انتقد التقرير البريطاني حول حرب العراق، الأربعاء، بشدة الاستخبارات والجيش والقيادة السياسية في ظل حكم رئيس الوزراء السابق "طوني بلير" في الفترة التي سبقت الاجتياح عام 2003 وخلال النزاع. كتب بلير "سأقف الى جانبك مهما حدث"، وذلك في مذكرة أرسلها الى الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش في 28 جويلية 2002، قبل أشهر من الحرب في مارس 2003. وأوضح التقرير أنه "في مطلع جانفي 2003، كان بلير استنتج احتمال وقوع الحرب". وفي نهاية الشهر ذاته وافق بلير على الجدول الزمني الاميركي للقيام بعمل عسكري بحلول منتصف مارس". وخلص الى ان بلير "وضع المملكة المتحدة على الطريق المؤدي الى نشاط دبلوماسي في الاممالمتحدة وامكانية المشاركة في عمل عسكري بطريقة من شأنها ان تجعل من الصعب جدا سحب دعمها للولايات المتحدة في وقت لاحق". وتابع ان بلير "لم يمارس ضغوطا على الرئيس بوش للحصول على ضمانات مؤكدة حول خطط الولاياتالمتحدة، كما انه لم يطلب المشورة حول ما إذا كان عدم وجود خطة تثير الارتياح سيسمح للمملكة المتحدة بإعادة تقييم التزاماتها في خطط كهذه للمشاركة في عمل عسكري". معلومات خاطئة وأوضح التقرير "في ظل عدم وجود غالبية تدعم العمل العسكري، نعتبر ان المملكة المتحدة عملت، في الواقع، على تقويض صلاحيات مجلس الامن”، واضاف "استنتجنا ان بريطانيا قررت الانضمام الى اجتياح العراق قبل استنفاد كل البدائل السلمية لنزع اسلحة البلاد. العمل العسكري لم يكن حتميا آنذاك". وأكد التقرير "بات من الواضح الآن ان السياسة حيال العراق تقررت على اساس المعلومات الاستخباراتية والتقييمات الخاطئة. لم يتم التشكيك فيها، كما كان ينبغي"، وتابع ان "الاحكام حول خطورة التهديد الذي تمثله أسلحة العراق للدمار الشامل تم عرضها بتأكيدات لم يكن لها ما يبررها". وقال شيلكوت انه كان ينبغي على رؤساء اجهزة الاستخبارات "التوضيح لبلير ان المعلومات الاستخباراتية لم تكن +فوق الشبهات+ ان من ناحية استمرار العراق في انتاج الاسلحة الكيميائية والبيولوجية، او الاستمرار في جهود تطوير اسلحة نووية”، لكنه كان اكثر حذرا بشأن الملف حول اسلحة العراق الذي صدر عن مكتب بلير في سبتمبر 2002، وبات نقطة محورية لانتقاد خطة الحرب، وافاد التقرير "لا يوجد دليل على ان المعلومات الاستخباراتية ادرجت بشكل غير ملائم في الملف او ان رئاسة الوزراء مارست تأثيرا على النص بشكل غير صحيح". ما بعد الحرب يؤكد التقرير انه "رغم التحذيرات الواضحة، تم التقليل من العواقب المترتبة على الاجتياح. فالتخطيط والاعداد لعراق بعد صدام كان غير ملائم تماما"، واعتبر ان بلير "لم يتأكد من وجود خطة مرنة وواقعية متكاملة من حيث المساهمات العسكرية والمدنية للمملكة المتحدة لمعالجة المخاطر المعروفة"، وتابع التقرير "ما تزال آثار الفشل في التخطيط والتحضير لما بعد الاجتياح ماثلة"، وختم ان "استعدادات الحكومة فشلت ان تأخذ في الحسبان حجم مهمة تحقيق الاستقرار وادارة "العراق واعادة اعماره". الإطاحة بصدام جعل العالم أكثر أمانا! اعتبر رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير ان الاطاحة بنظام صدام حسين في 2003 كان قرارا صائبا، مؤكدًا أن العالم بات أكثر أمانًا. قدم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير اعتذاره عن الاخطاء المتصلة بخوض بريطانيا الحرب في 2003 في العراق والواردة في تقرير لجنة التحقيق البريطانية الذي نشر الاربعاء، لكنه دافع عن الحرب معتبرا أنها جعلت العالم "افضل واكثر امانا". ووجه جون شيلكوت رئيس لجنة التحقيق الاربعاء انتقادات قاسية لتوني بلير، معتبرا ان اجتياح العراق عام 2003 حدث قبل استنفاد كل الحلول السلمية وان خطط لندن لفترة ما بعد الحرب لم تكن مناسبة. وافاد التقرير الطويل المؤلف من 2,6 مليون كلمة والمنتظر منذ سبع سنوات، ايضا ان بلير وعد الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش بالوقوف الى جانبه بخصوص العراق "مهما حدث". واعتبر شيلكوت في تقريره ان بريطانيا اجتاحت العراق بشكل سابق لاوانه في العام 2003 من دون ان تحاول "استنفاد كل الخيارات" الدبلوماسية. واضاف رئيس اللجنة "استنتجنا ان بريطانيا قررت الانضمام الى اجتياح العراق قبل استنفاد كل البدائل السلمية للوصول الى نزع اسلحة البلاد. العمل العسكري لم يكن آنذاك حتميا". وندد بواقع ان لندن استندت الى معلومات اجهزة استخبارات لم يتم التحقق منها بشكل كاف. واعتبر شيلكوت ايضا ان المخططات البريطانية لفترة ما بعد اجتياح العراق عام 2003 "كانت غير مناسبة على الاطلاق". وقال: "رغم التحذيرات، تم التقليل من شأن عواقب الاجتياح. المخططات والتحضيرات للعراق في فترة ما بعد صدام (حسين) لم تكن مناسبة على الاطلاق". ولا تزال مسألة التدخل في العراق تؤثر في السياسة البريطانية. وهذا ما يفسر تردد المملكة المتحدة في المشاركة عسكريا في اي حرب منذ ذلك الحين، وهي مسألة تؤرق حزب العمال بقيادة جيريمي كوربن. مصالح بريطانيا ورد بلير على تقرير لجنة التحقيق بالتأكيد انه تصرف حفاظا على مصالح بريطانيا العليا. وقال رئيس الوزراء الاسبق الذي بدا عليه التأثر خلال مؤتمر صحافي في لندن "كان القرار الاكثر صعوبة الذي اتخذته، وقمت بذلك بحسن نية". واضاف: "انا اتحمل كامل المسؤولية واعبر عن المي واسفي واقدم اعتذاراتي". لكنه قال في الوقت نفسه "لقد اتخذنا القرار الصائب. العالم بات افضل واكثر امانا" بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين ونافيا ان يكون التدخل في العراق قد ساهم في زيادة التهديد الارهابي. واعلن انه يتحمل "كامل المسؤولية عن الاخطاء التي ارتكبت في الاستعداد (لهذه الحرب) وتنفيذها"، متداركا "لكن ذلك لا ينفي حقيقة انني اعتقد اننا اتخذنا القرار السليم". واضاف بلير "كنت سأتخذ القرار نفسه لو كنت في الوضع نفسه". ومضمون هذا التقرير يعتبر قاسيا بالنسبة لبلير الذي قالت اللجنة انه وعد العام 2002 الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش بالوقوف معه "مهما حدث" حتى قبل حرب العراق. واستمعت اللجنة في اطار تحقيقها الى 120 شاهدا