تصوير : يونس أوبعيش إلى أين وصل إضراب ممارسي الصحة العمومية؟ وهل يعني عدم رضوخ الوزارة الوصية لمطالبهم أن إضرابهم باء بالفشل؟ ولماذا لم تتحرك الوزارة بعد شهرين من إضرابهم؟ ما ذنب المرضى ممن لا يزالون ينتظرون دورهم في طابور المواعيد الطبية؟ هل فعلا يحتجزهم الأطباء كرهائن مقابل مطالبهم؟ * وما هي المطالب العاجلة التي حركت الأطباء وممارسي الصحة؟ هل فعلا أن مهنة الطبيب في الجزائر "شيعة بلا شبعة"؟ وهل يعقل أن يتقاضى طبيب قضى 12 سنة من عمره بين مدرجات الجامعة مبلغ المليون؟ من نلوم الوزارة التي أنساها هم أنفلونزا الخنازير إضراب الأطباء أم نلوم الأطباء ممن أنستهم همومهم أن هناك مرضى ينتظرونهم؟ ... كل هذه الأسئلة وأخرى يجيب عنها بدون تحفظ مسؤولو نقابات القطاع في منتدى "الشروق اليومي". * * أجور في الحضيض وواقع مر بعد التخرج من الجامعة * * قال يوسفي ومرابط إن " السلطات تعطي أسوأ مثال للأجيال القادمة، وأن الكفاءات التي تتخرج من الجامعة في قطاع الطب تصطدم بالواقع المر في المستشفيات... الطلبة الأوائل في البكالوريا كلهم يوجهون للتخصصات الطبية وعندما يتخرّجون كأطباء ويرون الأجور الزهيدة التي يتقاضونها بعد 12 سنة من الدراسة والكفاح يصابون بصدمة". وجزم يوسفي ومرابط بأن"الأطباء في الجزائر شيعة بلا شبعة وإسم طبيب مجرد لقب"... "لا نفهم لماذا تشترط الحكومة على الطلبة الحصول على معدلات عالية في البكالوريا للالتحاق بكليات الطب... إذا كان هذا هو وضع الأطباء". * وأضافا: "نحن نتحصل على البكالوريا زائد 12 سنة دراسة جامعية، منها 7 سنوات لنصبح أطباء عامين، و5 سنوات إضافية للطبيب الأخصائي، ثم نقضي عامين آخرين في الخدمة الوطنية، ونلتحق بالعمل وعمرنا يتجاوز 30 سنة، لنتقاضى راتبا ب45000 دينار... هل هذا هو الطبيب الذي تحصل على معدل عالٍ في البكالوريا ودرس 12 سنة في الجامعة ليصبح طبيبا"؟! * وقال المتحدثان في تصريحات، خلال منتدى "الشروق"، أن راتب الأطباء العامين المبتدئين يتراوح بين 28000 دينار و32000 دينار، وبعد نهاية مسارهم المهني بعد 32 سنة من العمل يصل راتبهم إلى 47000 دينار، وذلك باحتساب الزيادة التي استفادوا منها بموجب القانون الأساسي والتي تقدر ب3000 دينار"... "وأجر الطبيب الأخصائي المبتدئ يتراوح بين 37000 دينار إلى 38000 دينار، مهما كان اختصاصه الطبي، وينتهي مساره المهني بعد 32 سنة عند أجر قدره 50000 إلى 52000 دينار، وإذا فاز في مسابقات التدرج وتمكن من الصعود إلى الدرجة الثالثة في السلم، والتي لا يصل إليها، إلا القلة القليلة من الأطباء، ينتهي مساره المهني براتب يتراوح ما بين 70000 دينار إلى 80000 دينار"... "الأطباء النفسانيون المبتدئون يتقاضون 20000 دينار وعند نهاية مسارهم المهني يتقاضون 35000 دينار"... "جراحو الأسنان والصيادلة المبتدئون يتقاضون 28000 دينار وبعد 32 سنة يحالون للتقاعد براتب قدره 42000 دينار، وذلك باحتساب الزيادة التي استفاد منها هؤلاء الأطباء والممارسون