شغلت ظاهرة الغش حيزا هاما من النقاش العام والرسمي قبيل الامتحانات المصيرية هذا العام وذلك بعد أن أخرجتها تقنية الجيل الثالث من الهاتف النقال إلى العلن ، وأصبحت تهدد مصداقية البكالوريا والمعايير التقييمية للمنظومة التربوية عموما، ما دفع بالوزيرة نورية بن غبريط إلى التحرك والإعلان عن إجراءات بالتنسيق مع أجهزة امنية وأخرى مشرفة على قطاع الإتصالات، في خطوات لحماية البكالوريا من سلوكات شوشت الموسم الماضي على الإمتحان المحوري و إمتدت هذه السنة إلى شهادتي التعليم الإبتدائي والمتوسط بأساليب مشابهة لكن تظل حقيقة مرتكبيها محل شكوك. الغش ورغم كونه ظل ملازما لقطاع التعليم ليس في الجزائر فقط بل في كل دول العالم إلا أنه أخذ في السنوات الاخيرة منحى خطيرا بدخول وسائل متطورة ودقيقة سهلت الأمر على مرتكبيه بل وساعدت في نشر ثقافة البحث عن النجاح دون عناء. أكاديميون يعترفون بالظاهرة ويحذرون من نتائجها وتأثيرها لكنهم يطالبون بصرامة أكبر وإعادة نظر في مقاييس التقييم لسد الطريق أمام هواة «الكوبياج» فيما يراها مختصون في علم النفس والإجتماع إنحرافا خطيرا لا يمكن السكوت عنه ينم عن تراجع في نظم الضبط ويعد في نظر الدارسين للظاهرة نتيجة لمشاكل نفسية صعبة، كما تحمل الكثير من الأطراف التي تحدثت إليها النصر في هذا الملف المسؤولية للأولياء إما بالتعاطي السطحي مع الميول للغش أو بالضغط على الأبناء للحصول على نتائج جيدة، ما جعل الوسط التربوي والباحثون يلتقون في نقطة أساسية وهي أن الظاهرة لم تعد أداة الفاشلين فقط وإنما أصبح النجباء يلجؤون إليها بحثا عن المزيد من التفوق.تلاميذ إلتقت بهم النصر كشفوا عن تقنيات ووسائل متعددة لاختراق حاجز الفشل في الامتحان والنجاح بمجهود أقل وأكدوا أن للغش أدوات وسوق تتكيف مع المتغيرات حتى تمكن من الإفلات من الرقابة والظفر بنجاح مغلف بفنون التحايل. ملف من إعداد : مريم بحشاشي تلاميذ يكشفون عن أساليب متطورة في الغش وأساتذة ينددون من الحروز إلى الحبر السري و البلوتوث لم يعد الغش ذلك الفعل المخجل الذي يمارس في سرية من طرف أقلية عاجزة عن إفتكاك نجاح بعد تعب، فقد تحول إلى ثقافة تلقن في الأوساط التربوية وحتى الشارع والأسرة، وتقنيات تتطلب إمكانيات مادية وعلاقات وإطلاع بعالم أفرغ عامل التقييم التربوي من مفهومه وحول النجاح إلى مراوغة. تلاميذ لا يخفون لجوءهم إلى الغش للمرور أو رفع الرصيد من النقاط ووسط تربوي يندد وأولياء منقسمون بين التواطؤ والعجز عن التحكم في الأبناء، فيما وجد قناصو الفرص سوقا لترويج وسائل تسهل « الكوبياج» ليصبح النجاح مفهوما مطاطيا مرتبطا ببلوتوث وحبر سري أو «حروز» تحقق المعجزة. «من نقل انتقل، ومن اعتمد على نفسه تعطل»، «يا تكوبي، يا تفلوبي» (إما الغش أو الرسوب)، «اطلب الغش و لو من الصين»... أمثال جديدة أصبحت متداولة بين تلاميذ اليوم في تعابير تحيل إلى تجذر مفهوم الغش في المسار التعليمي ليتحول بذلك المجتهد إلى حلقة ضعيفة في المسار التربوي بسبب منافسة غير متكافئة يجر إليها من طرف فئات لا تعرف عن الاجتهاد سوى تخصيص الوقت