انتفاضة منطقة القبائل ضد الإرهاب وقتلة الرعية الفرنسي إيرفي غوردال، وانتفاضة المغتربين الجزائريين بفرنسا، وتحرّك مسجد باريس.. فيه الكثير من الدلالات، التي يجب عدم القفز أو التعتيم عليها، أو تتفيهها بجرّة قلم أو بتحليل سطحي وأحمق! ليس هناك أيّ شكّ في أن كلّ الجزائريين يرفضون العودة إلى سنوات الرعب والقلق والشك. وليس هناك أيضا أدنى شكّ في أن سنوات "المأساة الوطنية"، كانت تجربة مريرة، يكره كلّ من عاشها و"تعايش" معها اضطراريا، مجرّد التذكير بها، لكن ذكّر لعلّ الذكرى تنفع المؤمنين. صرخة الرجل الواحد، والحنجرة الواحدة، التي تردّدت على ألسنة المواطنين البسطاء، فيها معنى واحد: ضد الإرهاب، ضد العنف، ضد التطرّف، ضدّ الخوف، ضدّ الغلوّ، ضد التكفير، ضدّ الفتاوى المستوردة، ضد استباحة دماء المسلمين والآمنين والمؤمّنين في حياتهم. بالمقابل، فإن هذه الأصوات التي صرخت في مختلف المناطق، جهرا أو سرّا، جدّدت وقوفها من دون شرط ولا مغالاة، مع السلم، مع الأمن، مع السلام والأمان، مع الطمأنينة، مع الوئام والمصالحة. لقد أعاد الفيديو الهمجي الذي بثته كمشة تطلق على نفسها اسم "جُند الخلافة"، الذاكرة الفردية والجماعية إلى سنوات أبكت عامة الجزائريين ومازالت تبكيهم إلى اليوم كلما نبشوا في جراح الضحايا والثكالى واليتامى والمشرّدين والمعطوبين والمهجّرين من قراهم والمهددين في أرزاقهم وأعناقهم وأبنائهم ومالهم، من طرف جماعات إرهابية عاثت في الأرض فسادا! لقد حذر الجزائريون من تطور الأحداث في بعض البلدان العربية، وتحول "الغضب" الذي كان مشروعا في بدايته، إلى اقتتال بين الأشقاء الفرقاء، وإلى غوّاصة يركبها منتهزو الفرص والقناصون ومحترفو صبّ البنزين على النار، بهدف تفكيك تلك البلدان المستهدفة وضرب أمن شعوبها وتقويض سيادتها وتوازنها وقدرتها على صناعة قراراتها! من حقّ المتشائمين والمشككين، أن يرسموا علامات الاستفهام والتعجب والاستغراب، أمام هذا التسونامي الغريب الذي يضرب منذ أكثر من سنتين، كلا من سوريا الشقيقة، والجارة ليبيا الصديقة، ويستهدف بلدانا أخرى لا تقلّ أهمية من حيث الوزن والتأثير والقرابة، مثلما هو حاصل أو يُراد له أن يحصل في مالي وتونس ومصر! ليس بالعاطفة والحسابات الضيقة والتهوّر والغوغائية والنرجسية و"التغنانت"، تُعالج مثل هذه الأزمات العاصفة، وتسوّى أسبابها ومبرّراتها، وليس بإغماض الأعين كذلك وبغرس الرؤوس في الرمال، أو بضرب الريح بالعصا، تتوقف آلة الدمار التي تحركت ولم تجد من يوقفها إلى حدّ الآن!