يعتبر أحمد أويحيى من الشخصيات السياسية النادرة التي عمرت أكثر من غيرها في المسؤوليات الحزبية والحكومية التي تقلدها.. فالرجل اعتاد ألا يبتعد عن الواجهة، وإن حدث له وأبعد فلم يلبث أن يعود إليها مجددا بعد فترة وجيزة. وهكذا قضى ما يقارب العقدين من الزمن رئيسا للحكومة ووزيرا أول، أما تربعه على عرش الأمانة العامة ل "الأرندي" فقد قارب ال 16 سنة، ما يعني أن الرجل لم يكن شخصية عادية. فلماذا استأثر الرجل بهذه الحظوة دون غيره من السياسيين؟ هل لخصوصيات فيه دون غيره؟ وهل للكفاءة دور في ذلك؟ أم أن هناك قوات دفع "غير طبيعية" تقف وراء الرجل؟ هذه الأسئلة وأخرى سيجيب عنها الملف السياسي لهذا العدد. استفاد من فخ عام 2002 وحفظ درس 2013 لهذه الأسباب نجا أويحيى من مقصلة المؤتمر الاستثنائي تباينت قراءات المراقبين السياسيين في إعادة انتخاب الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، لعهدة جديدة. فالرجل استهدفته حركة تصحيحية داخل حزبه، كما كان محل هجوم مركز من قبل غريمه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، ومع ذلك نجا. وقد خلّفت الظروف التي رافقت التحضير للمؤتمر الاستثنائي للحزب، انطباعا لدى الكثير من المتابعين بأن أويحيى كان مستهدفا في شخصه، الأمر الذي كان وراء استحضار البعض للسيناريو الذي تعرض له الرجل في عام 2013، ودفعه كما هو معلوم، إلى رمي المنشفة . غير أن أويحيى بدا هذه المرة وعلى غير العادة أكثر صلابة، فقد واجه "التصحيحيين" بثبات وصرامة، بل وذهب بعيدا في تهديدهم بمقصلة المجلس التأديبي.. وكان واضحا أن الرجل لقي دعما من قبل السلطة والإدارة، التي لم تترك الشكوك تسيطر عليه، تفاديا لمسارعته إلى رمي المنشفة، كما حصل له في 2002 (...) وبعدها في 2013. أولى الإشارات التي تلقفها أويحيى ووظفها في صراعه مع خصومه، كان الدعم الذي تلقاه من قبل الإدارة، فوزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، أعطى الضوء الأخضر لأويحيى لعقد المؤتمر الاستثنائي، بينما كانت "الحركة التصحيحية" بصدد عرقلة المسعى، استنادا إلى خروقات شابت التحضير لعقده، كما جاء في العريضة التي رفعها خصومه إلى الوزارة الوصية. أما ثاني الضربات التي تلقاها "التصحيحيون"، فكان قرار المحكمة الإدارية الرافض لدعوى تأجيل انعقاد المؤتمر الاستثنائي عشية انعقاده، وهي الضربة التي أتت نهائيا على إرادة خصوم مدير الديوان بالرئاسة، وعبدت الطريق أمام أويحيى كي يخلف نفسه على عرش القوة السياسية الثانية في البلاد. وقد جاءت رسالة التهنئة التي وجهها الرئيس بوتفليقة إلى أويحيى، لتتوّج الدعم والحماية اللذين تمتّع بهما الرجل قبل وأثناء موعد الاستحقاق.. فلمَ اختلف مشهد 2016 عن ذلك الذي عاشه الرجل في 2013، وما القراءات التي يمكن إعطاؤها بهذا الخصوص؟ لا شك أن عامل الظرف الزمني، وكذا التحولات التي طرأت على شخصية أويحيى منذ أزيد من ثلاث سنوات، لعبت دورها في ما جرى في المؤتمر الاستثنائي ل "الأرندي".. لقد استفاد الرجل كثيرا من دروس الضربات التي تلقاها. ففي 2013 كان المشهد السياسي محموما بسبب الاحتقان الحاصل بشأن الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة بعد ذلك، وأويحيى حتى وإن لم تكن له نية في خوض ذلك السباق، فهو وبحكم تقلبه بين ردهات مؤسسات الدولة على مدار نحو عقدين من الزمن، وكذا ارتباطاته الوثيقة ببعض أجنحة السلطة المتنفذة حينها، جعله رقما يحسب له ألف حساب، ولذلك جاءته الضربة التي لم يكن يتوقعها، فاستفاق على واقع جديد حتم عليه إعادة نسج علاقاته مع أجنحة السلطة وفق المعطيات التي أفرزها الصراع في قمة الهرم، ومنذ ذلك الوقت لم يعد أويحيى ذلك الرجل السياسي الجامح الطموح، بقدر ما أصبح شخصية تابعة بات استمرارها في الواجهة السياسية، رهينة مستوى الولاء الذي يقدمه إلى الجهة التي انتشلته من عذاب البعد عن الأضواء طيلة عام 2013. وعلى الرغم من إدراك أويحيى أن مكونات السلطة غير متجانسة ومراكز القوى فيها متحركة وسعيه إلى التكيّف معها، إلا أن ذلك لم يضعه في منأى عن الاستهداف مجددا، وهكذا ومنذ عودته إلى قيادة "الأرندي" الصائفة المنصرمة، قوبل بهجومات عنيفة من قبل أطراف حزبية لها امتدادات في السلطة. والإشارة هنا إلى الأمين العام لجبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، الذي جعل من أويحيى هدفا في خطاباته، التي يكون أويحيى قد وعاها جيدا، وهو السياسي المحنك، بعد أن فكك ألغازها وربطها بسياقاتها.. ولا شك أن هذا المعطى يكون قد أثر أيضا على قوة الرجل وحد من طموحه. إذن، في مثل هذه الظروف والمعطيات أعيد انتخاب أويحيى، غير أن الأمر الذي لعب أكثر لصالح الرجل، كان البعد الذي أعطي لقضية رجل الأعمال يسعد ربراب مع السلطة هذه الأيام.
مدير مركز الرائد للدراسات، سليمان شنين تهنئة بوتفليقة رسالة مشفرة لأويحيى ! الصندوق السرّي يفرز أمين عام الأرندي، هل تعتقد أن المؤتمر الأخير كان مغايرا من حيث التقاليد الديمقراطية لأحزاب السلطة؟ لا يمكن الحديث عن التقاليد الديمقراطية داخل أحزاب السلطة ما لم يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص بين إطارات الحزب، والكل يعرف لو أنّ هناك أي نوع من الإيعاز في أي اتجاه لاتّجهت الأمور فيما ترغب السلطة، في المؤتمر الماضي رغم أن الأغلبية لم تكن مقتنعة بالسيد عبد القادر بن صالح ولكنه اختير للمنصب. صحيح تقليد الاقتراع السرّي يجعل الكرة عند الإطارات الحزبية، التي يمكنها انطلاقا من هذا المكسب أن تعمل على تنفيذ خياراتها في الاستحقاقات القادمة، والممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب كما هي داخل المجتمعات تراكمية تنمو وتتطور. ما هي القراءة السياسية التي تقدمونها لرسالة بوتفليقة التي خصّ بها أحمد أويحيى عقب اختياره للأمانة العامة؟ الرئيس حريص على الإبقاء على مناصريه ومؤيديه، وخاصة من هم في دائرة الرضا والقبول، والذين لم تتجاوز طموحاتهم والأهمّ ممارساتهم السقف المحدد لهم، وضمن هذه الرؤية تأتي تهنئة الرئيس، مفادها أنّ أويحيى ليس كما يقول سعداني، وأنّ ثقة الرئيس فيه موجودة لحدّ هذه اللحظة. الرسالة أيضا كانت تبرئة لأويحيى من تخوين سعداني، كما كانت دعمًا لموقفه من مبادرة الأفلان، وخاصة أن الرجل لم يستجب لمبادرة الأفلان مما سيساهم في عزلها وتجريدها من البعد