في القوانين الأساسية الأخيرة، والتي تقدر ب200 دينار لجراح الأسنان والصيدلي، 3000 دينار للطبيب العام، و4200 دينار للطبيب الأخصائيين"... وأقصى أجر هو راتب رئيس المصلحة بصفته منصبا عاليا، حيث يتقاضى 10 ملايين وعدد هؤلاء قليل جدا مقارنة مع الأطباء، في وقت تساوي أجور الأطباء في المغرب 6 أضعاف أجور أطباء الجزائر، وأجور أطباء تونس تساوي 5 أضعاف أجور الأطباء الجزائر. * * 4000 طبيب يعملون بعقود ما قبل التشغيل مقابل مليون سنتيم * * قال رئيس النقابة الوطنية للممارسين الطبيين، إلياس مرابط، "إن 4000 طبيب يعملون في المستشفيات بصيغة عقود ما قبل التشغيل، بعضهم في بداية العقد وبعضهم في نهاية العقد وسيحالون على البطالة. ويتقاضى هؤلاء راتبا شهريا قدره 10000 دينار من أصل 30 ألف طبيب وممارس أخصائي عبر الوطن... هذا مخزي جدا... حتى الذين تحصلوا على عقود ما قبل التشغيل تحصلوا عليها وباستعمال علاقاتهم الشخصية، وأحيانا يصل الأمر إلى حد مساومة الطبيبات في شرفهن... ثلاثة أرباع الأطباء الذين يعملون بعقود ما قبل التشغيل هنّ طبيبات، يعانين من مساومات لإدماجهن". * * رؤساء نقابات الصحة * 90 بالمائة من الأطباء يهربون من المداومات الليلية * * اعترف كل من رئيس نقابة الأطباء الأخصائيين الدكتور محمد يوسفي إلى جانب رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط، بوجود ما يسمى بلوبي المآزر البيضاء من أطباء، من بينهم رؤساء مصالح يعملون على نزيف المرضى من المستشفيات العمومية وتهريبهم نحو العيادات الخاصة لإجراء عمليات جراحية يمكن أن تجرى في مواعيدها. * قال الدكتور يوسفي إن أطباء يسألون مرضاهم وهم على فراش المرض في سرير المستشفى العمومي بقولهم: * "هل تحتاجون إلى عملية جراحية وتنتظرون 06 أشهر لإجرائها في المستشفى، أم تنقلون إلى عيادتي الخاصة لإجرائها لكم مقابل مبلغ معين". * وقال حضور ندوة "الشروق" إن هؤلاء الأطباء من الذين يمارسون النشاط التكميلي داخل المستشفيات العمومية هم من حولوا المستشفى إلى نشاط تكميلي بعد أن أصبحت عياداتهم الخاصة لها الأولوية الأولى والأخيرة، واصفا إياهم بأنهم كمن يضع رجلا في عيادة خاصة وأخرى في مستشفى عمومي. * واستنكر الدكتور محمد يوسفي الظاهرة قائلا: "إن مثل هذه الأعمال تعتبر جريمة في حق مهنة الطب"، لكن الحضور حملوا مسؤولية الظاهرة للوزارة الوصية، كون الطبيب الأخصائي الذي أفنى حياته في الدراسة يجد في النهاية نفسه يتقاضى راتبا لا يفوق 45 ألف دينار. * وأكد الدكتور يوسفي عن وجود إمكانات مادية وتقنية في الكثير من المستشفيات قائلا: "المشكلة ليست مشكلة سكانير أو جهاز، وإنما مشكلة طبيب يريد أن يكسب أكثر لأن الدولة حرمته من أجره القانوني ولم توفر له ظروف ممارسة المهنة." * هذا وتطرق الحضور إلى قضية أخرى كاشفين النقاب عن ضعف التكوين والمستوى لطلبة الطب، حيث كشف الحضور عن وجود رؤساء مصالح وأطباء استشفائيين يحرمون طلبة الطب من إجراء عمليات جراحية لتحويلها إلى