والمال للبحث عن أدوات تنهي السنة الدراسية بسلام وربما توصل إلى الجامعة. النصر إلتقت بعدد من التلاميذ أمام مؤسسات تربوية بمدينة قسنطينة لنقل صورة عن عوالم الغش وكيفية تسخير التكنولوجيا بطرق سلبية، ووقفت من خلال اعترافات صريحة لتلاميذ على خطورة الظاهرة على المنظومة التربوية والمجتمع ككل. الجولة قادتنا إلى عدد من المؤسسات التربوية بحي الكدية أين توجد ثلاث ثانويات و متوسطة و ابتدائية بهذا الحي الإداري، وقد كانت إجابات المتمدرسين مفاجئة و صادمة في آن واحد، حيث اعترف الكثيرون و بفخر بتبنيهم للظاهرة، منذ المراحل التعليمية الأولى، و أسهب البعض في وصف و تعداد الحيل المستعملة و التي يجتهدون في البحث عنها عبر شبكات الواب و بمواقع التواصل الاجتماعي، كما لا يترددون في دفع المال للحصول على بعض الوسائل لتنفيذ أساليب مستحدثة . حيث يلجئون إلى مقاهي النت، للحصول على أوراق صغيرة بحجم 200 مم، يطبعون عليها ما يحتاجونه من معلومات، بالإضافة إلى الأوراق المكتوبة بالحبر الشفاف و أخرى على شكل أشرطة شفافة، من الصعب كشف أو قراءة ما كتب عليها، قبل وضعها فوق سطح غامق اللون، فيما تتفنن الفتيات و بشكل خاص في مرحلة الثانوي في استعمال الأظافر الاصطناعية كأداة للغش. و اعتبر آخرون استعمال الآلة الحاسبة العلمية، و برمجتها و الكتابة على الطاولات و الجدران و الأقلام و غيرها، أساليب تقليدية تم التخلي عنها، بعد تفطن الأساتذة إليها، مما يضطرهم، إلى إيجاد بديل أكثر حداثة في كل مرة، مثلما ذكرت مجموعة من التلميذات اللائي تحدثنا إليهن بمحيط ثانوية الحرية، و أكدن بأنه و رغم المراقبة المشددة المفروضة عليهن في الامتحانات بهذه المؤسسة، إلا أنهن يجدن دائما طريقة للغش. ولم تختلف إجابات التلاميذ الذين سألناهم عن الوسائل المستعملة في الغش، حيث أكد أغلبهم بأن كل الطرق الجديدة و غير المعروفة لدى المراقبين محبذة، و اعترف البعض بأنهم يجدون متعة في ممارسة ذلك، خاصة عندما لا يتم ضبطهم متلبسين، و سرد بعض التلاميذ، بأن الطرق التقليدية باتت بالية و استبدلت بأخرى أكثر تطورا و حداثة، و ذلك باستعمال الهواتف الذكية و تقنية الجيل الثالث، حيث يتم إرسال الأسئلة و الحصول على الأجوبة في زمن قياسي، بتواطؤ من الأصدقاء و الإخوة و حتى الأولياء و بشكل خاص الأمهات، مثلما ذكروا، مشيرين إلى تساهل ولا مبالاة الكثير من الأساتذة، خاصة في الامتحانات العادية، مؤكدين رواج طريقة الغش بالبلوتوث لدى الميسورين، في حين يكتفي الأغلبية بما يعرف بطريقة «الزوم»، القائمة على طبع المقرر الخاص بالفصل، باستخدام بنط صغير جدا في شريط طويل يتفنن الغشاشون في طرق إخفائه في شكل نابض لولبي، يتم سحبه و إعادته إلى مكانه بسهولة و سرعة فائقة. و تحدث عدد من التلاميذ عن حالات الغش بالهواتف الذكية و تمرير الأجوبة في ما بينهم أو تلقيها من خارج المؤسسة و أحيانا من داخلها، غير أن تشديد المراقبة و تجريد التلاميذ من الهواتف النقالة و الآلات الحاسبة و الساعات الإلكترونية الجد متطوّرة، يدفع بهم إلى الاستمرار في البحث عن البديل، مثلما