يكاد الواحد من العقال أن يشنق نفسه بآخر شعرة في رأس آخر "فرطاس"، وهو يسمع إلى من يدّعي زورا وبهتانا في شهر التوبة والغفران، بأن شهادة البكالوريا مازالت تحافظ على مصداقيتها وسمعتها وهيبتها، وقد حوّلتها التسريبات وفنون الغش بالفايسبوك و"الحروز" إلى مجرّد "مسابقة" لا فرق فيها بين الناعس والتاعس ولا بين المجتهد والمرتعد! الكثير من المترشحين "كلاو رمضان" والحجة أن أسئلة الرياضيات كانت صعبة، وأبكتهم، وحرّضتهم على انتهاك شهر الصيام، فأفتت لهم بالإفطار جهارا نهارا من أجل نيل هذه الشهادة التي حوّلتها التسريبات المبرمجة والمفبركة إلى ورقة تشبه تسليم شهادة ميلاد لمن وافته المنية! الغشاشون عادوا إلى خطة الغشّ بالحروز والطلاسم، بعدما ضيّقت وزارة التربية الخناق على الغش بالفايسبوك، أي إن البكالوريا في نسختها الأولى وفي طبعتها الثانية لم تتخلص من هاجس التدليس، ولذلك ضاعت المصداقية ولم يبق منها سوى "النشّ والهش".. و"رأصني يا جدع على الواحدة ونصّ"! كلّ الأقوال والأفعال التي تبنتها وزارة "التغبية"، لم تُنقذ البكالوريا من اللعب والتلاعب، لأنها ارتمت في أحضان تدابير موضعية وظرفية، بل وخاطئة حسب العارفين بالقطاع المريض، بنفس الطريقة التي يُحاول بها الطبيب المبتدئ معالجة مريض متهالك بالآسبيرين وهو مصاب بالطاعون! لا فرق بين الفايسبوك والتويتر والvpn، والحروز، في الغشّ، ولعلّ الرهان الخطير الذي يتربّص بنا سوءا جميعا، هو صعود فئة جديدة من الغشاشين، ثم دخولها الجامعة وتخرّجها بشهادات في مختلف التخصصات، وهناك طبعا يكتمل مسار الحصول على النقاط بالغش والابتزاز والمقايضة! هم أبناؤنا وأبناؤكم وأبناؤهم، كلهم مستهدفون، في مستواهم وشهاداتهم وتحصيلهم العلمي، وبعدها نصبح جميعا مستهدفون في الوظائف والمناصب، في المدرسة والجامعة والمسجد والإعلام والإدارة والقضاء والهندسة ومختلف المسؤوليات، ولهذا فإن نجاح بكالوريا خالية من الغش والفبركة وتضخيم النقاط، هو نجاح لنا جميعا! الطامة الكبرى إن الجيل الجديد، له قابلية التأثير والتقليد السريعين، وهذه وحدها رصاصة كافية لتصيبنا في مقتل، فعقلية "الفاست فود" حوّلتنا إلى "خبزة مسّوسة"، لا نأكلها إلاّ إذا جُعنا أو أصبنا بالضغط الدموي والعياذ بالله، وكذلك قصة "الباك"، تكاد تصبح بلا ملح ولا ولون ولا ذوق، نتيجة منطق "تخطي راسي" و"نلعب أو نخسّر"،.. فاللهم لا نسألك ردّ القضاء وإنما نسألك اللطف فيه.