عياداتهم الخاصة. * وأكد الدكتور يوسفي أن بعض خريجي الجامعات ورغم أنهم استكملوا دراستهم يخافون من إجراء عملية جراحية، لأنهم لم يتمرسوا على ذلك بما فيه الكفاية. * هذا ومن جهة أخرى كشف كل من الدكتور محمد يوسفي رئيس النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين في ندوة "الشروق" "أن ما نسبته 90 بالمائة من الأطباء يهربون من المداومة الليلية، معترفا بوجود مستشفيات شاغرة من الأطباء في ساعة متأخرة من الليل قد تتوقف فيها حياة الكثيرين من المرضى بسبب انخفاض المقابل المادي نظير المداومة والذي يقدر ب 620 دينار، وهو الأمر الذي لا يحفز لا الطبيب ولا ممارسي الصحة من أجل المكوث ليلا إلى جانب المرضى، لهذا غالبا لا يجد المرضى والمواطنون في استقبالهم ليلا سوى الممرضين أو عاملات النظافة، والمسؤولية تتحملها الوزارة المعنية، فكيف يمكن أن نكافئ من يسهر على صحة المريض بمنحة تقدر ب 620 دينار فهل يعقل هذا لمن سهر الليالي وقضى12 سنة على مقاعد الدراسة..!؟" * كما تطرق الحضور إلى مشكلة هجرة الأطباء نحو الخارج، حيث حملوا المسؤولية إلى الإدارة والجهات المعنية بسبب الأجور، فكيف يصمد الطبيب أمام إغراءات القطاع الخاص والخارج مقابل بقشيش الوظيف العمومي في مستشفيات أصبحت تكتظ بالمرضى والفوضى العارمة. * * وزارة الصحة خصمت 9000 دينار من أجور ممارسي الصحة العمومية * "إضرابنا لن يتوقف حتى وإن استمرت الوزارة في سياسة تجويعنا" * * صرح كل من رئيس نقابة الأطباء الأخصائيين الدكتور محمد يوسفي إلى جانب رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط أن استمرار النقابيتن في إضرابهما المفتوح عن العمل يستمر حتى وإن واصلت الوزارة الوصية سياسة تجويع الأطباء بالاقتطاعات من الأجور، وقال الدكتور محمد يوسفي إن الوزارة الوصية قامت بخصم مبالغ تتراوح ما بين 9000 دينار ومليون من رواتب الأطباء الأخصائيين، ونفس الأمر يتعلق بممارسي الصحة العمومية في استراتيجية لوقف الإضراب، وأكد المتحدثان أن وزارة الصحة من خلال أسلوبها تريد أن تضع الأطباء أمام الأمر الواقع، مؤكدين أن سياسة الصمت وإدارة الظهر التي تمارسها الوزارة الوصية هي بمثابة هروب إلى الأمام، وهي أيضا بمثابة ترك المواطن والمريض يتخبط وكأنها به تقول: "امرضوا.. فأنا غير وصية على القطاع". ليؤكد الدكتور إلياس مرابط بأنها لا تخرج عن سياسة اللامبالاة والإهمال، فكيف يمكن للوزارة أن لا تتحرك بعد مرور شهرين من الإضراب، فإلى أين تريد الذهاب؟ * وأكد المتحدثون أن كلاً من الأطباء الأخصائيين وممارسي الصحة العمومية تعهدتا باحترام أخلاقيات المهنة، حيث التزمتا بضمان الحد الأدنى من الخدمات، فلا يمكن للطبيب أن يرى حالة مرضية أمامه ويرفض علاجها بسبب الإضراب. * * محمد بقاط بركاني * نعم هناك أخطاء طبية وغلطات ترتكب على المرضى..! * * اعترف رئيس عمادة الأطباء الجزائريين محمد بقاط بركاني عن وجود أخطاء وغلطات طبية على أجساد المرضى ارتكبت من قبل الأطباء