ذكر تلميذ في شعبة الرياضيات، مؤكدا بأنه لا يلجأ للغش إلا في المواد الأدبية، لأنه لا يجيد الحفظ، و كثيرا ما يتحصل على نقاط ضعيفة تتسبب في تراجع مرتبته، كاشفا عن طريقة وصفها بالناجعة و القائمة على كتابة أسماء الشخصيات التاريخية، أو الأدبية في شكل أرقام يدرك وحده معنى كل رقم و الحرف الذي يقابله ، بالإضافة إلى اعتماده على ما يتم تسريبه من باقي زملائه في الصف، خاصة الفتيات المعروفات بإتقان كتابة ما يطلقون عليه اسم «الحروز». الشجاعة للذكور والتفنن للفتيات الجميع يكاد يصبح معنيا بالغش، سواء بممارسته مباشرة أو بالتواطؤ في تحقيقه، من خلال الهمس بالإجابات أو المساهمة في تمرير «الحروز» إلى الزملاء، حيث ساد منطق نبذ الغشاشين للرافضين للأسلوب الذين لا زالوا يؤمنون بالكد، حيث يتعرّض كل من يتجرأ على رفض المشاركة في عمليات الغش أو فضحها، إلى الانتقاد و التوبيخ من قبل دعاة النجاح دون تعب، والذين يرون في المجتهدين أشخاصا تنقصهم الشطارة و الجرأة، و يحاولون قدر الإمكان ضمهم إلى حلقاتهم، من خلال حثهم على مساعدة غيرهم، مثلما قالت إحدى التلميذات بثانوية الأختين فضيلة سعدان، التي أكدت، بأنها لا تتأخر عن مساعدة صديقاتها معلّقة «فرحتي لا تكتمل إن رسبت صديقاتي، لذا نمرر أوراق «الكوبياج» إلى بعضنا البعض «، و أردفت زميلتها بأن الذكور أكثر شجاعة من الإناث في تمرير الأوراق، لكن الفتيات «رائدات»، على حد تعبير إحداهن، فيما يخص التفنن و اتقان إعداد أوراق الغش، خاصة الفتيات المتحجبات اللائي توصلن إلى كتابة الأجوبة على الجهة السفلية من الخمار، أو إلصاق أوراق الغش على السروال تحت الحجاب. «لا نجد الوقت الكافي للمراجعة والتساهل شجعنا» حاول عدد من التلاميذ الذين سألناهم عن الظاهرة و أسباب انتشارها تبرير هذا السلوك السيء، بصعوبة المناهج الدراسية وكثرة الدروس و عدم فهمهم و استيعابهم للدروس، بسبب إسراع الأستاذ في الانتهاء من المقرّر في الوقت المحدد، بالإضافة إلى عدم إيجادهم وقت للمراجعة و الحفظ، لتقارب مواعيد الفروض و الامتحانات في الشهر الواحد.و اعترف البعض بأن تساهل المعلمين مع الظاهرة، شجعهم على تبنيها، خاصة بعد تقدّم الغشاشين عليهم في الترتيب الفصلي و السنوي، و عدم تحملهم لانتقاد و معاتبة الأولياء لهم، بسبب الدرجات المتحصل عليها فتقترب نتائجهم من نتائج الغشاشين أو يتفوقون عليهم. و أسر عدد من التلاميذ بأن أولياءه لا يمانعون أو ينزعجون من حصوله على معدلات عالية بفضل الغش. أساتذة : أكثر الحالات تتعلق بمواد أدبية عدد من الأساتذة عبروا عن خطورة الوضع، في ترسيخ حقيقة فقدان العلم لرسالته الأساسية، تلقين التربية و الأخلاق و المبادئ، حيث بات التلميذ يتعلّم انطلاقا من الأسرة و المحيط، بأن الاجتهاد و المثابرة لم يعودا معيارا للانتقال و التفوّق.