خلّف حضور كل من الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، اجتماعين متتاليين لحزبه بداية الشهر الجاري، وما قيل عن تردد بلخادم على قصر الرئاسة، وتصدر أبو جرة سلطاني الصفوف الأولى لحزبه في اجتماع الحركة الأخير، جملة من التساؤلات عما إذا كان هذا الحضور مؤشرا لحراك سياسي ما في المستقبل القريب، ومقدمة لانطلاقة جديدة لرجل (أويحيى) عرف كيف يتكيّف مع المطبات التي واجهته؟ وما محل خرجة سلطاني؟ وما مصير رفيقهم الثالث في التحالف الرئاسي سابقا، عبد العزيز بلخادم؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها "الملف السياسي" لهذا الخميس. احتجاجات الغاز الصخري تعيد الرجل إلى الواجهة بلخادم في الرئاسة.. "حدث" العام الجديد عاد كل من الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، وأبو جرة سلطاني، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، إلى الواجهة، فيما يدور حديث عن "غفران" الرئيس بوتفليقة للأمين العام السابق للحزب العتيد، عبد العزيز بلخادم، لكن من أجل لعب "دور محدد" يرجح أن يكون المساهمة في إخماد نار الغضب المندلعة بسبب استغلال الغاز الصخري. فالأمين العام للأرندي السابق، وبعد سنتين بالتمام والكمال من رميه المنشفة، قرر العودة إلى وكره السياسي في اليوم الذي غادره، فكان لافتا أن يحضر تنصيب الاجتماع الولائي للعاصمة في الثالث من الشهر الجاري، ولم يلبث أن عاد لحضور دورة المجلس الوطني للحزب أسبوعا بعد ذلك، وهو الذي لم يحضره منذ أزيد من سنتين، ما غذى التساؤلات عن هذه العودة، وما إذا كانت مقدمة لدور سياسي أكبر للرجل. كما تناقلت معلومات غير رسمية، نزول الأمين العام السابق للحزب العتيد، عبد العزيز بلخادم، ضيفا على قصر المرادية، وهو الذي طرد منه قبل أشهر شر طردة، وسط تساؤلات عن خلفية هذه "الزيارة"، التي لا يزال المتتبعون يدققون في صدقيتها ويحاولون تفكيك لغزها. وبينما قالت مصادر إن دعوة بلخادم إلى الرئاسة جاءت من أويحيى وهدفها الاستماع إلى مساهمته في تعديل الدستور، بالنظر إلى استدعاء شخصيات أخرى تقلدت ولا تزال تتقلد مسؤوليات في الدولة، مثل رئيس الغرفة السفلى للبرلمان، محمد العربي ولد خليفة، ورئيس المجلس الدستوري السابق، بوعلام بسايح، جزمت مصادر أخرى بأن الدعوة تندرج في سياق بحث السلطة عن حلول لمواجهة احتجاجات سكان الجنوب، الرافضة لاستغلال الغاز الصخري. بدوره، أبو جرة سلطاني، وبعد اختفائه عن الواجهة الحزبية منذ المؤتمر الخامس الذي انعقد في ماي 2013، كان حاضرا وفي الصف الأول في الاجتماع السنوي الذي خصص لهياكل الحركة، موقف لفت انتباه الفضوليين، بالنظر إلى التراشق بالتصريحات الذي وقع في وقت سابق بينه وبين الرجل الأول في الحركة، عبد الرزاق مقري، والذي كان وراء بروز قراءات ذهبت إلى القول بأن سلطاني وسعيدي، يحضران لإطلاق حزب سياسي جديد. وإن كانت عودة أويحيى وسلطاني إلى الواجهة علنية، فإن عودة بلخادم لا تزال يلفها الغموض، على الأقل لأن ما تم تداوله إعلاميا قد يصب في خانة المضاربات الإعلامية، وهو ما يجعل الحديث عن عودة الممثل الشخصي السابق لرئيس الجمهورية، إلى الواجهة السياسية، في الوقت الراهن، أمرا سابقا لأوانه. ويتقاطع مصير الثلاثة في الكثير من المحطات، ولعل أبرز هذه المحطات الكيفية التي أبعدوا بها من واجهة الأحزاب التي كانوا يديرونها، فأويحيى وبلخادم أُخرجا من البوابة الضيقة لحزبيهما خارج مقررات المؤتمر، عكس سلطاني الذي حاول المناورة في المؤتمر الخامس لحزبه للبقاء في الواجهة بطريقة أو بأخرى، غير أنه فشل. وبينما التزم أويحيى الصمت مباشرة بعد إخراجه من الحكومة وبعدها من الحزب، لم يتوقف بلخادم عن مساعيه للعودة إلى قيادة الحزب رغم سحب الثقة منه من قبل غالبية أعضاء اللجنة المركزية، في موقف أعطى الانطباع، وكأن الرجل لم يتلقّف الإشارة كما يجب، أما سلطاني فبقي يلعب على أوتار مغازلة السلطة من خلال مواقفه المعارضة لخليفته في الحركة، والتمرد عليه في "خرجات" كانت محل تداول سياسي وإعلامي. وبرأي متابعين، فإن بلخادم لم يحسن استغلال الفرصة التي جاءته من السلطة مجددا، عندما عُيّن مستشارا خاصا بالرئاسة، فراح يتصرف كشخصية حرة من التزامات التحفظ، وكانت أكثر التصرفات فجاجة، هي تلك التي قام بها في دورة اللجنة المركزية المنعقدة الصائفة المنصرمة، بينما كانت تصرفاته مراقبة بإحكام، فضلا عن تحركات نسبت إليه، اعتبرت بمثابة "خيانة للولاء" من قبل الجهات التي أعادت له الاعتبار، فجاء القرار بإنهاء مهامه في الدولة وفي الحزب.
