إذا ما صدّقنا عنوانا عريضا لإحدى أبرز اليوميات الوطنية، فإن قرار الحكومة بحجب مواقع التواصل الاجتماعي حماية لدورة الإعادة لامتحانات الباك يكون قد "أعاد الجزائر إلى العصر الحجري"، وترى أن الحكومة تكون قد خرقت طائفة من القوانين الدولية ومنها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وتوصيات أممية تصنِّف حجب المواقع ومواقع التواصل الاجتماعي "جريمة ضد حرية التعبير". الظاهر أن صاحب المقال لا يعلم بعد علمه شيئا، لا عن العصر الحجري الحقيقي، ولا عن عصر الدجّال الإفتراضي وأدواته المبثوثة في الشبكة التي تابعنا كيف عبثت بعقول الملايين من العرب والمسلمين، وقادتهم إلى الدخول طواعية في مساراتٍ عدمية، وفوضى هدّامة، أعادت عمليا أربع دول عربية إلى ما قبل العصر الحجري، ثم إن اليومية تكون قد وضعت ضمنيا طائفة من الدول الرائدة اليوم في مجال الاقتصاد والعلوم مثل الصين ضمن الدول التي ما زالت عالقة في "العصر الحجري" لأنها تمارس رقابة لصيقة، وحظرا شبه تام ودائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد يلحق بها كثيرٌ من الدول الغربية التي تمارس رقابة قبلية وبعدية تقمع المواقع التي تتعاطى مع ما يسميه الغرب الصهيوني بالفكر المعادي للسامية. القرار الذي اتخذته الحكومة لم يكن بدعة، وقد سبقتنا إليه دولٌ كثيرة كانت عرضة لعمليات تشويش مماثلة، وكان كثيرٌ من الخبراء قد نصحوا السيدة بن غربيط رمعون باتخاذ نفس القرار عشية الدورة العادية لولانادها وتفرُّدها بالقرار، ولكن أن يأتي التصحيح متأخرا خير من أن لا يأتي، وقد منحتنا الدليل على أن الحكومة قادرة متى تشاء على "خرق" فرمانات القانون الدولي الذي يطبَّق على الضعفاء من الدول ليس إلا. وحريٌّ بنا أن نغتنم هذه الفرصة لتقييم مقدار الضرر المزعوم الذي يكون قد لحق بالبلد بحجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي يعلم القاصي والداني أصولها الصهيونية، وتسخيرها اليوم لاختطاف إدارة الشعوب من أولياء أمرها الصالح منهم والطالح، وعلى حدِّ علمي لم تتوقف عجلة الحياة في الأيام الثلاثة الماضية، ولم تشرق الشمس علينا من المغرب، ولم تسقط علينا السماء كسفا، فأين هي الأضرار الجانبية التي تكون قد أعادت البلد إلى العصر الحجري؟! بقي النظر في ما ادّعاه بعضُهم من اعتداء على "حرية التعبير" في بلد ما زال يصنَّف في رأس قائمة الدول الأقل انفتاحا على وسائل التواصل الحديثة، وله في المقابل سوابق أخطر من قرار الحجب، بل إن حكومته متَّهمة بكثير من التفريط في حماية المجتمع من معاول الهدم المنهجي التي نشرها الدجَّال لتخريب الفطرة البشرية السليمة، ولم تحرِّك ساكنا لتطويق المواقع الإباحية أو حجب المواقع والقنوات التي تزرع النعرة الطائفية والمذهبية، وتمارس إرهابا فكريا أخطر بكثير من إرهاب الجماعات المسلحة. ثم ما حاجتنا أصلا إلى "حرية تعبيرٍ" تُرفع كشعار أجوف، إذا كانت المنظومة المهيمنة تمنع عندنا وعند غيرنا القدرة على التغيير، وما دامت الحرية التي يتشدقون بها في هذا العصر المتحجّر "حرية الذئاب داخل خم دواجن" في السياسة كما في الاقتصاد والإعلام وحتى في ولاية المرء على أهل بيته؟!