و اشتكى الأساتذة من تفاقم انتشار الظاهرة التي أخذت منحى خطيرا، بعد أن بات كل شيء مباح و تجاوز أسوار أقسام الأطوار التعليمية الأولى إلى الجامعات، أين أصبح الطالب يقدّم بحثا ليس له فيه إلا الاسم ، و لا يحمل على عاتقه تسجيل و لو رؤوس أقلام داخل قاعات الدروس و المحاضرات التي نادرا ما يحضرها، لأنه يدرك منذ البداية بأنه سيلجأ إلى الغش بكل الوسائل. و قالت أستاذة مادة فلسفة في الطور الثانوي بأن أكثر عمليات الغش تتم في مواد الحفظ، و أرجعت أسباب استفحال الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى النظام التعليمي الذي يركز على الاختبار التحريري أكثر من المقاييس التقييمية الأخرى، بالإضافة إلى التنافس بين المؤسسات التربوية لأجل الحصول على سمعة جيدة تعتمد على الترتيب الجيّد بقائمة أفضل المؤسسات التربوية، تحقيقا لأعلى نسب نجاح، ما أدى إلى لجوء بعض المؤسسات إلى تضخيم النقاط و التهاون في مكافحة الغش، لأجل الحصول على أعلى العلامات، و إن كانت مزّيفة.و قال ناظر بثانوية بالمدينة الجديدة علي منجلي، بأن الغش و إن كان ظاهرة عالمية، فإنه قد أخذ بالجزائر طابعا شموليا، تعانيه كل القطاعات، لدرجة بات التزوير و الغش سلوكا غير منبوذ، بل يتم التفاخر بالنجاح في ممارسته، دون تفطن المراقبين، بل يتم أحيانا بعلم من الإدارة و صمت من المكلفين بالحراسة، مؤكدا بأنه كان شاهد عيان على احتيال و غش إطارات شاركت في مسابقة ترقية مهنية. و عبّرت أستاذة مادة لغة إنجليزية في الطور المتوسط ، عن استيائها من تساهل الإدارة مع حالات الغش التي يتم ضبطها، مؤكدة بأن مدير المؤسسة التي تعمل بها ، يطلب منهم عادة عدم اتخاذ إجراءات ردعية ضد التلاميذ الغشاشين، لعدم حرمانهم من الانتقال، لأنه في حال رسوبهم توّجه أصابع الاتهام إليهم و لا يسلمون من الانتقاد. ولم يخف عدد من الأساتذة الذين تحدثنا إليهم، استغرابهم، مما وصفوه بالعبقرية السلبية لبعض التلاميذ الذين يقضون وقتا طويلا في التفكير في طرق شيطانية للتمكن من ممارسة الغش بكل نجاح، بدل قضائه في مراجعة و حفظ ما يمكن حفظه من معلومات مفيدة. لعل من أغرب ما عايشه بعض الأساتذة من مواقف غش، تلك التي تحدث عنها أستاذ مادة علوم طبيعية، عن زميله الذي جعل منه تلميذان، وسيط غش بينهما بكل جرأة و برودة أعصاب، مستغلين جيب مئزره لتمرير أوراق تحمل إجابات مقتضبة، حيث طلب منه التلميذ الأول إعادة قراءة سؤال غير واضح، و لما اقترب منه وضع الإجابة التي كان قد كتبها لزميله. هذا الأخير الذي قام بنفس الطريقة و دعا الأستاذ بحجة توضيح شيء ما له، لاستعادة الرسالة التي بعثها له صديقه.الحالة الثانية سجلها أستاذ لغة عربية مع تلميذة متحجبة ألصقت عشرات القصاصات الورقية على سروالها، أسفل حجابها المرصع بالأزرار التي كانت تفتح بعضها لاستخراج الأوراق التي تحتاجها.حالة أخرى سجلت لدى ثلاث زميلات متحجبات، كتبن إجابات على ظهر مآزرهن لتمكين الزميلة التي بالخلف من قراءتها و استغلالها، حيث كان من الصعب تفطن المعلم المكلف بالحراسة لذلك، لأن الجهة العليا للمئزر المستغلة في الغش، تمت تغطيتها بالخمار الذي كانت تسحبه المتحجبة، كلما سنحت لها الفرصة. مواقع التواصل الاجتماعي بوابة للترويج زاد التشجيع العلني للغش عبر المواقع الالكترونية، من خلال إعلانات مغرية ترّوج لمختلف الأجهزة الصغيرة و المستعملة في مثل هذه العمليات، و تحت مختلف التسميات. و من تلك المواقع «توب آفير»،»لابوتيك أنسوليت»، «واد كنيس»، «في بلادي»..