أويحيى.. الرجل الذي يعرف متى وكيف ينحني للعاصفة يعتبر رئيس الحكومة الأسبق، أحمد أويحيى، أكثر الشخصيات السياسية تكيّفا مع المطبّات، وأكبرها صمودا أمام الضربات، وهو ما يفسر بقاءه في الواجهة السياسية للبلاد منذ أن برز كمدير لديوان الرئاسة في عهد الرئيس السابق، اليمين زروال، في عام 1995، قبل أن يعود إليه مجددا في العام المنصرم. ويكفي تتبع مسيرة الرجل التي بدأت في عام 1975 عندما كان مجرد كاتب للشؤون الخارجية، إلى غاية تعيينه مديرا للديوان برئاسة الجمهورية في ربيع عام 2014، للوقوف على مدى قدرة الرجل على الانحناء للعواصف. وتعتبر أصعب محنة أو مرحلة واجهها أويحيى، هي عندما أنهى الرئيس بوتفليقة مهامه كرئيس للحكومة، ليعينه وزير دولة وزير العدل، في الفترة الممتدة ما بين ديسمبر 1999 وماي 2002، وهي الفترة التي شهدت حرائق في العديد من السجون الجزائرية، خلفت العشرات من القتلى والمئات من الجرحى. كل المتتبعين يومها اقتنعوا بأن تلك الموجة من الحرائق، كان هدفها الإيقاع برأس "سي أحمد" من وزارة العدل، لا سيما وأن تلك الفترة تزامنت وبداية الانتقال إلى مرحلة جديدة قوامها المصالحة الوطنية، التي بدأت كما هو معلوم في عام 1999 بقانون الوئام المدني، غير أن الرجل تسمّر في منصبه ورفض الاستقالة، فجاءته الضربة من وجهة أخرى هي الواجهة الحزبية، عندما قرر أعضاء المجلس الوطني يومها سحب الثقة منه، غير أن صناع القرار مدوا يدهم لإنقاذه في آخر لحظة، بعد أن برهنوا له بأنه لا يساوي شيئا دون دعمهم له. ومنذ نجاته من تلك المحنة، لم يتجرع الأمين العام للأرندي السابق، أي محنة سياسية أخرى، إلا في نهاية 2012 وبداية 2013، والتي بدأت كما هو معلوم بالضربة التي تلقاها حزبه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ثم تنحيته من منصب الوزير الأول، قبل أن تكتمل تلك الضربات بإرغامه على الاستقالة من الأمانة العامة للأرندي، في جانفي 2013، في أعقاب تنامي موجة تمرد ضده في الحزب. وكعادته، عرف أويحيى كيف ينحني للعاصفة، طيلة سنة ونيف، ظل خلالها غائبا ومغيبا عن الساحة، قبل أن يستدعى مرة أخرى ل "خدمة الجمهورية" كرئيس للديوان برئاسة الجمهورية، ثم مكلفا بإدارة الحوار حول تعديل الدستور الصائفة المنصرمة، ليعود مع بداية 2014 لحضور فعاليات حزبه.