الرسمي. الرسالة إجابة عملية لخصوم أويحيى داخل الحزب، والمطالبين الآن بالدخول إلى الصف، وعدم البقاء خارج السرب، كما أنّ الرسالة أيضا تزكية لما قام به أويحيى من تصفية للحرس القديم داخل الأرندي، بما يعطي الانطباع أنّ الأمور تمت بتشاور وتنسيق، وليست من اجتهادات أويحيى لوحده. كما أنّ الرسالة هي "صافرة" لكل أنصار الرئيس بأن يتوقفوا عن المناوشات والمهاترات، لأنه حان وقت الجدّ، وعلى أحزاب الرئيس أن تتجه إلى الميدان حتى تتمكن من الحفاظ على الأغلبية، في ظل الحديث عن الإصلاحات السياسية ومع الدعم المؤسّسي الواضح للأحزاب الأساسية. والخلاصة، أنّ الرسالة انكسار لخطابات سعداني ضد أويحي، و أنّ هناك جهة واحدة، هي التي تقرر مصير الأشخاص والأحزاب ممثلة في رئاسة الجمهورية. هل كانت حملة عمار سعداني على أويحيى "موقفا حزبيّا وشخصيّا"، أم أنّ هناك ترتيبات حدثت بين جميع الأطراف؟ أعتقد أن سعداني حريص على الاستفادة من أوقات الراحة والاسترخاء، وهو ما عمل به في الفترة السابقة، فأويحيى منافس قويّ، ولديه إمكانيات المنافسة حتى على منصب الرجل الأول، ولهذا استهدفت حملة سعداني إيصال رسالة، أنه هو ومن يدعمه داخل السلطة لا يقبلون بأويحي رئيسا، وما دون ذلك فهو محلّ ترحاب، بل شريك، على أن يكون دوما في المرتبة ما بعد الأفلان. الرسالة جددت الثقة في أويحي حتى في منصبه الرسمي، وأعتقد أنّ سعداني مطالب بتصحيح خطابه اتجاه غريمه، ما دام في المربع المسموح، ولا أستبعد بداية مرحلة جديدة بينهما في الأيام القادمة. هناك اتجاهات ذهبت بعيدا في قراءة "تهنئة الرئيس" لأويحي، ما هو برأيكم أفقها السياسي في سياق الاستحقاقات القادمة؟ الرئيس أعطى الإشارة إلى مؤشرات القوى المشكلة للخريطة السياسية القادمة، وبدأ في تحديد أركانها، كما حدد أنّ هامش المناورة مفتوح للأحزاب، على غرار المقاربتين المختلفتين بين سعداني وأويحيى، فبين تحالف رئاسي يضم أحزاب أساسية، وبين تجمع لأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، هناك فرق ولكنه مسموح به في الفترة القادمة. الطبقة السياسية دخلت مرحلة التحضير للاستحقاقات، ومن الطبيعي أن يسود الخطاب الانتخابي الذي يعتمد على المبالغة والحدية والمخاصمة أيضا، وهذه كلها مفردات يصعب التحكم فيها من كل الأطراف، وخاصة أنّ المرجعيات السياسية للقوى الموالية أصبحت منحصرة في الرئاسة فقط، وهو ما يجعل المرحلة القادمة حساسة ومعقدة، وليس من السهل الحكم عليها من الآن.
الإعلامي والمحلل السياسي عابد شارف قضية ربراب مع السلطة لعبت كثيرا لفائدة أويحيى عودة أحمد أويحيى إلى الأمانة العامة للتجمع الوطني الديمقراطي.. برأيكم هل كانت منتظرة بالنظر إلى الحملة التي تعرض لها على بعد أسابيع قليلة من موعد المؤتمر الاستثنائي؟ أرى أن عودة أحمد أويحيى إلى الأمانة العامة لحزب للتجمع الوطني الديمقراطي كانت منتظرة ومرسمة منذ أن تخلى عن هذا المنصب الأمين العام السابق للحزب، عبد القادر بن صالح الصائفة المنصرمة. أما الأسباب التي كانت وراء هذه العودة فيمكن تلخيصها في كون الدوافع التي أدت إلى إبعاد أويحيى سابقا من هذا المنصب قد زالت، لأنه حينها كان هناك وضع سياسي ما في البلاد وتلك الأوضاع زالت، الآن يمكن القول إن الرياح حاليا تهبّ في مصلحة أحمد أويحيى على رأس التجمع الوطني الديمقراطي. اعتقد البعض أن هجوم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، على أويحيى كان مؤشرا على نهاية هذا الأخير، غير أن العكس هو الذي حدث، ما هي القراءة التي تقدمونها بهذا الخصوص؟ من يقول مثل هذا الكلام يمكن اعتباره مخطئا، لأن تنظيم الحياة السياسية في البلاد شهد الكثير من التغيرات في ظل الدستور الجديد الذي تمت المصادقة عليه مطلع السنة الجارية، وعليه سنشهد حروبا متتالية بين حزب جبهة التحرير الوطني وبين التجمع الوطني الديمقراطي، وهذا من أجل إعطاء الانطباع بأن الجزائر تعيش جوا من الديمقراطية، وأعتقد أن مجال هذه الحرب سيكون على مستوى المجلس الشعبي الوطني بدرجة أولى، وعلى الرغم من أنه لا فائدة على الإطلاق من هذه الحروب لكن البعض يريد من ورائها تنشيط الحياة السياسية، وذلك من خلال صناعة ديكور سينمائي سيكون البرلمان مسرحها الأول. لفتت الرسالة التي وجهها الرئيس بوتفليقة إلى مدير ديوانه بمجرد انتخابه أمينا عاما لل "أرندي" في المؤتمر الأخير، انتباه السياسيين والإعلاميين.. برأيكم ماذا تعني هذه التهنئة، لا سيما أن غريمه في حزب جبهة التحرير، عمار سعداني، تلقى رسالة مشابهة في أعقاب المؤتمر العاشر، لكن من نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح؟ أعتقد أن التهنئة التي بعث بها الرئيس بوتفليقة إلى أحمد أويحيى ليس لها معنى سياسي كبير، بقدر ما لها معنى ظرفي تزامنت معه. كيف ذلك؟ تهنئة أويحيى من طرف الرئيس بوتفليقة بعد انتخابه على رأس الأمانة العامة للأرندي، يمكن فهمها من خلال ربطها بالتصريحات الأخيرة التي صدرت عن مالك مجمع سيفيتال، إسعد ربراب، التي اتهم فيها السلطة بأنها تعسفت معه، أو كما قال: "حقروني لأنني قبايلي"، ولذلك فالظرف جاء مناسبا جدا للتهنئة التي وجهها بوتفليقة إلى أويحيى الذي ينحدر هو أيضا من منطقة القبائل، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن خلفية تلك التهنئة، تستهدف إبطال مزاعم السيد إسعد ربراب وإفراغها من محتواها، لأن أويحيى ينحدر من منطقة القبائل ومع ذلك لا يتعرض ل "الحقرة"، فهو مدير الديوان بالرئاسة ومسؤول أول على ثاني أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.. لذلك فهي كما يقال "جات مليحة في وقتها". كيف ترون مصير أحمد أويحي على رأس "الأرندي".. وهل سيستمر في منصبه أم إنه سيواجه ما حصل له في السابق من حركات تصحيحية؟ أعتقد أن مصير التجمع الوطني الديمقراطي ومصير أحمد أويحيى مرتبطان بمصير النظام القائم، إذا كان النظام في حاجة إلى أويحيى، فستستمر الحال على ما هي عليه، وتنظيم بيروقراطي متسلط مثل "الأرندي"، فهو يشكل جزءا من السلطة السياسية القديمة التي تبحث الآن لنفسها عن مكان في المشهد السياسي في الجزائر. ولذلك فبقاء النظام السياسي القديم والسلطة السياسية القديمة معناه أن أحمد أويحيى والأرندي سيبقيان كذلك بعنفوانهما الحالي، لكن إذا دخلت البلاد في مرحلة جديدة فيجب على هذه المجموعة السياسية أن تتغير أو تزول.