و غيرها من المواقع إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي التي يتم من خلالها تبادل روابط المواقع، التي يتم نشر إعلانات بيع مثل هذه الأجهزة المثيرة لصغر حجمها، كسماعات «جي أس أم» من دون هاتف التي يتم وضعها كإكسسوار في القلادة و تلك التي يتم إدخالها في الأذن بطريقة يصعب رؤيتها فضلا عن سماعات المغناطيس التي لا يمكن رؤيتها و اكتشافها بجهاز كاشف المعادن و التي يرّوج لها أصحابها بتأكيد صفاء الصوت 100بالمائة وعدم حاجة مستخدمها للاتصال، لأنه بمجرّد تلقيه المكالمة يفتح الخط تلقائيا، دون الضغط على أي زر، بالإضافة إلى الأقلام الذكية التي تستعمل لتسجيل الدروس.و الملفت أن هذه المواقع تشهد ارتفاعا منقطع النظير في عدد الزوار عشية الامتحانات و بشكل خاص في نهاية السنة الدراسية، و الذي تعكس تعليقات و تساؤلات الكثيرين فضول البعض و اهتمام البعض الآخر. مفتش التربية الوطنية غزالي بوحجر المحظور تحوّل إلى حق قال مفتش التربية الوطنية غزالي بوحجر بأن الاجراءات الصارمة و التعليمات شديدة اللهجة و العقوبات التي طالت مقترفي الغش في امتحان البكالوريا السنة الماضية، يجب أن تعمم على باقي المستويات، لإسدال الستار على هذه الظاهرة الممقوتة، على حد وصفه، في كل الديانات، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالعلم المقدّس. و أضاف المفتش بأن المسافات التي كان يقطعها طالب العلم في الماضي ، بحثا عن مكان وكرسي بمكتبة أو دار للثقافة أو مقهي للمراجعة والاستعداد الجاد و الجيد للامتحان و الإصرار على انتزاع تأشيرة المرور لمستوى أعلى أو إلى الجامعة، استبدلت اليوم باجتهاد من نوع غير مألوف، يتمثل في بحث الغشاشين عن أحدث وأنجع الوسائل المساعدة على اقتراف الفعل الشنيع و وجهتهم ما يجود به الجنس الأصفر من مخترعات وابتكارات يستخدمونها في الحصول على علامة، قد تفوق نقطة الممتازين ويعتبرونها حقا مشروعا. وإذا كان الأساتذة الحراس يعملون كل ما في وسعهم من أجل إخراج «الحروز» وما شابهها ومراقبة الأدوات وما تحمله من كتابات وهواتف، إلا أن هذه الأخيرة أصبحت تتوفر على تكنولوجيا تحتاج إلى أجهزة التشويش لعرقلتها، مردفا بأن المتعلمين من الفاشلين، حوّلوا المحظور المحرم، إلى مكسب شرعي وحق منصوص عليه ، حيث يتحدون الحراس ويستعملون القوة من أجل الغش ولا يقتصر هذا على التلاميذ بل «تعشعش» في الحرم الجامعي الذي يعج بأنواع الغش ، كما مس الامتحانات المهنية التي يترشح لها المديرون والمفتشون و غيرهم، مشيرا إلى الكتابات و المقولات المتداولة المشرّعة و المشجعة لهذه الآفة من ذلك :» من نقل انتقل « «من اعتمد على نفسه خسر ورسب « و «اطلبوا الغش و لو من الصين» وغيرها من الأمثال و العبارات المضحكة المبكية، حسبه ، ليبقى الخاسر الأكبر الممتاز الذي ينفق كل وقته في المراجعة والبحث والتحضير، ليجد من هم أقل منه معدلا في الفصل قريبين منه، وقد يكونون معه