بتأكّد فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأغلبية أصوات الجزائريين في الانتخابات الرئاسية التي جرت الخميس، انتقلت الكرة تلقائيا إلى مرماه. وبات انشغال الجزائريين منصبا حول ما إذا كان هناك نية وعزم لدى الرئيس المعاد انتخابه، من أجل تجسيد ما أُطلق من وعود من طرف رجالاته خلال الحملة الانتخابية. ومن بين الوعود التي أطلقها ممثلو بوتفليقة، "تسليم المشعل للشباب"، إرساء مرحلة انتقالية ووضع دستور أكثر ديمقراطية، يضمن التجسيد الفعلي للفصل بين السلطات وإعطاء صلاحيات أوسع للمؤسسة التشريعية ودور أكبر للمعارضة. وهو ما تردد على ألسنة ممثلي الرئيس المترشح، وفي مقدمتهم، الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بلخادم، ومدير حملته الانتخابية عبد المالك سلال خاصة. ويعني تسليم المشعل للشباب، جلب وجوه جديدة لم تتورط في صناعة الفشل الذي طبع العقدين الأخيرين على الأقل، وهذا لن يمر إلا عبر إبعاد كافة الشخصيات التي ظلت في الواجهة لسنوات طويلة، وملّ الجزائريون من تسييرها لدواليب الدولة، وفي ذلك تحد كبير لبوتفليقة، الذي سيجد نفسه من دون شك في حرج رد الجميل ومحاولة إرضاء جيش من المؤيدين والمتزلّفين والمتسلّقين والمتملّقين والطامحين والطامعين.. الوعود التي أطلقها أنصار "العهدة الرابعة" لم تكن وليدة حملة رئاسيات 2014، بل تشكل مدونة مطالب تلتقي حولها جميع أحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها السياسية وخلفياتها الإيديولوجية، منذ زمن بعيد، غير أن المطالبة بها أصبحت أكثر إلحاحا منذ عام 2011، الذي عاش على وقع اجتياح ما عرف ب "الربيع العربي"، سيما بعد اقتناع المعارضة بخداع السلطة لها خلال الإصلاحات السياسية التي طرحها بوتفليقة آنذاك. المتفائلون بإمكانية تجسيد وعود الحملة الانتخابية، يعتقدون أن بوتفليقة حقق ما كان يحلم به من إنجازات خلال العهد الثلاث المنصرمة، وسيخصص العهدة الرابعة التي خاض سباقها وهو مريض، لتحقيق طموحات الجزائريين في إقامة دولة مؤسسات وحريات. غير أن المتشائمين يرون أن وعود بلخادم ومن معه، ستسقط في الماء مثلما سقطت الوعود التي أطلقها بوتفليقة في خطابه الشهير للأمة في 14 أفريل 2011، ليتبين فيما بعد أنها كانت إصلاحات ممسوخة ومفرغة من محتواها، بسبب التفاف أدرع السلطة المترامية في الجهازين التنفيذي والتشريعي، على حزمة القوانين تلك، وإسقاط مشروع تعديل الدستور الذي كان مقررا قبل نهاية 2012، بالرغم من إنشاء لجنة لإعداد مسودة الدستور الجديد. لا شك أن أولى الأولويات بالنسبة إلى الرئيس الفائز في مرحلة ما بعد 17 أفريل، هي الوفاء بوعد تعديل الدستور المؤجل منذ خطاب 14 أفريل 2011، وصياغة دستور يجب أن يكون في مستوى طموح الجزائريين، يجسد مبدأ الفصل بين السلطات وينهي تداخل الصلاحيات، وتسليم المشعل للشباب، وإرساء مرحلة انتقالية، كما وعد بذلك سلال وبلخادم، وإن تحفظ أويحيى على المسألة الأخيرة.. جل المراقبين مقتنعون بأن تصويت الجزائريين لبوتفليقة لم يكن من أجل سواد عيون أويحيى أو بلخادم أو سلال أو غول أو بن يونس، كما لم يكن طمعا في تجسيد الوعود السياسية والإصلاحية التي أطلقوها، طالما أن الذي صنع الفارق هم العجائز والأميون ممن لا يعرفون من الانتخابات غير وضع الورقة في الصندوق، ولكن من أجل الحفاظ على "الاستمرارية"، التي وإن لم تحقق آمال الملايين من الجزائريين، إلا أنها وفرت لهم الحد الأدنى من مصالحهم التي كانت معطلة في مرحلة ما من حياتهم، واستجابت لبعض انشغالاتهم التي كانت تواجهها آذانا صماء، وعليه فلا حرج على الرئيس بوتفليقة إن طيّب خاطر الوجوه السالف ذكرها بمسؤوليات ومناصب ليس فيها تماس مباشر مع الجزائريين.