اختفت منذ مدّة الكثير من الأصوات السياسية، وقد يكون لهذا الاختفاء والاختباء علاقة مباشرة بانقضاء فترة الانتخابات، والأكيد أنها ستستيقظ مع عودة أوّل استحقاق انتخابي، سواء تعلق بالتشريعيات أو المحليات أو تعديل الدستور، وقد يكون هذا التغيّب مبرّرا نتيجة "كُره" الأغلبية المسحوقة لممارسة السياسة والسياسيين! لقد كره الجزائريون من هذه السياسة، خاصة "المسوسة" منها، وكرهوا من النصب والاحتيال ومن فنّ الكذب والممكن، ومن الثرثرة و"الهدرة" والهلامية والعشوائية، وتيقنوا من أن السياسة "ما توكّلش الخبز"، وأن السّاسة يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون! من الطبيعي أن "يبرد" اهتمام الجزائريين بالسياسة والأحزاب والانتخابات، و"يسخن" دم الجزائريين من هذه السياسة التي لم تعد سياسة ولا هم يحزنون، وأضحت "تخلاط وتخياط" لا يُسمن ولا يُغني من جوع! عدم وفاء السياسيين بعهودهم ووعودهم هو الذي نفّر الجزائريين من الممارسة السياسية ومن الولاء لهذه السياسة التي لم تعد عامل إجماع ولمّ شمل، بقدر ما تحوّلت إلى مسبّب تنفير! لقد عاش الجزائريون عشرات التجارب الانتخابية، ومنهم من دفع الثمن غاليا، وكانت الفاتورة بالنسبة لآخرين باهظة، ولذلك سئم هؤلاء وأولئك من سياسة عرجاء أصبحت بالنسبة للزوالية والغلابى تضرّ ولا تنفع! لم يعد الكثير من السياسيين يقدرون على الإقناع والاستدراج، بل أصبحوا مصدرا للإزعاج والإخراج، ولذلك، لم تعد الحملات و"الهملات" الانتخابية، تجدي نفعا، ولا طائل من ورائها، وليس فيها للغلبان و"الكحيان" لا ناقة ولا جمل ولا حتى "جربوع"! التعاطي مع السياسة بمنطق "اضرب واهرب" هو الذي هرّب الجزائريين من سياسيين لا يقرّون بالخير، ولا يعترفون بأخطائهم، ويتمادون في مهازلهم وهرطقاتهم وخزعبلاتهم! عندما تفشل الطبقة السياسية في امتصاص الغضب ولملمة الجراح، ويفشل آلاف المترشحين والمنتخبين ومئات النواب في دغدغة مشاعر أغلبية المواطنين، سواء بمناسبة أو بدونها، فمن الضروري التوقّف وإعادة النظر في هذه المنظومة السياسية العرجاء والبلهاء التي لم تفلح في تجنيد المواطنين سلميا وبواقعية وبدائل مقنعة! من البديهي أن ينتفض العامة من الناس، في وجه الوزير والوالي والمير، طالما أنهم يقولون كلاما غير مفهوم ولا مسموع ولا مبرّر، وأحيانا يتكلمون بما يُنعش معزوفة "يا سعدك يا لطرش"!