بمدرجات الجامعة و في اختصاصات لا تمنح لأي كان. كما تحدث عن ضعف التكوين القاعدي لعديد المتعلمين الذين ينتقلون بطرق شتى إلى مستويات عليا، وكذا كثرة المواد وطبيعتها ونوعية الأسئلة التي يعتمد في بنائها على التذكر والاسترجاع والمباشرة، دون أن تلامس مستويات عليا كالفهم والتحليل والتركيب والتقويم، و دعا إلى ضرورة إدخال تعديلات على طريقة بناء الامتحانات و تجاوز المستويات الدنيا، مع تجريم و حظر الغش بجميع أنواعه و أشكاله، خاصة في مجال التعليم و التكوين الذي يعتبر منشأ رجالات المستقبل والحاملين للمشعل وإطارات الدولة . رئيس مصلحة التفتيش و التكوين بمديرية التربية محمد العطافي حان الوقت للتخلي عن طرق التقييم التقليدية يرى رئيس مصلحة التفتيش و التكوين بمديرية التربية بقسنطينة محمد العطافي، بأن ظاهرة الغش استفحلت، بعد اعتماد محاسبة مردود المؤسسات من خلال النتائج التي لا يتم مراقبتها و لا البحث عن مدى مصداقيتها، و كان المهم بالنسبة للمدراء تحقيق نتائج و لو مزّيفة، لأجل تصدّر قوائم الترتيب المحلية و الوطنية أيضا، فضلا عن الخوف من التشهير في حال تسجيل نتائج ضعيفة تعكس الواقع و المستوى الفعلي للمتمدرسين، بدل البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها، الشيء الذي شجع، حسبه، على غض النظر عن بعض التجاوزات المسجلة في الامتحانات، طالما أن الجميع يهتم للنتيجة و لا يسأل عن كيفية الحصول عليها. و يجد محدثنا الحل الأمثل في مكافحة الظاهرة في التوعية و إعادة النظر في طريقة التقييم الحالية، لكونها لا تراعي في رأيه، مكتسبات و مهارات و قدرات المتعلّم و لا ظروفه، و دعا إلى ضرورة إيجاد البديل و التخلي عن التقويم الكلاسيكي القائم على التنقيط و الانتقال للبحث عن الكفاءات و تشجيعها كل في المجال المهيأ له، أو يظهر استعدادا أكبر لخوضه، مثلما هو معمول به في الدول المتقدمة. بخصوص المسؤول عن تزايد انتشار الظاهرة في كل الأطوار التعليمية، قال محمد العطافي بأن الكل مسؤول و بدرجة كبيرة الأولياء و الأسرة، باعتبارها المحيط التربوي الأول الذي يتعلّم فيه الطفل و رجل المستقبل القيم الصحيحة، وأضاف بأن توعية النشء بهذا الخصوص، بات صعبا لأن الظاهرة مسجلة في كل مكان و تحيط به من كل جانب و يصادفها يوميا في سلوكات أشخاص قد يعتقد بأنهم قدوة في الأمانة و النزاهة كالطبيب و رجل القانون و المعلم الذي يجدر به أن يكون مثالا في الأخلاق و القيم، و هو ما اعتبره جريمة تنخر كيان دولة يردد مجتمعها المسلم الحديث النبوي»من غشنا فليس منا»، في حين تظهر سلوكات أفراده العكس، بل أصبح من لا يغش هو الشاذ. و ذكر محدثنا بحادثة الغش التي كان بطلها ابن أحد المسؤولين السامين في ولاية قسنطينة، الذي خصص له أساتذة نقلوا له جميع الإجابات و سارعوا لتهنئته عبر الجرائد بعد ظهور نتيجة البكالوريا. المختص في علم النفس العيادي الأستاذ لخضر عمران سلوك مرضي لا يجب التهاون بأعراضه يرى المختص في علم النفس العيادي الأستاذ لخضر عمران أن معيار التفوّق و الاجتهاد بات محصورا في العلامة التي تعد الوسيلة