نفض وزير الدفاع الأسبق، الجنرال المتقاعد خالد نزار، الغبار عن فترة هامة من تاريخ الجزائر، حين تحدث عن تفاصيل مثيرة سبقت دخول الجزائر في نفق العشرية السوداء، وفتح الباب على تهم تبادلها كبار مسؤولي الدولة عن سنوات المأساة الوطنية. وسرعان ما جاء الرد من اللواء المتقاعد محمد بتشين، المسؤول السابق عن جهاز المخابرات، ليكذب "مزاعم" وزير الدفاع السابق خالد نزار والتي مفادها أنه كلفه بلقاء قادة جبهة الإنقاذ الإسلامية المحلة، مضيفا أن التقى على بن حاج وعباسي مدني في مكتبه بصفته مديرا لجهاز الاستخبارات وفي إطار رسمي وعلني، وبمبادرة شخصية منه، حيث كان اللقاء في مقر مديرية الاستخبارات وعقد اجتماع مطول معهما وأعطاهما ضمانات قوية لمنع أي انزلاق. وأوضح مستشار رئيس الجمهورية السابق ليامين زروال، أنه لم يكن يتلقى الأوامر من اللواء نزار، وأن الجهة الوحيدة التي كان يتلقى منها الأوامر المباشرة تتمثل في رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد، مضيفا أن نزار بصفته قائدا للأركان لا يملك صلاحية إرسال مدير جهاز الاستخبارات أو إعطائه أوامر. ودخل على الخط العقيد المتقاعد العقيد المجاهد، عمار بن عودة، عضو مجموعة ال22 التاريخية، الذي قال إن الجنرال المتقاعد خالد نزار "دبر وحاك وشارك ونفذ مؤامرة إقالة الرئيس الشاذلي بن جديد"، موضحا أن الشاذلي "كان صادقا في وعده باحترام إرادة الشعب وشرعية الانتخابات البرلمانية لسنة 1991". وفسر الجنرال خالد نزار الانتقادات الحادة التي تعرض لها من طرف العقيد عمار بن عودة، بحادثة استعادة السلاح والذخيرة التابعة لجيش التحرير من مخازن السلاح التي كانت متواجدة في ليبيا ومصر في 1965 حينها كان هو مدير العتاد بوزارة الدفاع، في حين كان بن عودة الملحق العسكري بسفارة الجزائر بمصر. وفتحت خرجة الجنرال خالد نزار، ولأول مرة الباب على مصراعيه للسياسيين والعسكريين الذين عايشوا تلك الفترة للإدلاء بشهاداتهم حول الأحداث التي وقعت حينها، ورد عليه الجميع بداية من أرملة الرئيس الراحل محمد بوضياف ونجله ناصر مرورا بالوزير الأسبق للخزينة علي بن واري، والأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، وصولا إلى الرقم واحد في جبهة الإنقاذ الإسلامية المحلة عباسي مدني الذي صادق على شهادات اللواء خالد نزار. وتنتظر الساحة السياسية التحاق جمع من السياسيين ورجال الدولة للإدلاء بشهاداتهم حول الأحداث التي عرفتها الجزائر في تلك الفترة، ولعل أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش الذي وجه له الجنرال خالد نزار تهمة الأمر بإطلاق الرصاص على معتصمي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحلة، رغم تبرئة مدير المخابرات الأسبق الجنرال المتقاعد محمد بتشين، لحمروش وإلباس خالد نزار نفس التهمة. وفضّل حمروش متابعة التراشق بالتهم في صمت مطبق، رغم أنه يملك الكثير كونه "ابن النظام"، لأنه كان عسكريا في عهد هواري بومدين، ومدير بروتوكولات الرئيس الراحل الشاذلي، كما أن له ما يقوله حول رؤساء الجزائر الثلاثة بومدين والشاذلي وبوضياف والجنرالات الثلاث توفيق ونزار وبتشين. كما يبقى الفريق المتقاعد محمد مدين "توفيق"، منتظرا للإدلاء بدلوه حول هذه الفترة رغم حداثة مغادرته جهاز المخابرات الذي يخبئ أكبر أسرار المرحلة، حيث يعد الجنرال توفيق الرجل الأقوى في جهاز المخابرات، والذي اضطلع بمهمة إدارة هذا الجهاز الحساس منذ سنة 1990. وجوه أخرى تقف خلف الستار، تنتظر الساحة السياسية، شهاداتها منهم رئيس الحكومة الأسبق، سيد أحمد غزالي وخلفاؤه بلعيد عبد السلام، رضا مالك، مقداد سيفي، وأحمد طالب الإبراهيمي والرئيس السابق اليامين زروال. ورغم أن تصريحات اللواء خالد نزار استحسنها البعض واعتبروها توثيقا لفترة هامة من تاريخ الجزائر ويمكنها أن تعطي تفسيرا لما بعدها من أحداث، إلا أن أطرافا أخرى أعابت على الجنرال نزار عدم الكشف عن هذه الحقائق إلا بعد رحيل ثلة من الذين عايشوا وصنعوا هذه الفترة وعلى رأسهم؛ الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد أو الرئيس الأسبق علي كافي أو الرجل القوي آنذاك العربي بلخير أو مهندس المخابرات اسماعيل العماري وقائد أركان الجيش السابق الفريق محمد العماري والأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عبد الحميد مهري ورئيس الحكومة الأسبق قاصدي مرباح، والزعيم التاريخي الراحل مؤخرا حسين آيت أحمد وغيرهم.