الجزائريين نظرا لتراجع التكوين وضعف المستوى، مؤكدا أن الكثير من الأطباء يفتقدون للتكوين، خاصة فيما يخص العمليات الجراحية المعقدة، مؤكدا أنهم كعمادة تقدوا بطلب إلى الجهات الوصية من أجل إدراج جلسات عمل حول واقع الصحة، تجمع جميع المختصين وفي مقدمتهم أرباب المهنة، لكن الوزارة رفضت المطلب، متسائلا كيف يمكن النهوض بالخارطة الصحية التي أصبحت هي الأخرى مريضة في الجزائر، وكشف المتحدث أن العديد من المؤسسات الجوارية الاستشفائية التي تم تأسيسها لا تزال لغاية اللحظة تعمل بدون مقررات إنشاء، بل إن رؤسائها من مدراء غير معينين بمحضر قرار ترسيمي، مع العلم أن هذه المؤسسات الجوارية استنزفت 164 مليار دينار. * * خالد كداد رئيس الأخصائيين النفسانيين * "نعترف بأن وجودنا مجرد ديكور في وزارة بركات" * * قال خالد كداد رئيس نقابة الأخصائيين النفسانيين أن وجودهم في قطاع الصحة مجرد ديكور فقط، حيث لا تعتبر الوزارة الوصية بأهميتهم فهم يعملون في المستشفيات بدون إمكانات ولا حتى مكاتب، وأكد المتحدث في ندوة الشروق اليومي، إن قطاع الأخصائيين النفسانيين هو القطاع الوحيد الذي ليس له نظام للمنح والعلاوات رغم وجود فئات كثيرة من الأخصائيين النفسانيين تعمل في المصحات العقلية ومستشفيات الأمراض النفسية، ما يجعلها عرضة للكثير من المخاطر. * * لو تم احترام "سلّم القيم" لفاقت أجور الأطباء رواتب الوزراء * * قال محمد يوسفي، رئيس النقابة الوطنية للأطباء الأخصائيين، وإلياس مرابط، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، إن مشكل الأطباء في الجزائر هو مشكل "عدم احترام سلّم قيم" الذي يقوم على أساس المستوى العلمي والثقافي والمستوى الجامعي، وشبكة الأجور هي التي تسببت في هذا المشكل، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار مستوى الطبيب لمختلف الموظفين، ولم تميّز في نظام التعليم والشهادات، يفترض أنه كلما يكون هناك تقدم في المستوى يكون الأجر أعلى، وهذا أمر مفروغ منه في الدول المتقدمة، أين يتقاضى الجامعيون، وخاصة السلك الطبي، أحسن الأجور والذين يتواجدون في أعلى سلّم القيم. وفي بعض الدول، مثل فرنسا، رواتب الأطباء أعلى من رواتب الوزراء، فمثلا في فرنسا أجر رئيس مصلحة في المستشفى يفوق أجر رئيس الجمهورية ويفوق أجور الوزراء بكثير، لأنهم يطبّقون سلم القيم التي تحسب على أساس المستوى العلمي... أما في شبكة الأجور المعمول بها في الجزائر فإن العديد من إطارات الوظيف العمومي لها مستوى أقل من مستوى الطبيب وتتقاضى راتبا أعلى من راتب الطبيب، في وقت يفترض أن يكون أجر الطبيب أعلى راتب في الوظيف العمومي، فنجد مثلا أن القضاة يدرسون أقل من الأطباء، ومستواهم أقل مستوى من الأطباء ولكنهم يتقاضون رواتب أعلى من رواتب الأطباء، فالقاضي يدرس خمس سنوات أو 7 إلى 9 سنوات كأقصى حد، في حين يدرس الطبيب الأخصائي 12 سنة، وهناك العديد من الإطارات السامية في الدولة مستواهم أقل من مستوى الأطباء ويتقاضون رواتب أعلى منهم".