المحلل السياسي سليم قلالة عودة أويحيى وسلطاني تمت بإيعاز.. وبلخادم ضحية أخطائه يعتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، سليم قلالة، أن الحديث عن عودة كل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم وأبو جرة سلطاني، إلى التداول الإعلامي، "لا تضيف جديدا إلى الممارسة السياسية في الجزائر"، ويرى بأن الحل يكمن في بروز طبقة سياسية جديدة لم تساهم في صناعة الفشل الحالي. ما هي القراءة السياسية التي تقدمونها لعودة أويحيى وسلطاني إلى نشاطات حزبيهما، وما تردد عن بلخادم؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال شقين: الأول هو أن الواقع السياسي للبلاد بحاجة إلى وجوه سياسية جديدة، لمرافقة التطورات التي تعيشها البلاد في الآونة الأخيرة، لا سيما وأن الوجوه القديمة وصلت إلى محطة لم تعد قادرة على إضافة الجديد. وأعتقد أن عودة أويحيى وسلطاني تندرج في سياق العمل من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه، لكن البلاد بحاجة إلى وجوه جديدة. الوجوه القديمة تعمل للبقاء في الواجهة لشغل الأدوار التي يجب أن تضطلع بها الوجوه الشابة. وفي تقديري هذه محاولات لا يمكن أن تحقق أهدافها لأنه طال الزمان أم قصر، لا بد من التغيير. ومن جهة أخرى، يمكن القول إن دور الوجوه السياسية القديمة، يمكن أن يكون مفيدا في حالة واحدة وهي تسيير شؤون البلاد لمدة سنة أو سنتين، تكون بمثابة مرحلة انتقالية يتم من خلالها تهيئة الظروف التي من شأنها تمكين الجيل الجديد من قيادة البلاد مستقبلا. هل خروج الوجوه السياسية الجديدة في الظرف الراهن، تخفي حسابات سياسية ما؟ لا يمكن تجريد خروج الشخصيات التي سبقت الإشارة إليها، من الحسابات السياسية، هذا أمر مرجح. ويبدو أن لديهم إيعازات أو معلومات من جهات سياسية ما، تفيد باقتراب استحقاق سياسي ما، لا سيما وأن هذه الشخصيات لها ارتباطات بحكم المناصب النوعية التي تقلدتها في هرم الدولة سابقا وفي الحاضر أيضا. ربما تناهى إلى علمهم أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة خلال السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة، وهو ما كان وراء سعيهم إلى البحث عن مواقع في الواجهة. ماذا لو طلبنا منكم مقارنة بلخادم برفيقيه، أويحيى وسلطاني؟ أعتقد أن الطموح السياسي الزائد لبلخادم هو الذي قضى عليه. فمن يعد إلى مسيرة رئيس الحكومة الأسبق، يجد أنه ارتقى بسرعة كبيرة في سلم المسؤوليات في هرم الدولة، ولذلك جاء سقوطه بطريقة دراماتيكية. لا أعتقد أنه من السهولة على بلخادم النهوض بسرعة من الضربة التي تلقاها، فطريقة عزله توحي أن مستقبل الرجل السياسي بات على محك حقيقي، لا سيما وأن الضربة التي تلقاها جاءت من الأطراف التي ساعدته كثيرا ومكنته من الوصول إلى مسؤوليات نوعية. ما دام الأمر كذلك. هل يمكن القول إن الحديث عن عودة بلخادم مرتبطة بذهاب الرئيس بوتفليقة؟ أستبعد عودة بلخادم إلى الواجهة حتى بعد مرحلة بوتفليقة، لأن الممثل الشخصي السابق لرئيس الجمهورية، أعطى انطباعا لدى الجميع بأنه من أكثر الموالين والمؤيدين للرئيس بوتفليقة، في حين إن الضربة التي جاءته، كان مصدرها الجهة التي لطالما دعمته ووقفت إلى جانبه في تولي المسؤوليات في الدولة وفي الحزب. سليمان شنين رئيس مركز الرائد للدراسات أويحيى وبلخادم وسلطاني تحركهم "قوى ضاغطة" قال سليمان شنين، رئيس مركز الرائد للدراسات، إن المرحلة القادمة ستكون مرحلة استحقاقات، الأمر الذي حرك الرغبة لدى شخصيات سياسية غابت عن الساحة، للعودة مجددا إلى الواجهة بحثا عن مغانم سياسية. ورد شنين في سؤال عن البروز المفاجئ والمتزامن تقريبا، لكل من أويحيى وبلخادم وسلطاني، بقوله إن الثلاثة بدأوا التحضير للمرحلة المقبلة، وكانت البداية بالعودة عبر الواجهة الحزبية، من خلال حضور أشغال المؤتمرات والمجالس الوطنية. ويرى شنين أن عودة ظهور أحمد أويحيى الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي في أشغال المجلس الوطني دليل على ذلك، خاصة وأن هذا الأخير غاب عن الساحة السياسية والحزبية، وكان الظهور الوحيد له أثناء توليه منصب مدير الديوان برئاسة الجمهورية، وقاد حينها مشاورات تعديل الدستور. واعتبر شنين أن الورقة الحزبية في هذه المرحلة، مهمة لعودة الشخصية السياسية ذات التأثير القوي سواء داخل القاعدة النضالية أم لدى السلطة، خاصة وأنها كانت تخفي حسابات سياسية لصالح جهة معينة. وقدر المتحدث بأن الوقت مناسب كي تلعب هذه الورقة، خاصة وأن مشروع التعديل الدستوري لم يتم الإفراج عنه، ونفس الشيء بالنسبة إلى التعديل الحكومي الذي طال انتظاره، مشيرا إلى أن عودة ظهور السياسيين في هذه المرحلة بالذات فرضتها القوى الضاغطة المحيطة بهذه الشخصيات خدمة لأجندة سياسية معينة. وبخصوص إمكانية عودة عبد العزيز بلخادم الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، للعمل السياسي بعد قرار رئيس الجمهورية الأخير، لم يستبعد شنين هذه الفرضية لكن ليس في الوقت الراهن، وقال: "المشهد السياسي في الجزائر لا يعرف المستحيل وشخصية بلخادم هي شخصية وطنية معروفة سياسيا، ولديه كل الإمكانيات للعودة واحتلال مناصب معينة لكن في هذه الفترة مستبعدة".