الوحيدة للتقويم، فيما لم تعد تأخذ بعين الاعتبار باقي المعايير التي لا تقل أهمية عن نقطة الامتحان، مما جعل طالب العلم لا يهتم إلا بكيفية تحصيل نقطة تضمن له المرور و الانتقال من سنة إلى أخرى و من مرحلة إلى ثانية، دون الاهتمام بتحصيل معلومات و معارف تنفعه في حياته الدراسية و المهنية مستقبلا. وأشار أن هوس الأولياء بتفوّق أبنائهم ساهم في لجوء حتى بعض النجباء إلى الغش، خوفا من عدم تحصيل نتائج ممتازة و هو ما قد يثير غضب أوليائهم و يمكن أن يصيبهم بالإحباط، الشيء الذي جعل كل الطرق مسموحة، بما فيها أساليب الغش التي قد تكون لها تأثيرات مختلفة قد تبدأ بتأنيب الضمير، و الشعور بالخجل، لكن مع تكرّر العملية تتحوّل إلى عادة، ثم إلى حق و سلوك ينتهجه متبنوه في مختلف مراحل الحياة.و قال المختص في علم النفس العيادي و هو أيضا أستاذ محاضر بجامعة بجاية، بأن التهاون و التساهل المتزايد مع الغش، جعل هذا السلوك المرضي و غير السوي، سلوكا شبه عادي و مقبول من قبل الأولياء الذين لا يسألون ابنهم الكسول و ضعيف المستوى عادة، عن سر و كيفية حصوله على علامات يدركون جيّدا بأنه لم يتحصل عليها بالجهد الفكري، و إنما بطرق ملتوية، و مع ذلك يغضون الطرف و هو ما يساهم في تشكيل شخصيات مزّيفة تفتخر بانجازات لم تتعب في تحقيقها و تأخذ مكان أو مرتبة شخص آخر مثابر، و هو ما قد يتحوّل مع الوقت إلى مشكلة نفسية حقيقية، خاصة عند رفض الغشاش الاعتراف بالخطأ و محاولة إقناع النفس بالقدرة على التفوّق، دون تعب، و الاستمرار في ذلك إلى مراحل متقدمة من الحياة المزيّفة التي يرفض التخلي عنها، مهما كان الثمن.و اعتبر النفساني بأن ظاهرة الغش سلوك مرضي لا يمكن التهاون بأعراضه، مؤكدا بأنه يخفي مشاكل نفسية حقيقية تبدو بسيطة في البداية، لكنها تتفاقم مع الوقت و قد تؤدي بصاحبها لحالة انفصام إذا صدق الصورة المزّيفة التي رسمها لنفسه طيلة سنوات، من خلال إقناع نفسه بأنه متفوّق و أذكى من غيره. الباحثة في علم الاجتماع بجامعة قسنطينة 2 كريمة بن دراج الغش يعكس انهيار السلم القيمي للمجتمع ترى الباحثة في علم الاجتماع كريمة بن دراج/جامعة قسنطينة 2/بأن التغيّر الاجتماعي و الثقافي القيمي الحاصل في المجتمع الجزائري، و انهيار سلم القيم و غياب أنظمة الضبط التقليدية التي كانت سائدة من قبل، وراء انتشار ظواهر سلبية و خطيرة كالغش، الذي قالت، بأنه لا يمكن التحدث عنه، دون التطرّق إلى الجانب الثقافي و الديني و القيمي في المجتمع.و أضافت الباحثة بأن القيم و المعايير قد تتناقض داخل المجموعة الواحدة، بسبب ميل بعض المجتمعات و الأفراد إلى التركيز على المعتقدات الدينية، فيما تميل أخرى إلى إعطاء قيمة أعلى لمجال العلوم، معتبرة شيوع الظاهرة و استباحتها و انتشارها بهذا الشكل في مجتمعنا، يرجع للتغير الاجتماعي و الثقافي القيمي الحاصل و الذي أرجعته إلى أسباب اقتصادية و ثقافية و سياسية، إلى جانب طغيان الجانب المادي على الحياة الاجتماعية، في مجتمع راجت به النزعة الفردانية و تغليب المصلحة الفردية على العامة، فضلا عن زيادة العلاقات السطحية، مقابل العلاقات الأولية التي كانت سائدة في الأرياف و ما نتج عنها من غياب لأنظمة الضبط التقليدي التي كانت لها مكانتها و نجاعتها في محاربة مثل هذه السلوكات المرفوضة، كما كان لها دور مهم في التنشئة الصحيحة للمجتمع.