بينهم بلير وغوردون براون الذي تولى رئاسة الحكومة خلفا له. وهذا التقرير الذي طلب في 2009 وكان يفترض ان تنشر نتائجه خلال عام، تحول بحد ذاته الى قضية مثيرة للجدل بعد ارجائه مرات عدة، ما دفع عائلات الجنود الذين قتلوا في العراق الى توجيه انذار للسلطات تحت طائلة ملاحقات قضائية. وقرر بعض هؤلاء مقاطعة جلسة عرض التقرير في قاعة للمؤتمرات في لندن فيما تجمع متظاهرون بدعوة من ائتلاف "اوقفوا الحرب" (ستوب ذي وور). وردد المتظاهرون "لقد كذب بلير، الاف الاشخاص قد قتلوا". وقال مايكل كولفر المتقاعد البالغ من العمر 78 عاما لوكالة فرانس برس ان "توني بلير مجرم حرب"، داعيا الى محاكمة المسؤولين السياسيين البريطانيين. وقالت سارة اوكونور وهي شقيقة جندي قتل في 2005 وهي تبكي ان "الناس يجب ان يعرفوا ان هناك ارهابيا في هذا العالم اسمه توني بلير". ورحبت منظمة الشفافية الدولية بالتقرير في بيان واعتبرت ان "اخطاء العراق يجب ان لا تتكرر بتاتا". وبدورها دعت منظمة العفو الدولية الى اخذ العبرة من استنتاجات التقرير وضمان ان "التحقيقات الجارية حول الاتهامات بالقتل والتعذيب (...) مجدية ومتينة". اللجوء الى القضاء واتُهم بلير، الذي ترأس الحكومة بين عامي 1997 و2007، بتضليل الشعب البريطاني بتأكيده وجود اسلحة للدمار الشامل في العراق، وهو ما لم يتم التثبت منه ابدا. وقتل عشرات الالاف من العراقيين في الحرب والعنف الطائفي الذي اعقب ذلك. وشارك نحو 45 الف جندي بريطاني في الحرب بين عامي 2003 و2009، لقي 179 منهم حتفهم. وقبل نشر التقرير قال عدد من النواب بدءا بأليكس سالموند من الحزب الوطني الاسكتلندي انهم ينوون اغتنام الفرصة من اجل بدء اجراءات "اقالة" قد تكون نتيجتها المحتملة تجريد بلير من لقب رئيس الوزراء الاسبق. واجراءات "الاقالة" التي تستند الى قانون استخدم للمرة الاخيرة في 1806 ويعتبر قديما، ترتدي طابعًا رمزيًا. وقد تشكل المعدات غير الكافية لدى القوات البريطانية، نقطة ثانية يمكن ان يعتمد عليها معارضو بلير لمهاجمته. ويتعلق الامر خصوصا باستخدام اليات "لاند روفر" مصفحة بشكل خفيف لا يمكنها مقاومة العبوات الناسفة، ويصفها الجنود بأنها "نعوش على عجلات". وقال محامو عائلات 29 جنديا قتلوا في العراق انهم سيدققون في تقرير شيلكوت. وقال مكتب ماك كيو وشركائه لوكالة فرانس برس ان التقرير "يمكن ان يشكل أساسا من اجل اتخاذ اجراءات قانونية ضد بلير ووزرائه أو الحكومة بشكل عام". والتأخير في نشر هذا التقرير يعود اساسا الى الحق بالإجابة الذي منح الى جميع الأشخاص الذين تم انتقادهم او كانوا موضع شكوك. وكتبت صحيفة "ذي غارديان" الاربعاء أنه إذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي "هو الحدث السياسي الأهم للبريطانيين منذ الحرب العالمية الثانية، فان اجتياح العراق في 2003 ليس بعيدا كثيرا عن ذلك". واضافت أنّ "الذين يعيشون في ظل النظام القاتل للدولة الاسلامية أو لنظام بشار الأسد يحق لهم القول أنّ الاجتياح الذي حدث قبل 13 عاما هو الذي فتح أبواب الجحيم".