسعدالله إبراهيم ضد القانون، وهم الذين حوّلوا الجزائر بعد أن فازت في ملحمة الخرطوم إلى عدو تاريخي ولم يفعلوا مع إسرائيل الفائزة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا، وأصبح الخروج من كأس العالم نكسة وطنية ولم يصبح جوع الملايين أكثر من حادث عابر.. ألا يعتبر هذا انزلاقا حضاريا مع سبق الإصرار والترصد؟ * لقد خسرت مصر حروبا عسكرية أمام العدو الدائم للعرب والمسلمين في العدوان الثلاثي عام 1956 وفي نكسة 1967 وحتى في حرب العبور عام 1973 ولا أحد تحدث عن الكرامة المهدورة لأن الحرب سجال، يوم لك ويوم عليك.. وخسرت مصر حروبا اقتصادية عجزت فيها عن توفير "العيش" لمواطنيها فلجأت للتنازلات من بيع الغاز لإسرائيل والسكوت عن حروب إبادة في المنطقة، في العراق ولبنان وغزة مقابل مساعدات أمريكية ولا أحد تحدث عن الكرامة المهدورة لأن الوثبة الإقتصادية ممكنة في أي لحظة .. وخسرت مصر حروبا سياسية عجزت فيها عن إقناع العدو قبل الصديق عن الجدار العازل الذي شيدته لحرمان الفلسطينيين من الهواء ولا أحد تحدث عن الكرامة المهدورة .. وخسرت مصر حروبا اجتماعية فصار الآلاف من أبناء الكنانة يرتبطون بيهوديات بحثا عن "الحياة" ولا أحد تحدث عن الكرامة المهدورة .. والآن وبسبب خسارة كروية في الخرطوم وفوز في بانغيلا تصبح الكرامة والدين الحنيف لعبة تقذفها الأقدام.