محدثتنا تطرّقت أيضا إلى العلمانية التي ترى بأن تأثيرها كان واضحا على المجتمعات، بما فيها المجتمع الجزائري، سيّما على الجانب الديني، مشيرة إلى تراجع الوازع الديني و ما رافقه من انهيار في السلم القيمي، حيث بات الغشاش يوصف بالمتمكن و الشاطر و الذكي، و بدل نهره أو نبذه تتم الإشادة به و تهنئته بالنجاح المحقق، دون تعب. رئيس مصلحة الامتحانات و التكوين بمديرية التربية عزالدين عليوش أكثر من 90 بالمائة من حالات الغش في الامتحانات الرسمية تسجل عند الأحرار كشف رئيس مصلحة الامتحانات و التكوين بمديرية التربية عزالدين عليوش، بأن أغلب حالات الغش المسجلة في امتحانات البكالوريا يرتكبها المترشحون الأحرار، بنسبة تتجاوز التسعين بالمائة، حسبه، مشيرا إلى عدد المترشحين الذين تم ضبطهم في حالة غش السنة الماضية، و الذي قدّر، حسبه ب39حالة، من بينهم خمسة مترشحين متمدرسين، فيما كان البقية من فئة الأحرار. و قال المسؤول بأن الظاهرة لم تكن منتشرة بالشكل الذي باتت عليه اليوم، لأن الغشاش في وقت قريب كان منبوذا من قبل الجميع، سواء داخل الأسرة أو المدرسة و حتى المحيط من الأصدقاء، و كان يتم على مستوى فردي يفضح و يشهر بصاحبه في حال ضبطه متلبسا، كما لم يكن الغشاش يتجرأ على البوح بذلك، حتى إلى أقرب الناس إليه، لعلمه المسبق برد فعله، أما اليوم فقد انعدم الحياء و بات الغشاش يفتخر بما يقترفه من سلوك لا أخلاقي بين زملائه و يعتبر نفسه بطلا، لم يتمكن المراقبون من كشفه أو ضبطه متلبسا، لمهارته في استغلال تقنيات يقضي وقتا طويلا لتحضيرها، بدل الاجتهاد بالحفظ و المراجعة. و اعتبر الاجراءات الصارمة المتخذة من قبل وزارة التربية في هذا الشأن، قادرة على الحد من الظاهرة، خاصة في مراكز الامتحانات الرسمية، أين تكثف الرقابة، ما عدا بعض الحالات التي وصفها بالمعزولة و التي لا يمكن تعميمها، و التي، في رأيه، لا تؤثر على مصداقية النتائج، لأنها غالبا ما يتم التعامل معها بجد و تتخذ ضد مقترفيها إجراءات عقابية تتراوح بين التوبيخ و الإقصاء المباشر و الحرمان من اجتياز الامتحان لمدة قد تتراوح من خمس إلى عشر سنوات. و استبعد فكرة تواطؤ الأساتذة في عمليات الغش في الامتحانات الرسمية و اعتبرها مجرّد إشاعات، غالبا ما تتضح بأنها خاطئة، أما بخصوص الغش في الامتحانات العادية، فقال بأن الاجراءات العقابية تتم على مستوى داخلي بالمؤسسة التربوية، و الأستاذ مطالب بالتصريح بحالات الغش المسجلة في قسمه للإدارة لتتخذ ما تراه مناسبا ضد مرتكبي الغش. وحول الغش في مسابقات الأساتذة و إطارات التربية لأجل الترقية، فأكد بأن قسنطينة لم تسجل حتى اليوم تجاوزات بهذا الشأن، لأن المترشحين أنفسهم يراقبون بعضهم البعض و لا يسمحون بحدوث تجاوزات سيدفعون ثمنها برسوبهم أو عدم ترقيتهم لأنهم سكتوا عن حقهم، مثلما قال.